يمانيـا يظـل يشـد كيـراً
وينفخ دائماً لهـب الشـواظ
فأجابه حسان :
أتاني عن أميـة زور قـولٍ
وما هو بالمغيب بذي حفاظِ
سأنشر ما حييت لهم كلاماً
ينشر في المجامع من عكاظِ
ومن الأمثال السائرة في الشعر :
فإنك ضحَّاك إلى كل صاحب
وأنطق من قس غداة عكاظها
وقال المخبل مفتخراً:
ليالي سَعْد في عكاظ يسوقهـا
له كل شرق من عكاظ ومغرب
قال ابن خميس :
[ أما بداية هذه السوق فللعلماء بها أقوال كثيرة لا تخلوا كلها من مقال إلا أن المرجح أنها بدأت في القرن الخامس الميلادي ويرى صاحب كتاب " أسواق العرب " الأستاذ سعيد الأفغاني أنها قد عمرت أكثر من قرنين ونصف وقد ظلت هذه السوق مستمرة بعد ظهور الإسلام إلى ظهور الخوارج الحروريى مع المختار بن عوف حيث نهبوها سنة 129هـ ومن ثم توقفت إلى هذا العهد].
أيام الفجار و حروب عكاظ في (بلاد قيس عيلان)
الفجار : اربعة أفجرة وكلها بسوق عكاظ . فالفجار الأول كان بين كنانة وهوازن ولم يقع بين الحيين قتال في ها اليوم وأما الفجار الثاني فقد كان بين قريش وهوازن ووقع بين القوم فيه قتال ودماء يسيرة فحملها حرب ابن أمية وأصلح بينهم وأما الفجار الثالث فقد كان بين كنانة وهوازن ولم يقع بينهم قتال في هذا اليوم – وأما الفجار الرابع فقد كان بين قريش وكنانة كلها وبين هوازن وهذا الأخير هو الذي كانت فيه الوقعة العظمى وهو خمسة ايام : يوم نخلة ، ويوم شمطة، ويوم العبلاء ، ويوم شرب، ويوم الحريرة ، وسميت هذه كلها بأيام الفجار لأنها كانت في الأشهر الحرم وهي الشهور التي يحرمونها ففجروا فيها فلذلك سميت فجاراً (32 )
قال: أبو عبيدة(33 ): أيام الفجار(34 ) عّدة وهذا أولها بين كنانة وهوازن, وكان الذي هاجه أن بدر بن معشر أحد بني غفار.. من كنانة جعل له مجلس بسوق عكاظ, وكان حدثاً منيعاً في نفسه, فقام في المجلس وقام على رأسة قائم وأنشأ يقول:
نحن بنو مدركة بـن خنـدف
ومن يكونوا قومـة يغطـرف
من يطعنوا في عينه لم يطرف
كأنهم لجـة بحـر مسـدف
قال: ومد رجلة وقال: أنا أعز العرب فمن زعم أنة أعز مني فليضربها بالسيف ، فضربها الأحيمر بن مازن أحد بني دهمان بن نصر بن معاوية فأندرها من الركبة وقال: " خذها إليك أيها المخندف " وهو ماسك سيفه وقام أيضا رجل من هوازن فقال:
نحن بنو دهمان ذو التغطرف
بحرُ بحورٍ زاخر لم يُنـزف
نحن ضربنا ركبة المخنـد
فإذ مدها في أشهر المُعَـرَّف
فتحاور الحيان عند ذلك حتى كاد أن يكون بينهما الدماء, ثم تراجعوا..
الفجار الثاني
كان الفجار الثاني بين قريش وهوازن, وكان الذي هاجه أن فتية من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر بن صعصعة, وضيئة حسانة بسوق عكاظ, وقالوا: بل أطاف بها شباب من بني كنانة وعليها برقع وهي في درع وهي فضل (في ثوب واحد) فأعجبهم مارأوا من هيئتها, فسألوها أن تسفر عن وجهها. فأبت عليهم.
فأتى أحدهم من خلفها فشد دبر درعها بشوكة إلى ظهرها, وهي لا تدري فلما قامت تقلص الدرع عن دبرها. فضحكوا وقالوا: منعتنا النظر إلي وجهها فقد رأينا دبرها.
