الرياض (جمعية القلب) : إن أكتشاف علاقة إرتفاع مستوى الهوموسستين بالدم وأمراض الشرايين التاجية تعتبر من الأمور الجديرة بالعرض والتحليل لكشف أسرارها ومخاطرها وطرق علاجها. ولهذا السبب تم لقائنا بأستشاري الطب الباطني وأمراض الدم بكلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي أ. د عبد الكريم المؤمن لحواره عن الهوموسيستين ولألقاء المزيد من التوضيح والضوء على هذا الموضوع الهام الذي نشعر بأهميته لتثقيف المجتمع لنتجنب مخاطره والوقوع بين براثنه.



وقد ذكر د/ المؤمن أن الهوموسيستين هو عبارة عن حمض أميني طبيعي يوجد في الخلايا والبلازما وهو يلعب دوراً رئيساً في تدمير شرايين الجسم بأكثر مما يفعله التدخين أو السمنة أو الكولسترول نفسه، ويتم تصريفه بطريفتين: الأولى بتحويله إلى ميثيونين بواسطة تفاعل يعتمد على وجود الفولات وفيتامين بـ 12 وإنزيم ميثيونين سنثيز الطريقة الثانية هي عبارة عن التخلص من الفائض من الهوموسيستين بتحويله إلى مادة السيستين بواسطة تفاعل يعتمد على وجود فيتامين بـ 6 وإنزيم سيستاثيونين سينتيز

وعند قصور إنزيم ميثيونين سينتيز (وراثيا) أو الفولات أو فيتامين بـ 12 فإن تحويل الهوموسيستين إلى الميثيونين (حمض أميني) يوجد بكثرة في البروتين الحيواني سيتباطأ مما يؤدي إلى تراكم الهوموسيستين وارتفاع منسوبة. وكذلك عند حصول عجز في إنزيم سيستاثيونين سينثيز (وراثيا) أو في فيتامين بـ 6 فإن هذا يؤدي إلى تباطؤ تحويل الهوموسيستين إلى سيستين. الأمر الذي يؤدي أيضا إلى تراكم الهوموسيستين وارتفاع منسوبة في الدم.

مصادره وأهميته :
ويشير د/ المؤمن الى أن الهوموسيستين يأتي من مصدرين: المصدر الأول وهو الرئيسي يأتي من تحويل المثيونين إلى هوموسيستين مرة أخرى بعد إعطاء مجموعة ميثيل والتي تغير عاملاً أساسياً لبناء العديد من البروتينات . أما المصدر الثاني والذي يمثل جزأ يسيراً فهو من الغذاء.

والهوموسيستين يمثل حمضاً أمينياً هاماً لأنه هو المصدر الرئيسي للمثيونين والذي يقوم بإعطاء مجموعة الميثيل الأساسية لبناء البروتينات ثم يعود مرة أخرى ويتحول إلى الهوموسيستين . ولخطورة أرتفاع منسوب الهوموسيستين فإن الجسم يتخلص من فائض الهوموسيستين بثلاث طرق:


• - تحويله إلى ميثيونين والإستفادة منه ببناء البروتينات،

• - التخلص من الفائض بتحويله إلى السيستين الغير ضار والذي يتم طرح في النهاية عن طريق - البول،

• - معادلته بواسطة أوكسيد النيتريك Nitric oxide الذي تفرزه الخلايا المبطنة للأوعية الدموية Endothelial Cells وذلك حتى لا يؤدي إلى تخريب تلك الخلايا


- أضرار الأرتفاع :
وحول الأضرار الناتجة عن أرتفاع الهوموسيستين يقول د / عبدالكريم المؤمن أن من بين تلك الأضرار:

1. تصلب الشرايين: حيث إن ارتفاع منسوب الهوموسيستين يؤدي إلى تأكسده ذاتيا (auto oxidation) وإلى إطلاق مواد خطيرة (Free radicals) تؤدي إلى تخريب وإحداث جروح في الخلايا المبطنة للأوعية الدموية (endothelial damage) بل ومهاجمة الخلايا الواقعة خلفها (subendothelium) الأمر الذي يعطل دور الغشاء الداخلي للأوعية في منع التخثر وإلى نمو غير طبيعي للخلايا الواقعة تحت الغشاء الداخلي للأوعية الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تراكم الصفائح الدموية وإلى عدم القدرة على منع التخثر مما يؤدي في النهاية إلى تكون الجلطات الدموية في عدد من الأعضاء عدة مثل القلب والدماغ والأوردة العميقة.

2. وأيضاً تخثر الدم وذلك بسبب تنشيط عوامل التخثر، وتثبيط موانع التخثر الطبيعية، أضافة الى تثبيط نشاط مذيبات الجلطة (impaired fibrinolysis) وتنشيط مفرط للصفائح الدموية وكل هذا يساعد على تخثر الدم وإلى ضعف ذوبان الجلطات الدموية


- (زيادة مضطردة) :
ويضيف د/ المؤمن إن أضرار الهوموسيستين تزداد بطريقة مطردة مع مستوى الهوموسيستين، فكلما زاد منسوب الهوموسيستين كلما زاد ضرره. فقد أثبتت دراسات حديثة عديدة مثل دراسة جامعة هارفارد عام 1993م على 1400 طبيب ذكر أن درجة خطورة الإصابة بالنوبة القلبية أكثر بثلاث أضعاف عند من لديهم نسبة مرتفعة من الهوموسستين.

