جهود مغربية لبلورة إستراتيجية تحفز صادرات النسيج
الرباط، محمد ماموني العلوي (العرب) تتطلع الحكومة المغربية إلى طبع بصمتها على قطاع المنسوجات الإستراتيجي ضمن خطة بعيدة المدى تساعد في وصول منتجاته بشكل أكبر إلى الأسواق العالمية عبر تعزيز نشاط الشركات وتحصيل المزيد من الموارد المالية.
-
مساع حكومية لجعل القطاع يتأقلم مع التصنيع الأخضر لتعظيم القيمة
يسعى صناع القرار الاقتصادي في المغرب لبلورة إستراتيجية أكثر قوة تحفز تنمية قطاع النسيج بما يسهم خلال السنوات المقبلة في دعم القدرة التنافسية للشركات المحلية والتأقلم مع التحول المستدام، وفي الوقت ذاته التركيز على تحصيل المزيد من الإيرادات من بوابة الصادرات.
وشدد وزير الصناعة والتجارة رياض مزور أمام البرلمان في وقت سابق هذا الأسبوع على أن ثمة حاجة ملحة إلى إحداث تحول في هذا القطاع بما ينسجم مع ما تفرضه القوانين الأوروبية من الرامية إلى احترام المعايير البيئية.
واعتمدت أوروبا إستراتيجية النسيج المستدام والدائري الرامية إلى جعل كافة منتجات القطاع المتوفرة في أسواق الاتحاد صديقة للبيئة.
وتسعى الرباط من خلال خططها الطموحة لتطوير القطاع لدعم الطلب الخاص من قبل المحلات التجارية في البلاد والطلب المحلي لدعم مبادرة “صُنِعَ في المغرب”.
وبحسب الوزير فإن حجم صادرات القطاع العام الماضي بلغت نحو 4.3 مليار دولار “وهو رقم قياسي”، مؤكدا أنها تسير نحو الارتفاع بمقدار 8 في المئة رغم الظروف الصعبة التي تعرفها الأسواق الأوروبية التي تعتبر المستهلك الأكبر لمنتوجات النسيج المغربية.
◙
الرباط تسعى من خلال خططها لتطوير القطاع ودعم الطلب المحلي لدعم مبادرة "صُنِعَ في المغرب"
وأوضح مزور أن نسبة الإدماج الصناعي المحلي تمضي في اتجاه تصاعدي حيث فاقت 40 في المئة في قطاع النسيج.
ورغم أن تحول قطاع النسيج المغربي نحو الاستدامة لا يزال في بدايته، فقد بات من الواضح أن عصر نموذج الإنتاج الخطي بهذا القطاع قد شارف على نهايته حيث يلوح مستقبل أخضر في الأفق.
وأبرز رئيس الجمعية المغربية لصناعة النسيج والألبسة أنس الأنصاري أن النسيج والألبسة قطاع وازن ومحرك للاقتصاد على اعتبار أنه أكبر مشغل صناعي، مبرزا المساهمة الكبيرة في الميزان التجاري.
وتشير التقديرات إلى أن القطاع حقق نموا بنحو 20 في المئة خلال الثلث الأول من العام الجاري على أساس سنوي.
وتؤكد الجمعية أن المغرب يتموقع كوجهة جذابة في إنتاج المنسوجات، وأن صناعة النسيج تتمتع بالكثير من الدراية والخبرة التي يمكن تقديمها، كما أن الموقع الجغرافي للمملكة يمنح للقطاع مزايا قوية من حيث المرونة والاستدامة.
وقال المسؤول الإقليمي المكلف بالاستثمار لدى مؤسسة التمويل الدولية توماس بيلرن في تصريحات صحفية إن “المغرب يحظى بموقع يمكنه من إنجاح هذا التحول لاسيما بفضل الوعي التام والكامل لمجموع الفاعلين بالقطاعين الخاص والعام بأهميته”.
ويرى بيلرن أن تطور قطاع النسيج والألبسة المغربي أمر ضروري لتحقيق الاستفادة من الإمكانيات التي تطرحها إعادة الهيكلة التي تشهدها السلاسل اللوجيستية العالمية إلى جانب مراعاته لمتطلبات "الصفقة الأوروبية الخضراء".