فصاحت يا آل عامر فثاروا وحملوا السلاح وحملتة كنانة و اقتتلوا قتالاً شديداً ووقعت بينهم دماء فتوسط حرب بن أمية و أحتمل دماء القوم وأرضى بني عامر من مثلة صاحبهم.
الفجار الثالث(35 )
والفجار الثالث بين كنانة وهوازن ، وكان الذي أهاجه أن رجلاً من بني كنانة علية ديْن لرجل من بني نصر بن معاوية, فأعدم الكناني فوافى النصري بسوق عكاظ بقُرد فأوقفه بسوق عكاظ , وقال: من يبيعني مثل هذا بمالي على فلان؟ حتى أكثر ذلك.
وإنما أراد النصري تعييرا للكناني وقومه فمر به رجل من كنانة فضرب القرد بسيفه فقتله . فهتف النصري يالهوازن , وهتف الكناني: يالكنانة. فتهايج الناس حتى كاد أن يكون بينهم قتال, ثم رأوا الخطب يسيراً فتراجعوا.
قال: أبوعبيدة: فهذه الأيام تسمى فجاراً لأنها كانت في الأشهر الحرم وهي الشهور التي يحرمون فيها القتال ففجروا فيها فلذلك سميت فجاراً, وهذه يقال لها: أيام الفجار الأول
الفجار الآخر(36 )
يوم "نخلة"
وكانت أول أيامه: يوم "نخلة" وهو أعظمها جميعاً, وهو بين قريش وكنانة كلها, وبين هوازن, والذي هاجها البراض الكناني- بقتلة عروة(37) الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. فأبت هوازن أن تقتل بعروة - البرَّاض , لأن عروه سيد هوازن, والبراض خليع من بني كنانة, أرادوا أن يقتلوا به سيداً من قريش .. وهذه الحروب كانت قبل مبعث النبي "صلى الله علية وسلم" بست وعشرين سنة.
وقد شهدها النبي "صلى الله علية وسلم" .....وهو إبن أربع عشرة سنة مع أعمامة ينبل معهم ويناولهم النبل.... وكانت العرب, إذا قدمت عكاظ دفعت أسلحتها إلى إبن جدعان حتى يفرغوا من أسواقهم وحجهم, ثم يردها عليهم إذا ظعنوا وكان سيداً حكيماً مثرياً من المال- فجاء قريش خبر البرَّاض وقتله عروة وأخبروا حرب بن أمية, وهشاماً والوليد بن المغيرة – فجاء حرب إلى عبدالله بن جدعان- فقال: له: احتبس قبلك سلاح هوازن. فقال له إبن جدعان: أبالغدر تأمرني ياحرب! والله لو أعلم أنة لا يبقى منها سيف إلا ضربت به , ولا رمح إلا طعنت به ما أمسكت منها شيء .. ولكن لكم مائة درع - ومائة رمح- ومائة سيف في مالي تستعينون بها. ثم صاح أبن جدعان في الناس قائلاً : من كان له قبلي سلاح فليأخذه , فأخذ الناس أسلحتهم .
وبعث إبن جدعان , وحرب بن أمية, وهشام, والوليد, إلى أبي براء - عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة- قائلين له [ إنه بعد خروجنا حدث حرب، وقد خفنا تفاقم الأمر, فلا تنكروا خروجنا, وساروا راجعين إلى مكة] فلما كان آخر النهار بلغ أبا براء عامر بن مالك بن جعفر قتل البرَّاض عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب.
