اليوم : يعتبر الكثيرون أن مشروعات الأسر المنتجة هي النواة النموذجية للمشروعات الصغيرة النسائية، فهي توفر للمرأة الفرصة للجمع بين العمل التجاري والواجبات الأسرية، بالإضافة الى بيئة العمل الإسلامية التي تعفيها من الاختلاط وأخطار التحرش الذي قد يؤرق بعض الأسر، وكذلك توفر عائدا ماليا ودخلا مستقلا قابلا للزيادة مع كل نجاح وتطور للمشروع في ظل مناخ عمل ملائم.



في حين يرى البعض أن إنشاء هيئة رسمية تضم تحتها كافة الأسر المنتجة سيوفر أكثر من 1.5 مليار ريال، وهو ما يعادل حجم ما تستورده المملكة سنوياً من الصناعات اليدوية، من جانبها قالت ريم محمد الناشطة في دعم الأسر المنتجة بأن هذا القطاع هو ثروة لاتقل أهميته عن البترول، اذا تم الاستثمار خلاله بالشكل الصحيح, فهو أحد أبرز نقاط تأمين المستقبل الاقتصادي للبلد في المستقبل, ولو أخذنا الصين كأقرب مثال, سنجد أنها ليست إلا مشاريع صغيرة مجتمعة وقد سادت العالم وأصبحت ذات ثقل اقتصادي عالمي.

وأضافت بأن أبناءنا فيهم خير ومواهب وهم قادرون على الإبداع لكنهم فقط يحتاجون الى التفاتة من الجهات الحكومية للابتعاد عن التعقيد والبيروقراطية, وعدم توفر مكان ثابت لهم طول العام لعرض منتجاتهم أو تسويقها، وإن وجدت فهي قليلة لا تغطي الجميع لاقتصار هذه الأنشطة على عدد معين من الأسر، بالإضافة الى قسوة وزارة العمل عليهم وعدم وجود استثناءات في قوانينها كما هو الحال في باقي الجهات المختصة بالمشاريع الصغيرة, بل الأدهى والأمر من ذلك ان اغلب طلبات التمويل التي تخص المنشآت الصغيرة تستبعد تلك الأسر من حساباتها.

وبينت ريم محمد أن الثقافة الاجتماعية مساهمة بشكل رئيس في خلق المعاناة لهذه الأسر باعتمادهم في مناسباتهم الاجتماعية واحتياجاتهم على العمالة والماركات العالمية بُغية المباهاة أمام بعضهم البعض, بينما ما تنتجه تلك الأسر لتلك المناسبات ينافس في جودته كل تلك الماركات التي تفوقهم في الأسعار.

وطالبت الناشطة ريم محمد بتوفير آلية خاصة للمواصلات التي تتكفل بهذه الأسر وتمنعها من التودد للسائقين أو صرف العائد الأكبر من تجارتهم على مشاوريهم في المواصلات, فلدى تلك الأسر البسيطة مصاريف تحتاج إلى إغلاق من إيجار ومدارس ومستشفيات وغيرها الكثير, ومن المفترض إعفاؤهم من مصاريف المواصلات بدعمهم ولو في هذه الجزئية.

وختمت ريم قائلة: باختصار لو كان هناك رؤية مستقبلية للموضوع كما يجب لاستوعب ذوو الشأن من المسؤولين فوائد دعم لهذه الفئة، لأنه وببساطة لو استغنت كل أسرة وأصبحت فعلاً منتجة طوال العام لانتعشوا وانتعش الاقتصاد بهم, وقلّّت بالتالي المشاكل الاجتماعية من عنف أسري وطلاق وإدمان وغيرها, حيث ان أغلبها تكون امتدادا لأزمات اقتصادية في الأصل, وأدعو الجميع من هذا المنبر للأخذ بيد تلك الأسر المنتجة والفقراء والمساكين والمستعففين بشكل عام.

ومن جانب آخر قال أستاذ إدارة الأعمال الدولية بجامعة الملك فيصل والخبير الاقتصادي الدكتور محمد بن دليم القحطاني أنه غالباً ما تكون نهاية العمل غير المؤسسي والمنظم للفشل أقرب، صحيح انه هناك أسر منتجة ولكن لا يمكنها التوسع أبداً في نشاطها نظراً لمحدودية الإمكانيات ووعدم وجود التنظيم المؤسسي والبعد عن آلية السوق بكل ما تحمل معها من عناصر كالتجربة والخطأ و المنافسة والابتكار والتجديد المستمر والتنافسية, والاستمرارية وغيرها من مقومات الأعمال, خصوصاً في ظل غياب التشريعات التي تقف خلف هده الأسر وتدعمها لتحولها من أسر منتجة لنمط معين إلى تطبيق، وخلق آلية وبيئة عمل تساعد على وضع الأسس في نطاق العمل المؤسسي، وعمل أنظمة وأدلة للتشغيل والتسويق والانتاج وإدارة العناصر البشرية.

