الرياض (واس) : أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن المملكة مقبلة على نهضة شاملة وكبيرة في قطاع السياحة بدعم كبير من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ، الذي وجه ـ أيده الله ـ بالاهتمام بهذا القطاع الحيوي ودعمه بالقرارات والميزانيات التي تسهم في تطويره ليكون رافدا أساسيا في الاقتصاد الوطني.
وبين سموه في كلمته خلال اجتماع الدورة الثامنة لوزراء السياحة في مجموعة العشرين التي افتتحت في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس أمس، أن الهيئة قدمت استراتيجية لتنمية السياحة الوطنية أقرت من الدولة عام 2005 ويجري الآن تمكينها من الدولة لتكون أحد أهم محركات الاقتصاد في برنامج التحول الوطني، واعتمدت محورا اساسيا مع التراث والثقافة في رؤية المملكة التي يعمل الجميع لتحقيقها بعدما قدمتها الهيئة وهيأت الظروف والممكنات لها.
ونقل سموه في بداية كلمته تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ، وتأكيدات مقامه الكريم على أهمية السياحة كمحرك اقتصادي واهتمامه أن تبقى سبيلا للمحافظة على أصالة الأمم ووسيلة لعرض التراث والثقافات التي تميز كل دولة.
وأكد سموه أن السياحة تعد أحد أهم محركات الاقتصاد في المملكة، مشيراً إلى أنه عندما بدأ تأسيس قطاع السياحة في المملكة كان هناك تردد في مدى جدوى هذا القطاع اقتصاديا أو قدرته في النمو في المجتمع السعودي، وقدمت الهيئة استراتيجية وطنية لتحقيق ذلك أقرت من الدولة عام 2005 وجرى العمل عليها بوتيرة متفاوتة، والان يجري اعتمادها وتمكينها من قبل الدولة لتكون أحد أهم محركات الاقتصاد في برنامج التحول الوطني.
وأبان أن المملكة أعلنت عبر عدة مؤسسات حكومية عن استثمارات تقارب النصف ترليون دولار في مشاريع طابعها الأكبر هو السياحة في ساحل البحر الأحمر، والعلا، ومشروع القدية، ووسط الرياض، وجدة، والدرعية التاريخية، والعقير بالأحساء، والطائف، وعسير، والباحة، وجازان، وعدة مشاريع أعلنتها الهيئة وصندوق الاستثمارات العامة، والهيئات التي تم تأسيسها لخدمة التوجهات المساندة للسياحة مثل الترفيه والثقافة، وهو ما دعت إليه الاستراتيجية الوطنية للتنمية السياحية التي قدمتها الهيئة للدولة قبل عشر سنوات.
ونوه إلى أن الهيئة وقطاع السياحة حظي بدعم كبير من الدولة في السنتين الأخيرتين من حيث الأنظمة والقرارات وتمويل المشروعات، وأصبح صندوق الاستثمارات العامة الآن يؤدي دوراً كبيراً في إنشاء المشاريع السياحية، بما في ذلك الوجهات السياحية الجديدة، لافتاً إلى تركيز الدولة على الاستثمار في القطاع السياحي، والهيئة تعمل مع صندوق الاستثمارات العامة لإطلاق عدد من الشركات والوجهات السياحية.
وأكد سموه أن تجربة المملكة متميزة بنكهتها الوطنية المعتمدة على الثقافة المحلية والتراث الوطني، التي يعمل فيها المواطنون، ولتبقى تجربة الزوار متفردة بالتعامل مع المواطنين من لحظة وصولهم حتى مغادرتهم، داعيًا إلى التكامل بين السياحة والتراث والثقافة لتكون توجهاً لما ستكون عليه السياحة في المستقبل والتي تعتمد على إبراز هويات الدول والثقافات المختلفة والخلفيات المتنوعة التي تصنع التجربة الثرية في كل منطقة وتحفز على الزيارة والتجربة، مؤكدا أن المملكة العربية السعودية نجحت في جعل السياحة والتراث والثقافة قطاعين متزامنين منذ اقرار استراتيجية تنمية السياحة الوطنية في العام 2005م
ولفت سموه إلى أهمية دعوة وزراء الثقافة ومسؤولي التراث للمشاركة في اجتماعات وزراء السياحة لدول مجموعة العشرين اعتباراً من الدورة القادمة في اليابان او التي تليها في المملكة العربية السعودية.
وقال الأمير سلطان بن سلمان: "لاحظنا من كل العروض وخطط الدول الاعضاء انه لا يمكن الحديث عن السياحة بمعزل عن الثقافة والتراث، والسياحة ليست مجرد محرك اقتصادي رغم أهميتها وعلو كعبها في هذا المجال؛ لكنها تملك قدرة إضافية لتواصل المجتمعات وتواصل الثقافات وأدوارها في التقارب بين الأمم والشعوب، وهي وجه مهم للسلام والتعايش بين الثقافات وتهيئة حياة أفضل للشعوب".
