الإقتصادية - خافيير بلاس وجاك فارشي : لم يستغرق الأمر سوى يوم عمل واحد فقط في 2012 كي يتضح ما يراه المتداولون أكبر تحدٍ لأسواق السلع في العام الجديد، وهو ''المخاطر المستمرة''.

614977_192397.jpg

ارتفع سعر خام برنت في مرحلة ما أكثر من أربعة دولارات للبرميل في أحد أيام التداول الأسبوع الماضي، ليبلغ 111 دولاراً للمرة الأولى منذ ثلاثة أسابيع، بعد أن حذر قائد الجيش الإيراني الولايات المتحدة من إعادة حاملة طائرات إلى الخليج، مصعداً بذلك حربا كلامية تزداد عدائيةً مع الغرب.

ومع دخول العام الجديد، فإن توقعات أسعار السلع، ولا سيما النفط الخام، تزداد قتامة بسبب خطر الأزمة الاقتصادية في أوروبا، التي تعني احتمال انخفاض الأسعار، والمخاوف الجيوسياسية التي تعني خطر الزيادة.

وفي قاعات التداول في جنيف، ولندن، ونيويورك، وهيوستن، وسنغافورة يدور الحديث عن الأحداث ضعيفة الاحتمال التي لها تأثير كبير على الأسعار. ويعتقد متداولون مخضرمون ومحللون أن المخاطر كبيرة بشكل هائل.

والخطر المستمر الأكبر، والأكثر تخويفاً، هو حدوث مزيد من الاضطرابات في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا. ففي حال نفذت إيران تهديدها بإغلاق مضيق هرمز، الذي هو ممر حيوي لثلث تجارة النفط المنقول بحراً، فإن التجار يعتقدون أن أسعار النفط يمكن أن ترتفع بقوة.

وحدوث أزمة مع إيران لن يضر أسعار النفط فحسب، بل سلعاً أخرى للطاقة، مثل الغاز الطبيعي والفحم الحراري، وستتأثر حتى تكلفة المواد الخام الزراعية، لأن أسعار النفط الأعلى ستزيد استهلاك الوقود الأحيائي وتجعل الأسمدة أكثر تكلفة.

مع ذلك، هناك أيضاً مخاطر أخرى لهبوط الأسعار، أحدها حدوث انهيار في منطقة اليورو. ويذكر فرانسيسكو بلانش، رئيس قسم استراتيجية السلع في بانك أوف أمريكا ميريل لنتش في نيويورك، خطراً آخر هو ''كابوس السلع الدائم، المتمثل في هبوط صيني عنيف''.

لكن مع أخذ جميع العوامل في الحسبان يرى معظم التجار والمحليين أن الأسعار تميل نحو الاتجاه الصعودي، ولا سيما بالنسبة للنفط.

وفي العام الماضي ارتفعت أسعار النفط فوق 125 دولاراً للبرميل، وسجلت أعلى متوسط سنوي لها عند 110.90 دولار على خلفية الأزمة في ليبيا. وسجلت تكلفة بعض السلع الصناعية الرئيسية الأخرى، من النحاس إلى القطن، مستويات قياسية عالية أيضاً.

إلا أن مؤشر رويترز- جيفرز سي آر بي المعياري، السلة التي تتتبع أسعار المواد الخام من النفط إلى القمح، انخفض بنسبة 8.3 في المائة العام الماضي، وهو أول انخفاض سنوي له منذ عام 2008، وهو كذلك تحول تام في المسار بعد زيادة بنسبة 17 في المائة عام 2010 و23 في المائة عام 2009.

ويتوقع متداولو ومحللو النفط والسلع أن يكون عام 2012 تكراراً للعام الماضي، وأن تتباعد أسعار المواد الخام تحت تأثير انقطاعات في الإمداد، وليس بسبب الطلب القوي، باعتباره المحرك الرئيسي للأسعار. وعلى هذا النحو، فإن الإجماع العام يتجه عموماً نحو انخفاض الأسعار بالنسبة للغاز الطبيعي والسلع الغذائية، وارتفاعها بالنسبة للنفط وبعض المعادن الصناعية، مثل النحاس. وقلة من المتداولين يغامرون بتوقعات ثابتة للأسعار، نظراً للمخاطر المستمرة الكبيرة.

ومعظم الأسعار الخالية من مخاطر من هذا القبيل تميل نحو الصعود المعتدل. ويعتبر النمو الاقتصادي في الصين، وأمريكا اللاتينية، وإفريقيا، والشرق الأوسط - محرك الطلب على المواد الخام في العقد الماضي - قوياً بما فيه الكفاية لتعويض الضعف في أوروبا.