كما أثبتت دراسة جامعة ماساشوستس عام 95م ن الأشخاص الذين لديهم أرتفاع في مستوي لهوموسستنين أكثر إصابة بضيق الشرايين وخاصة تضيقات حرجة بالشريان السباتي المغذي للمخ أما دراسة جامعة واشنطن عام 97م فقد أثبتت أن أرتفاع مستوى الهوموسستين لدى الشابات يضاعف خطر حدوث النوبات القلبية لديهن وأخيراً فقد أكدت دراسة أوربية من النرويج ماأثبت سابقاً أن زيادة مستوى الهوموسستين يضاعف خطر حدوث النوبات القلبية والسكتات والجلطات القلبية الحادة والسكتات الدماغية.

- المستوى الطبيعي :
وفيما يتعلق بالحد الطبيعي لمستوى الهوموسيستين في الدم بين د/ المؤمن : إن الحد الأعلى للهوموسيستين يجب أن لا يتعدى 9 ميكروجرام/لتر بالرغم من أن الدراسات القديمة كانت تعتبر إن المستوى الطبيعي لهوموسيستين هو من 10-20 ميكروجرام. فقد أثبت عدد من الدراسات الحديثة بأن أفضل مستوى للهوموسيستين هو أقل من 9 ميكرجرام/لتر سواء كان الشخص صائما أم غير صائم.



- ارتفاع الهوموسيستين - وتعود أسباب ارتفاع الهوموسيستين الى:
1-أسباب وراثية بسبب عجز أحد الإنزيمات التالية:
- مثيونين سينثير ،
- وسيستاثيونين ،
- كذلك ميثيل تترافولات ردكتيز


2- سؤ التغذية
- نقص الفولات (حمض الفوليت)،
- نقص فيتامين بـ 12 (إما بسبب عدم تناول اللحوم أو بسبب سؤ الامتصاص من الأمعاء لوجود مرض بالجهاز الهضمي أو لتقدم عمر المريض)،
- نقص فيتامين بـ 6 ،


3- عوامل أخري مثل
تعاطى الكحول، التدخين، قلة أو عدم الحركة، مرض الذئبة، مرض الصدفية، أمراض انحلال كريات الدم الحمراء، الأورام الخبيثة، الفشل الكلوي، زراعة الأعضاء.


4- بعض الأدوية
تؤدي إلى نقص أو معاكسة مفعول الفولات (ميثوتركسات) وفيتامين بـ 12 (نيتروس أوكسيد) وفيتامين بـ 6 (علاج الدرن اَي. إن. إتش) إضافة إلى أدوية ضد مرض الصرع وأدوية تهبيط المناعة (كورتيزون وسيكلوسبورين).


- مخاطر أخرى والعلاج :
ويبين د/ المؤمن إن زيادة منسوب الهوموسيستين يضاعف أضرار المخاطر الأخرى عدة أضعاف مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة الكولسترول والتدخين... الخ

وعلاج زيادة الهوموسيستين هي أبسط مما يتصوره المرء إذ أن العلاج في معظم الأحيان هو تناول الفولات حوالي 5مجم ولكنه يجب معرفة منسوب فيتامين ب 12 والذي لا يوجد إلا في المنتجات الحيوانية كاللحوم ويكون هابطا في الأشخاص الذين لا يأكلون اللحوم والذين قد يعانوا من حدوث جلطة دموية بسبب ارتفاع الهوموسيستين. كما أن نقصان منسوب فيتامين ب12 قد يكون بسبب عدم امتصاصه من الأمعاء بسبب بعض أمراض المعدة أو البنكرياس أو الأمعاء الدقيقة. فإذا كان منسوب فيتامين ب12 هابطا يجب المعالجة بإعطاء فيتامين ب12 بحقن 1مجم في العضل مرة واحدة كل شهر. وكذلك يفضل التأكد من أن مستوى فيتامين ب6 في المعدل الطبيعي وإلا فيجب أن يعطي المصاب أيضاً فيتامين ب6 بالفم.

- طرق الوقاية
وتكمن الوقاية من ارتفاع الهوموسيستين كما يري د/ المؤمن في الغذاء المتوازن الذي يحتوي على الفولات وفيتامين بـ 12 وفيتامين بـ 6.

وقد أتخذت الولايات المتحدة الأمريكية خطوة خلط فيتامين بـ 6 وب 12 باطحين (الدقيق) والأغذية الأمريكية وهذا يفسر بعض الإنخفاض في مرض شرايين القلب منذ الستينات .

أما حمض الفولات فيمكن الحصول عليه في الحبوب والخضروات والفاصوليا وإعطائه للنساء في سن الحمل قبل أختفاء الصمث بمقدار 400 ميكرو جرام يومياً يساعد على محاصرة الهوموسيستين ومنع حدوث عيوب خلقية في القنوات العصبية لدى المواليد.

كما تكمن الوقاية أيضاً في إعطاء هذه الفيتامينات للمرضى الذين هم معرضون لارتفاع الهوموسيستين بسبب بعض الأمراض أو بسبب التناول المستمر لبعض الأدوية كأدوية الصرع.


بقلم: أ . د / عبد الكريم بن محمد المؤمن
أستاذ الطب الباطني واستشاري أمراض الدم
كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض