هبة أصلان (DW) : قصص ملهمة في مجالات اجتماعية عدة قدمها شباب من قطاع غزة بهدف تحفيز التغيير الإيجابي في المجتمع. هذه القصص قُدمت عبر مؤتمر "تيديكس الشجاعية" كنسخة فلسطينية لمنصة "تيد" العالمية الداعمة للأفكار الخلاقة.



حولت آية عبد الرحمن وهي فنانة تشكيلية من قطاع غزة غرفتها في قسم علاج أورام السرطان في مشفى "بيلنسون" الإسرائيلي إلى مرسم فني تزين لوحاتها جدرانه، كثيرون ظنوا أنها تعمل معالجة نفسية في القسم وليست مريضة، كيف لا وهي التي لم تفارق الابتسامة وجهها، بينما من حولها يبكوا. وبهذا الابتسامة استقبلت زوار معرضها "قَصَةَ شَعر إجبارية" وهي القَصّة ذاتها التي أجبرها المرض الخبيث على القيم بها.

استطاعت آية أن تطرد المرض بعد سبع سنوات من استقراره في جسدها، وهي التي تنبأ الأطباء بقرب انتهاء أجلها قبل أكثر من سنة، وهكذا كان سيناريو المرض والشفاء قصة تُدرّس، فصعدت درجات منصة مؤتمر "تيديكس الشجاعية" لتحكي القصة التي أبكت الجمهور، لكن قصة آية التي شاهدها الملايين حول العالم عبر الإنترنت لم تكن الوحيدة في المؤتر، بل قَدَمَ من خلاله عشرة ملهمين آخرين قصصهم كل على طريقته.

الانطلاقة
انطلاقة الحدث الذي حمل شعار "أفكار تستحق النشر" كانت أشبه بالماراثون، وذلك بعد أن نجحت الشابة هبة ماضي وبعد فشل عدة محاولات قام بها أقرانها في إقناع إدارة منظمة "تيد" الأمريكية وهي المنظمة الأم للمؤتمر بمنحها ترخيص لإقامته، لينضم تيدكس الشجاعية إلىحوالي 11.470 مؤتمرا لتيد، تم تنظيمها في أكثر من 177 دولة في العالم.

تكوّن فريق "تيديكس الشجاعية" من أربع إناث ومثلهم من الذكور، وجميعهم طلاب جامعيون أو خريجون جدد، أكملوا مراحل السباق بجهودهم التطوعية، وبتقسيم للأدوار عقدوا ورش عمل تعريفية بحدث لم يكن معظم سكان القطاع قد سمعوا به من قبل، فقامت بالتسجيل عبر التطبيق الإلكتروني المخصص للحدث أكثر من مئة شخصية، وليستقر العدد النهائي على أحد عشر متحدثاً، كان من بينهم الكاتب الفلسطيني أحمد أبو رتيمة وقصته مع "الفوضى المنتظمة"، والفتاة غادة شومان و "التجرد"، والشاب مهند الخيري مع "زراعة الأفكار".

لماذا الشجاعية لا غزة!
تمنع قوانين منظمة "تيد" من إقامة النسخة الأولى للحدث في بلد ما باسم منطقة كبيرة مثل غزة، وفي رحلة بحث الفريق عن اسم، وقع الاختيار النهائي على حي الشجاعية شرق غزة، وتشير مسؤولة الفريق هبة ماضي في حديثها لـDW عربية، إلى أن اختيار المكان جاء لمكانته التاريخية أولاً، ورمزيته المؤلمة خلال الحروب على القطاع وبعدها، فقد كان الحي بمساكنه وساكنيه هدفا لصواريخ الطائرات الإسرائيلية التي خلفت حسب أرقام المرصد الاورومتوسطي لحقوق الإنسان 2.147 قتيلاً، أكثر من 81 منهم من المدنيين.



آية عبد الرحمن: شابة تقهر السرطان وتمضي في مشوارها

ولأن من رحم الألم يولد الأمل، تضيف ماضي بأن تيديكس الشجاعية هدف إلى إيصال رسالة للعالم أجمع بأن أرض غزة محبة للحياة، وإظهار الوجه الجميل لها وهي التي لطالما قُدمت للعالم على أنها منبع للإرهاب والتخلف، وذلك من خلال أفكار وتجارب المتحدثين المتأهلين الذين حملوا في جعبتهم قصصا كشفت عن الوجه الآخر لشخصياتهم ولقطاعهم الذي أصابه الكثير من الدمار.

"قبل أن أموت، أريد أن..."

باللغتين العربية والانجليزية وَجَهَ "تيديكس الشجاعية" أفكاره الملهمة للعالم الذي شاهد الحدث المباشر عبر شاشة إلكترونية زود بها الموقع الإلكتروني لـ "تيديكس الشجاعية"، والذي كان هو الآخر إضافة نوعية للنسخة الغزية انفردت بها، ود ضمنه الفريق كل المعلومات المتعلقة بالمؤتمر والمتحدثين، هذا ولم يكتفي الفريق بتقديم القصص بل جرى تنظيم معرضا تكنلوجيا وزاوية خاصة بالألعاب الإلكترونية إلى جانب لوح للرسائل التي تركها الحضور المائة الذين اختيروا بعناية، كتبوا فيها أمانيهم وأحلامهم التي يأملوا تحققها قبل أن تنتهي حياتهم في بقعة جغرافية الخارج منها مولود.