ويتوقع بول هورسنيل، رئيس قسم أبحاث السلع في باركليز كابيتال في لندن، أن تبلغ أسعار خام برنت 115 دولاراً للبرميل عام 2012. ويقول: ''الاقتصاد العالمي ينتج طلباً كافياً على السلع للحفاظ على صحة الاستهلاك. الخطر الحقيقي على الاقتصاد الكلي هو الانقطاع، وليس فقط النمو البطيء''.

والإجماع على سعر خام برنت ـ المعيار لسعر النفط ـ هو 105.20 دولار للبرميل، وفقا للمتوسط المتوقع من 32 محللاً ومستشاراً شملهم استطلاع أجرته رويترز.

وهناك عامل آخر يدعم أسعار النفط هو أن عام 2012 يرث التقليص التدريجي في الإنتاج، والطلب، والمخزون للعام الماضي، بسبب انقطاع الإمدادات في ليبيا، وسورية، واليمن، وبحر الشمال، وأذربيجان، وأنغولا، ونيجيريا.

ومع أن مخزونات النفط في الدول الصناعية في كانون الثاني (يناير) الماضي كانت عالية بشكل غير طبيعي، إلا أنها الآن أدنى من متوسطها لخمس سنوات. وفي أوروبا، المنطقة الأكثر تأثراً بانقطاع الإمدادات الليبية، انخفضت المخزونات إلى أقل مستوى لها منذ 11 عاما.

والشيء نفسه ينطبق على النحاس الذي انخفضت مخزوناته العام الماضي بعد انخفاض نمو المعروض عن توقعات مبكرة بسبب مزيج من النوعيات المنخفضة، والحوادث، وإضرابات العاملين. إلا أن الألمنيوم، والقمح، والكاكاو، والغاز الطبيعي، شهدت تراكماً كبيراً للمخزونات خلال عام 2011، ما يؤثر على الأسعار في العام الجديد، كما يقول المحللون.


المستثمرون يثقون بالذهب

ومع دخول أسعار الذهب المرتفعة عامها الثاني عشر، يتعامل المتداولون في هذا المعدن بإحساس غير مألوف يطغى عليه عدم اليقين.

ففي أعقاب سلسلة من الانخفاضات العنيفة في الأشهر الأخيرة من عام 2011، بلغ معها أدنى مستوياته في ستة أشهر الأسبوع الماضي، يشعر حتى أشد المدافعين حماساً بالألم.

والانخفاض أكثر من 20 في المائة من ذورته البالغة 1920 دولاراً للأونصة في أيلول (سبتمبر) إلى 1522 دولارا الأسبوع الماضي، فاجأ بعض المستثمرين، وجاء وسط مخاوف متزايدة بشأن الاقتصاد العالمي.

هذا الانخفاض، إلى جانب التقلب المتزايد، شكك بعض المستثمرين في الذهب. ويقول فابيو كورتيس، مدير صندوق استثمار السلع في أوكلاي كابيتال: ''بالنسبة لي، شراء الذهب والاحتفاظ به أمر صعب''.

لكن على الرغم من أدائه المتراجع في الأشهر الأخيرة من عام 2011، فإن قلة من المستثمرين على استعداد للتخلي عن الذهب في 2012. ويتوقع يو بي إس، أحد أكبر المتداولين في المعدن الأصفر البرّاق، متوسط أسعار يبلغ 2050 دولاراً للأونصة، في حين يتوقع باركليز كابيتال ألفي دولار. ويتوقع استراتيجيون في جيه بي مورجان أن يصل إلى 2500 دولار.

والموضوع المشترك في نقاشاتهم هو أن عدم وجود حل لأزمة منطقة اليورو سيدفع المستثمرين مرة أخرى إلى الذهب، على الرغم من تقلبه المتزايد. وارتفع سعر الذهب يوم الثلاثاء بنسبة 2.3 في المائة، ليصعد فوق 1600 دولار للمرة الأولى منذ أسبوع.

وارتفعت الفضة أيضاً في العام الجديد بنسبة 5.9 في المائة إلى 29.45 دولار للأونصة - أكبر تحرك في يوم واحد من حيث النسبة المئوية منذ أيار (مايو). لكن في حين لا يزال مستثمرو الذهب متفائلين، يبدو أن كثيرا من المستثمرين في الفضة متأثرون جراء التقلبات العنيفة للمعدن، بحيث تخلوا عنه تماماً.

وخفض المستثمرون في صناديق الاستثمار المتداولة مقتنياتهم من الفضة بنسبة 4.7 في المائة على مدار عام 2011، وفقاً لمارك غراوند، من ستاندرد بانك، وتسارعت عمليات البيع في نهاية العام. وهو يقول: ''مع دخولنا عام 2012، يبدو أن حذر المستثمرين تحول إلى اتجاه تراجعي صريح''.