وأضاف القحطاني بأن هذا اللون من الأعمال يعتبر مجدٍ كمصدر جيد للدخل, لكنه وفي ظل غياب المعطيات السابقة التي نطالب بها, فإن هذا الدخل سيزول بزوال القائم على هذه الأسرة, وبالتالي فقدان عنصر مهم من عناصر المشروع وهو الاستمراريةوكشف القحطاني أن إنشاء هيئة رسمية تضم تحتها كافة الأسر المنتجة سيوفر أكثر من 1.5 مليار ريال.

وختم القحطاني مطالباته للغرف التجارية والمحافظات بتبني هذه المشاريع وذلك بالتعاون مع وزارتي الصناعة والتجارة وبدعم من المؤسسات الخيرية وبتنسيق من امارات المناطق لتحويل هذا القطاع الفاعل إلى قطاع حيوي منتج من خلال فتح المجال أمام الابداعات التي تديرها الأسر, وذلك بغية المساهمة الاقتصادية الفاعلة والاجتماعية إما عن طريق سد عوز تلك الأسر أو بالمساهمة في خلق مايعرف بثقافة الانتاج والبعد عن الاتكالية واللامسؤولية.

في السياق ذاته قالت الباحثة في شؤون المرأة عفاف الحقيل, إن كل ما يتم حشده من وسائل وأساليب لتأصيل فكرة حتمية خروج المرأة للعمل لدى النساء، لا يكتسب تأثيره من قناعة المرأة به بقدر ما ينجح بسبب الضغط على وتر الحاجة المادية لدى المرأة، ولو تم توظيف كل ذلك الحشد من إقناع المرأة في الخروج الى إيجاد حلول مناسبة تتفق وما ترغب به أغلب الأسر, لكسبنا الكثير من الوقت والجهد والنجاح أيضاً. وكل ذلك لايعبر عن التوجه الفكري والنفسي الحقيقي للمرأة, فكثير من الأسر المنتجة تعتبر هذه الأعمال والمشروعات مصدر دخل رئيسي لها، فإحدى الأخوات ممن أعرفهن مطلقة ولا ينفق زوجها عليها ولا على أولادها. امتهنت الطبخ وعمل البوفيهات للحفلات وخلال سنوات قليلة استطاعت سد كل حاجاتها وحاجات أبنائها.

وأضافت الحقيل بأن التجاهل الإعلامي المتعمد لمثل هذه المشروعات، وعدم دعمها ومساندتها سبب رئيسي في عدم إيجاد بيئة مناسبة لنمو أعمال هذه الأسر، إذا استثنينا بعض المشروعات التي يتم دعمها من بعض الجهات الإعلامية لأهداف تغريبية حيث يتم إبراز المرأة فيها على النموذج الغربي المخالف لأحكام المرأة في الدين الإسلامي من حيث الحجاب وحدود العلاقة بين الرجل والمرأة.

ونوهت الحقيل قائلة: المعلوم والذي لا شك فيه أن عمل المرأة عن بعد يوفر آلاف الوظائف النسائية المربحة والمجدية، مثل مشروع عمل المرأة عن بعد والذي طرحته الهيئة السعودية العامة للموارد البشرية ودعمته بأبحاث تفيد جدواه الاقتصادية وأنه يوفر أربعة ملايين فرصة عمل للمرأة ويحقق لها نسبة توفير 70% أكثر من المرأة التي تعمل خارج المنزل.

هذا المشروع العظيم تم تجاهله تماما ولا أعلم مالسبب, هل لأنه يتعارض مع أجندة البعض؟

وشددت الحقيل بأن غياب الدعم الحكومي لهذه الفئة ضاعف من مشكلاتهم، والذي تمثل في عدم وجود تسهيلات ومميزات وقروض حسنة كافية ومناسبة في ظل شروط ممكنة وميسرة, بالإضافة الى القيود والاشتراطات العسيرة التي يفرضها القطاع الخاص عند دعم تلك المشاريع, إضافة الى ما سبق ذكره من التجاهل الإعلامي لهم.

وختمت الحقيل بأن المرأة هي محور هام في التنمية الوطنية من خلال ماتقوم به من دور تنموي في منزلها مع زوجها وأبنائها، ومن خلال ماتقدمه لمجتمعها من منجزات وخدمات, ومن حقها أن تجد كل الدعم والرعاية لتستطيع أن تخدم نفسها وبيتها وتسهم في تنمية وطنها في بيئة آمنة مريحة، دون أن تضطرها الحاجة للخروج والعمل في أعمال لا تتناسب معها شرعًا أو فطرةً أو طبيعة.

بقلم / عويد السبيعي – الدمام - صحيفة اليوم