وهذه الصفقة هي مجموعة من التدابير الرامية إلى وضع الاتحاد الأوروبي على مسار التحول البيئي، التي سيفرضها على المنتجات المستوردة بحلول 2030، ولاسيما تلك التي تنص على ضرورة تصنيع منتجات النسيج باستعمال الألياف المعاد تدويرها.
ووفق البنك الدولي يجب تخصيص ما يناهز 78 مليار دولار لجعل الصناعة المغربية خضراء، وتعبئة الاستثمار من أجل قطاع نسيج مستدام وتنافسي.
وأشار البنك قبل أشهر إلى أن هذا المبلغ يمثل استثمارا سنويا نسبته 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2050، والذي يعتبر في صميم إستراتيجية مؤسسة التمويل الدولية بالمغرب.
وتتمثل التدابير الرئيسية المنبثقة عن دراسة أجراها البنك، والتي يجب على المغرب اعتمادها من أجل إنجاح التحول الأخضر لصناعة النسيج، في الاسترجاع التلقائي لنفايات ما بعد الصناعة، وإنشاء مصانع عصرية للتجميع وإعادة التدوير على أوسع النطاقات.
◙
قوة عاملة تحفز على تنمية القطاع
وبما أن قطاع النسيج يعد واحدا من بين القطاعات الرئيسية، وأكثرها ديناميكية في الاقتصاد المغربي، يعتقد المهنيون أن هذه الصناعة أصبحت اليوم جزءا لا يتجزأ من صناعة مستدامة منخفضة الكربون، وقادرة على تقديم حلول مبتكرة.
ويطمح القطاع إلى حيازة 40 في المئة من حصة الصناعات في السوق المحلية مع تحقيق 5.9 مليار دولار للتصدير، و20 في المئة رقم معاملات الصادرات في أسواق أميركا الشمالية وأوروبا.
وبيد أن الصعوبة التي يتسم بها تفعيل هذا التحول، والتي تفرضها حالة الطوارئ المناخية، وكذلك وجوب التقيد بقوانين الاتحاد الأوروبي التي تزداد صرامة في مجال الدائرية والاستدامة، إلا أنه يظل خطوة قابلة للتحقيق بالنظر إلى مجموع المزايا التي تتميز بها المملكة.
◙
4.5 مليار دولار عوائد تصدير منتجات صناعة النسيج في العام الماضي وفق البيانات الرسمية
وهناك توجه لإحداث سلسلة تمهيدية محلية (خيوط، أثواب، طباعة، صباغة) من شأنها ضمان تتبع مسار العلامات التجارية وزيادة التعاون القائم بين الشركات المحلية في المراحل الأولى من السلسلة لاستيفاء القواعد الأصلية وقواعد التحويل لدخول تفضيلي إلى أوروبا.
وفي أبريل الماضي، تم توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة الصناعة والتجارة والجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة، والتي تسعى لتعزيز تحول هذا القطاع مع الحرص على تعزيز مكانة المغرب في السلاسل اللوجيستية العالمية.
وبحسب مسؤولين من الجمعية فإن هذه الاتفاقية ستمكن خصوصا من وضع أسس سلسلة إعادة تدوير النسيج ما بعد الصناعة وتعبئة الاستثمار الخاص لأجل جعل النسيج بالمغرب صناعة أكثر استدامة.
ويشير بيلرن إلى أن الأمر يتعلق أيضا بالاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا، إضافة إلى إحداث شراكات مع المشترين الذين يدعمون انتقال القطاع من (نموذج القطع والتجميع والتقليم) إلى نموذج يعتمد إنتاج الحزمة الكاملة، ما يطرح رهانا تتولاه الجمعية بكل فعالية.
ويمثل القطاع أكثر من 17 في المئة من الشركات في القطاع الصناعي وهو داعم مهم لسوق العمل، إذ يضم 189 ألف شخص، أي 22 في المئة من عدد العاملين في القطاع الصناعي.
وتعمل الحكومة على متابعة قرابة 102 مشروع جديد في القطاع ضمن مخطط الإنعاش الصناعي بمبلغ استثماري مبدئي ناهز أكثر من 330 مليون دولار يُرتقب أن يسمح بتوفير أكثر من 15.5 ألف فرصة عمل بشكل قار.
مواقع النشر