تونس - وسام مختار (الشروق) : تعيش المعاهد الفنية العليا في تونس منذ مدة مشاكل عديدة، أبرزها ما افرزته السياسة التربوية الجديدة التي انخرطت فيها الدولة منذ أعوام حين ضاعفت من عدد المعاهد دون التفكير في مراجعة التكوين فيها و ربطه بسوق الشغل، الامر الذي أدى الى ظهور مشاكل اخرى عديدة و متنوعة اخرها ما حدث و لا يزال في المعهد العالي للفن المسرحي بتونس!
أثار موضوع غلق المعهد العالي للفن المسرحي حيرة أهل القطاع الفني والثقافي عموما، وأثار ردود فعل متباينة، وجاء هذا القرار الصادر عن جامعة تونس وإدارة المعهد إثر حالة احتقان واحتجاجات في صفوف الطلبة على خلفية ما اعتبروه تدليس أعداد الامتحانات.
الإشكال القائم حاليا بالمعهد العالي للفن المسرحي والذي أدى إلى قرار الغلق ليس الأول من نوعه في المعاهد ذات الخصوصية الفنية، فنفس المعهد عرف في وقت غير بعيد إضراب جوع كان شعاره "زيد طفي الضو.. بجوعنا نفكو مشروعنا"، وذلك على خلفية التضييق على التمارين المسرحية الليلية بقطع الإنارة وغلق القاعات.
واتجهت النية في مستهل الموسم الجامعي الجاري إلى غلق معهد الموسيقى بقابس وقسم الموسيقى بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف، بسبب العدد الضعيف للطلبة المرسمين في المعهدين في اختصاص الموسيقى أو العلوم الموسيقية.
وعن تكاثر او تناسل المعاهد ذات التخصصات الفنية المختلفة قال المسرحي عاطف بن حسين: "إن لم تكن كثرة المعاهد مدروسة فما فائدتها؟" مؤكدا أن المعهد العالي للفن المسرحي بتونس، نقطة مضيئة في تاريخ تونس ومفخرة لها، خاصة أن المعاهد التي تدرس المسرح في العالم العربي قليلة وتونس تفتخر بوجود معهدين لتدريس المسرح على أرضها، وهما معهد تونس ومعهد الكاف، على حد تعبيره.
موضوع لخصه الدكتور عبد القادر الجديدي بالقول: "عندما نتحدث عن الجامعة وعن خرجي الجامعة فإنه يجب الإشارة إلى أن طلبة معهدي الموسيقى والمسرح كلما تخرجوا اشتغلوا وأنتجوا وشاركوا إن جهويا أو محليا أو دوليا، فالمعهد للعالي للموسيقى لا يخرج عاطلين عن العمل ولذلك وجب الاهتمام بهم أكثر ووجب كذلك النظر بكل جدية في قرارات جامعة تونس بخصوص إغلاق المعهد العالي للفن المسرحي».
من المضحكات المبكيات»
هذا القرار اعتبره الممثل عاطف بن حسين، وهو أحد خريجي هذا المعهد «من المضحكات المبكيات»، مشيرا إلى أنه على معرفة قريبة بالوضعية الرديئة التي لا تتجزأ عن وضعية البلاد ككل، لكن أن يصل الأمر إلى غلق المعهد، فالمسألة خطيرة على حد قوله.
ومن جهته ذهب الدكتور عبد القادر الجديدي وهو من مؤسسي المعهد العالي للفن المسرحي إلى أن قرار الغلق حين قال: "إن ما يحدث داخل المعهد العالي للفن المسرحي لا يتعدى النشاط النقابي الطلابي، وطلباتهم تماما مثل طلبات أي طالب في الجامعة التونسية، وإذا كانت طلباتهم غير قانونية وتتعلق بدرجات الامتحان أو بشبهات تدليس فإن ذلك من مهام إدارة المعهد ولجان التأديب وأما أن يتطاول الطلبة على الأساتذة أو أعوان الإدارة فهذا غير مسموح مطلقا وعلى الجهات الرسمية اتخاذ القرار الحاسم ولكن معالجة هذه الحالة المطلبية لم تكن في المستوى المطلوب على مستوى القرار المتخذ».
كما ذهب الدكتور عبد القادر الجديدي إلى أن طلبة المعهد العالي للفن المسرحي وطلبة المعهد العالي للموسيقى وطلبة المعاهد العليا للسينما ليسوا طلبة عاديين، موضحا: "أعني بذلك أن الذين يتوجهون نحو هذه المعاهد هم شباب مهوسون بالفن والخلق والإبداع، هم من خيرة الأجيال الشبابية التونسية وما يميزهم بالخصوص الثورة المستمرة على الأوضاع البالية ومحاولة الإتيان بالجديد في كل شيء، وبالخصوص يثورون ضد الأوضاع البالية التي لا تمكنهم من ممارسة أعمالهم الإبداعية، لكن كل هذا لا يشفع لهم التطاول على أساتذتهم الذين هم أيضا مبدعون ويشاركونهم نفس الهواجس...".
«ثمة لعبة سياسية قذرة»
وغير بعيد عما أشار إليه الجديدي بخصوص الأساتذة وعلاقتهم بالطلبة في المعاهد الفنية سيما المعهد العالي للفن المسرحي موضوع الساعة، أكد عاطف بن حسين أنه يشتم رائحة السياسة ونية لضرب المعهد من داخله مبرزا أنه في فترة سابقة حصلت اعتصامات بالمعهد وحل الإشكال إداريا، لكن هذه المرة على حد قوله ضرب المعهد في مكان لا يجب أن يضرب فيه ويقصد علاقة الطلبة بالأساتذة، وعمت الفوضى فكان الاختيار الإداري "محل مسكر ولا كرية مشومة" على حد تعبير محدثنا..
«هذه العلاقة لا يجب أن تضرب" هكذا علق عاطف بن حسين قبل أن يضيف: "علاقتنا بأساتذتنا في المعهد والذين مازالوا إلى الآن علاقة زمالة لأننا نحمل نفس الهواجس والمشاريع ونعمل مع بعضنا جنبا إلى جنب في أعمال درامية أو مسرحية، وبالتالي محاولة ضرب هذه العلاقة بأية طريقة لا يمكن أن تخرج عن لعبة سياسية قذرة تحاك ضد الثقافة وضد معهد يؤطر مثقفي الغد القريب...».
وشدد الفنان المسرحي عاطف بن حسين على أنه ثمة لعبة سياسية قذرة تهدف إلى تدمير الثقافة، وانطلقت من وزارة الثقافة، وقال في هذا السياق موضحا: "عندما كنا في الوزارة طالبنا بأن تصبح المعاهد ذات التخصصات الفنية تابعة لوزارة الثقافة، لأن وزارة التعليم العالي لا تفهم خصوصية الطالب الفنان والدليل أنهم أغلقوا المعهد العالي للفن المسرحي لأنه خارج عن السيطرة (ضاحكا)... ليست الجوامع فقط خارجة عن السيطرة..
مواقع النشر