حجارة الشجاعية" شعاراً لتيديكس


تيديكس الشجاعية منصة متكاملة لعرض الأفكار والمنتجات

أراد فريق "تيديكس الشجاعية" أن ينفرد بأدق تفاصيل الحدث، فالاختيارات العادية لم يكن لها مكان في أحاديثه، حتى منصة المتحدثين والتي غالباً ما نراها تقليدية، كانت هذه المرة مميزة وتحاكي عنوان المؤتمر بنسخته الغزية، فجاء الاسم محفورا على جزء من حجارة البيوت المهدمة التي خلفتها الحرب وقد تم طلاؤها باللون الأحمر الذي تخللته مساحات رمادية، في حين وضع في الخلفية تصميم هندسي من الخيوط الملونة يحاكي شجرة تل المنطار التي تتربع على التل ذو الموقع الاستراتيجي والعسكري الهام باعتبارها مفتاحا لمدينة غزة على مر التاريخ.

وفي معرض حديثها، تقول ماضي "اعتبرنا هذه المنصة الجزء الثاني من الحياة في غزة عامة، فإذا كان الفصل الأول يعبر عن الويلات والمآسي، فإن ألوان الشجرة باعثة للأمل، ومن بقايا حجارة المنطقة التي أبيدت عن بكرة أبيها ستخرج غزة بما يلهم العالم، في فصل جديد يحاكي حب أهلها للحياة".

انتهى "تيديكس الشجاعية" لهذا العام، لكن طموحات فريقه لم تنتهي، فهم كما أرادوا للحدث الأول التميز، فتراهم يخططون بعناية أكبر للعام المقبل، وبات طموحهم يدفعهم للمشاركة في المسابقات التي تنظم على هامش هذا النوع من المؤتمرات العالمية.


تيد أو TED هو مؤتمر عالمي سنوي، تعود بداياته إلى العام 1990 عندما انطلق من الولايات المتحدة، ويمنح كل متحدث مدة زمنية تتراوح ما بين 4-18 دقيقة ليقدم قصته الملهمة بأكثر الطرق إثارة وجذباً للجمهور. وتختصر الحروف اللاتينية الأربعة لمؤتمرات تيديكس أو TEDx،المحاور الرئيسية التي يطرحها والمتمثلة بـتقنية Technology، وترفيهEntertainment ، وتصميمDesign ، أما "الإكس" فتعبر عن حدث منظم ذاتياً.


تيديكس الشجاعية- قصص ملهمة إلى العالمية

هبة ماضي : عاماً، مسؤولة فريق "تيديكس الشجاعية"، تحمل شهادة البكالوريوس باللغة العربية، شغفها وحبها لمقاطع مؤتمرات تيديكس الخاصة بالتعليم، حفزاها لخوض غمار التجربة ونجحت بإقناع إدارة "تيد" العالمية على منحها الترخيص.



أحمد الفليت : أسير فلسطيني محرر، حكم عليه الاحتلال الاسرائيلي بالسجن مدة 99.999.999 عام. ومن على منصة "تيديكس الشجاعية قال "عندما حصلنا على فرصة تناول برتقالة، لم نكن نأكلها حتى كانت تقارب على الفساد، كنّا ننام ممسكين بها من شدة تعلقنا بالحياة".



تامر المسحال : إعلامي فلسطيني، كان أحد مفكري "تيديكس الشجاعية"، وكانت كرة القدم التي صعد إلى المنصة يحملها، نواة قصته "الجنسية غير محددة"، فقد حُرِم عام 1994 من خوض لعبة كرة قدم شارك فيها فريق غزي في النرويج، كون سلطات الاحتلال منحته وثيقة سفر برتقالية لم تحدد فيها جنسيته، فاختار دراسة الإعلام ليحكي قصته وقصص الآخرين.



هاشم غزال : فلسطيني أصم، يعمل في مهنة النجارة، لغة الإشارة هي اللغة الأساسية في منزله، يعترض على مقولة "فاقد الشيء لا يعطيه" فهي يرى أن فاقد الشيء يعطيه وبشدة.



فقرات فنية : تخلل مؤتمر "تيديكس الشجاعية" عددا من الفقرات الفنية، كان من بينها مشاركة الفنان الفلسطيني محمد الديري في رسم لوحة بورتريه للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وفرقة "وتر" الموسيقية الشبابية.



جمهور تيديكس الشجاعية: أختير الجمهور الذي حضر المؤتمر بنسخته الغزية بعناية فائقة، وذلك من خلال نموذج للأسئلة تمت تعبئته إلكترونياً، واستقر العدد على مئة شخص.



الكاتب: هبة أصلان