وتناول سموه جوانب من إنجازات الهيئة في تنظيم وتطوير قطاع السياحة والتراث الوطني، مشيرا إلى أن الهيئة أسست منصة كاملة لصناعة اقتصادية جديدة.
وأضاف: "نحن لا نرى السياحة كقطاع بل نراها كصناعة، وهذا يعني أننا نعمل في شراكة مع العديد من شركائنا، وقد أصبح نموذج الشراكة الذي تنتهجه الهيئة نموذجًا لمؤسسات الدولة، حيث تعقد الجهات والوزارات الآن اتفاقيات فيما بينها، كما حدث معنا منذ 15 عامًا، وقد بدأنا في إنشاء وتطوير منظومة من المتاحف الاقليمية والمتخصصة تصل إلى 33 متحفًا، ونقوم بتوظيف وتدريب الكثير من الرجال والنساء من أبناء وبنات البلد الذين تخرجوا حديثاً من الجامعات حول العالم ويتحدثون لغات متعددة ليتمكنوا من إدارة متاحف الجيل الجديد ومواقع التراث، كما وضعت المملكة نظاما تمويل للأشخاص الذين يعملون على ترميم مبانيهم وبلداتهم التراثية، وكذلك برنامجا لتمويل المستثمرين في المشروعات السياحية والفندقية، ونمو الفنادق في المملكة العربية السعودية وعدد الغرف وعدد الفنادق هو الأعلى في الشرق الأوسط".
وتطرق إلى الجهود المتعلقة بتوفير فرص العمل السياحية في المملكة قائلا: "أعتقد أن أحد التحديات الكبرى التي تواجه جميع البلدان هنا، وخاصة في الشرق الأوسط، هو خلق فرص عمل، ونحن في المملكة نقوم بالكثير ليس فقط لخلق فرص عمل، بل توفير وظائف مستدامة بتدريب عال، واليوم تذهب إلى الفنادق السعودية وترى رجالاً ونساء في المطابخ والخدمات وفي مكتب الاستقبال، لكن على الرغم من كل ما نفعله، فإن هدفنا هو ليس توفير الوظائف وحسب، وإنما أيضا التطوير والتدريب الوظيفي في القطاع، كما ركزنا الجهود على دعم الشباب ليكونوا مستثمرين صغارا وليس فقط موظفين، ونمنحهم فرصا في الاستثمار السياحي وتمويل مشاريعهم".
وأكد سمو رئيس الهيئة أن المملكة تعمل الآن على إعادة تنظيم اقتصادها لامتصاص الاستثمارات الكبيرة القادمة وجعلها أكثر شفافية وأكثر حماية من الناحية القانونية، متوقعاً أن تكون المملكة وجهة عالمية مهمة للمعارض والمؤتمرات وفي مقدمة المقاصد في المنطقة لهذا النشاط الاقتصادي والسياحي المهم، وذلك بعد إنجاز مرحلة تأسيس صناعة المعارض والاجتماعات السعودية وتطويرها بشكل شامل وبناء الأنظمة والتشريعات وتهيئة الكوادر وتحديد الفرص الاستثمارية وبناء الشراكات مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص.
وتحدث سموه عن مبادرة (السعودية وجهة المسلمين) التي أطلقتها الهيئة وتحظى باهتمام خاص من خادم الحرمين الشريفين، وتهدف إلى أن تكون المملكة وجهة رئيسة للمسلمين كما هي قبلتهم، وتتميز المبادرة باعتمادها على المواطنين المرحبين فهم من يعملون في تقديم الخدمات والمستفيد مما توفره من عدد هائل من فرص العمل، مبينا أن الهيئة وقعت مؤخرا اتفاقية لتفعيل المبادرة مع وزارة الحج والعمرة والخطوط السعودية وسنوقع قريبا مع شركات طيران أخرى ستنضم قريباً.
وقال: "نهدف من خلال المبادرة إلى ربط المسلمين روحيا بالمملكة التي هي قبلة المسلمين ومهبط الوحي، وتفعيل زيارة المسلمين للمملكة بعد العمرة، وممارسة نشاطات كثيرة ليست فقط السياحة؛ لكن أيضاً يشاركون في الأنشطة الاقتصادية والأغراض العلاجية والمشاركة في المعارض والمؤتمرات وغيرها".
وتبنى المجلس الوزاري الرؤية التي طرحها سمو رئيس بأهمية التكامل بين السياحة من جهة والتراث والثقافات المحلية من جهة أخرى، والدعوة لتكثيف العمل على التناغم بين برامج السياحة مع التراث والثقافة في الدول الأعضاء لكون النمو السياحي يتطلب استيعاب الثقافة والتراث التي تشكل الهوية المميزة لكل دولة والجاذب الأكبر للسياح، ولكون هذه القيم مشتركة تعزز أدوار السياحة في التقارب بين الشعوب والتفاهم بين الثقافات وتعزيز الانتماء للهوية التي تمثل قيمة توازي أو تتفوق على أهمية السياحة اقتصادياً.
كما تبنى الوزراء المقولة التي طرحها في الاجتماع "وظيفتنا وزراء هي ايجاد الوظائف" واتخذوها شعاراً لعمل وزراء السياحة في دول العشرين هذا العام.
وخلال الاجتماع، أكد الوفد الياباني على أن السياحة تمثل ثالث الصادرات اليابانية في عام 2017 حيث تعتبر السياحة من الصادرات لأنها تستقطب السيولة من الخارج، مبيناً أن الثقافة اليابانية والمحافظة عليها أسهمت في استقطاب المزيد من السياح. فيما أعلن الوفد البريطاني أن الحكومة مستمرة في دعم السياحة وتمكينها في دعم الاقتصاد المحلي للمدن، مشيراً إلى أن السياحة هي الموظف الأول لمواطني المملكة المتحدة، وأن هناك خطة للدمج بين الاستثمارات السياحية الصغيرة والمتوسطة مع مؤسسات التقنية والتجارة الإلكترونية حيث أن ذلك هو المستقبل المتوقع للنمو السياحي ويتشكل من هذين النشاطين قطاعاً قد يكون الأهم اقتصادياً.
ومن جهته، أوضح الوفد الألماني في الاجتماعات أن الحكومة الألمانية تعطي اهتماماً استثنائياً الآن لتطوير السياحة وتعتمد عليها بشكل كبير في تنويع مصادر الدخل وتوفير الوظائف وإحداث التنمية في المناطق الداخلية، مبيناً أن الحكومة تركز على التعليم والتأهيل المتخصص لطالبي العمل في السياحة بعد أن أصبح هذا القطاع مغرياً للكثير للانخراط فيه.
فيما ذكر ممثل الاتحاد الأوربي في الاجتماعات أن الإسهام الكبير للسياحة العام الماضي والذي شهد وصول 500 مليون سائح دولي للاتحاد الأوربي بنسبة نمو 8% عن 2016، مع توفير 25 مليون وظيفة و5 ملايين وظيفة جديدة ستضاف خلال العشر سنوات قادمة، لذا فقد اتفق اقادة على إعطاء الدعم للسياحة، لافتاً إلى أن الاتحاد الأوربي يركز على تأهيل طالبي العمل في السياحة لا سيما بمهارات التسويق الإلكتروني والإدارة.
أما وفد الولايات المتحدة، فشدد على أن السياحة قطاع هام جداً للاقتصاد الأمريكي ويمثل 11% من صادرات أمريكا، وأن هناك قناعة وتوجه في الإدارة الأمريكية للتركيز على تجارة الخدمات التي تمثل السياحة أبرز أنشطتها، موضحاً أن الحكومة وضعت خطة لمواجهة الركود الاقتصادي تعتمد على تطوير السياحة وتسهيل الإجراءات ودعم أنشطة التجارة الإلكترونية لخدمة السياحة، وذكر أن هذا التوجه تمكن من تحقيق الجمع بين عملاقين كبيرين في الاقتصاد وموظفين رئيسيين ومحركين للاقتصاد المعتمد على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبرى.
وقد أصدر وزراء ومسئولو السياحة في مجموعة دول العشرين بيانا ختاميا اعتمدوا فيه تعزيز السياسات التي تدعم الابتكار في مجال السياحة وتخلق فرص العمل وتدعم ريادة الأعمال، وخاصة بين النساء والشباب.
كما اعتمد البيان إنشاء مراكز للابتكار السياحي، وتصميم الحوافز والبرامج التي تحفز الابتكار، ودعم ريادة الأعمال، وتوصيل النظم البيئية التي تربط بين الشركات الكبيرة والناشئة والمستثمرين والمؤسسات الحكومية.
وتضمنت توصيات الاجتماع تصميم برامج وطنية تجمع المؤسسات التعليمية من كافة المستويات، والقطاع الخاص، والحكومات وشركاء التقنية لمراجعة البرامج التعليمية وتوظيف السياسات المناسبة لتطوير المهارات اللازمة لفرص العمل المستقبلية، بما في ذلك المهارات الشخصية.
وتضمين شركاء التقنية في هيكلة سياسات وآليات السياحة الوطنية لضمان اعتماد منهجية شمولية في سياسات السياحة الوطنية التي تدعم الابتكار والفرص الوظيفية الجديدة.
وتكوين شبكة للسياحة والابتكار في مجموعة العشرين لتطوير الأبحاث حول التغييرات الناتجة في نوعية المهارات المطلوبة بسبب الثورة التكنولوجية؛ ودعم التبادل في السياسات والمبادرات التي تدعم تطوير المهارات الابتكارية والتقنية في السياحة.
وشارك في اجتماعات هذه الدورة وزراء السياحة في دول مجموعة العشرين بحضور ممثلي المفوضية الأوروبية (EC)، ومنظمة العمل الدولية (ILO)، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ومنظمة السياحة العالمية (WTO)، والمجلس العالمي للسفر والسياحة (WTTC).
مواقع النشر