فقال: أبو براء – خدعني حرب وإبن جدعان, وركب فيمن حضر عكاظ من هوازن في أثر القوم, فأدركوهم "بنخلة" فاقتتلوا حتى دخلت قريش الحرم, وجن الليل عليهم فكفوا – ونادى الأدرم بن شعيب أحد بني عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة, يامعشر قريش, ميعاد مابيننا هذه الليلة من العام المقبل بعكاظ,يا معشر قريش إنا نعاهد الله ألا نبطل دم عروة الرحال أبداً أو نقتل منكم به عظيما. وكان يومئذ رؤساء قريش , حرب بن أمية , وإبن جدعان , وهشام بن المغيرة , وكان رؤساء قيس هو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب (ملاعب الاسنة) على بني عامر, وكدام بن عمير على فهم وعدوان ومسعود بن سهم على ثقيف, وسبيع بن ربيعة النصري, على بني نصر بن معاوية, والصمه بن الحارث وهو أخو دريد بن الصمه, علي بني جشم . وكانت راية قريش مع حرب بن أمية وهي راية قصي التي يقال لها العقاب. ونادى رجل من بني عامر :
لقد وعدنا قريش وهي كارهة
بأن نجئ إلى ضرب رعابيـل
وفي يوم نخلة(37 ) هُزمت قريش فقال: خداش بن زهير العامري:
ياشدة مـا شددنـا غيـر كاذبـة
على سُخينة لولا الليـل والحـرم
إذ يتقينـا هشـام بالوليـد ولـو
أنا ثقِفْنا هِشامـاً شالـت الخـدم
لمـا رأو خيلنـا تزجـي أوائلهـا
زرق الأسنة في أطرافهـا السهـم
بين الأراك وبين المـرج تبطحهـمأ
و بطن مر فأخفوا الجرس وأكتتموا
فإن سمعتم بجيش سالـك سرفـاً
آساد غيل حمـى أشبالهـا الأجـم
إلى قوله:
ولولا شلالاً وعظم الخيل لاحقة
كما تخب إلى أوطانهـا النعـم
ولت بهم كل مخضار ململمـة
كأنهـا لِقْـوة يحتتهـا ضـرم
قد قرت العين إذا يدعون خيلهم
لكي تكر وفي آذانهـا صمـم
وهذا غاية في التعبير وفي وصف شدة الحرب حتى صار الأخ يفتدي نفسه بأخيه.
يوم شمطة
ثم كان اليوم الثاني من الفجار الآخر هو يوم شمطة(39 ),موضع نزلت به كنانة بعد عام من يوم نخلة وقد جمعت كنانة قُريشها وعبد منافها والأحابيش(40 ) ومن لحق بهم من أسد بن خزيمة وغيرهم وأعطت قريش رؤوس القبائل أسلحة تامة وأداة ..
وجمعت هوازن و سليم جموعها وأحلافها غير بني كلاب وبني كعب فإنهما لم يحضرا من الفجار غير يوم نخلة, فأجتمعوا بشمطة من عكاظ في الأيام التي تواعدوا فيها على قرن الحول, وعلى كل قبيلة من قريش وكنانة سيدها وكذلك على قبائل قيس عيلان, غير أن أمر كنانة كلها إلى حرب بن أمية, و أمر هوازن كلها إلى مسعود بن متعب الثقفي.. وكان على عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وحلفائهم من بني جسر بن محارب: سلمة بن شعل- أحد بني البكاء, ومعه هوذة أحد بني عامر بن ربيعة وعلى بني هلال بن عامر بن صعصعة: ربيعة بن أبي ظبيان بن ربيعة بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر – الهلالي
قال: وقد سبقت هوازن قريشاً فنزلت شمطة من عكاظ دون المسيل وأقبلت قريش فنزلت دون المسيل (بطن الوادي(41 ) )وكانت هوازن من وراء المسيل، وزحف بعضهم إلى بعض فكانت الدائرة في أول النهار لكنانة على هوازن حتى كان آخر النهار فتداعت هوازن, وصابرت و أنقشعت كنانة فاستًّحر القتل فيهم فقُتل منهم تحت رايتهم مائة رجل, وقيل ثمانون , ولم يقتل من قريش يومئذ أحد يذكر فكان يوم شمطة على كنانة.
قال: أبن حبيب في معرض حديثة عن يوم شمطة-قال: فاعتزل بهم "بلعاء بن قيس" إلى جبل يقال له: رخم.
وقال: أبو الفرج الأصبهاني في حديثه عن يوم شمطة- "فلما إستَّحر القتل بهم قال: أبو مساحق بلعاء بن قيس لقومه – إلحقوا برخم- جبل- ففعلوا و أنهزم الناس.
وفي ذلك يقول خِداش بن زهير العامري:
فابلغ إن عرضت به هشامـاً
وعبـدالله أبلـغ والولـيـدا
أولئك إن يكن في الناس خير
فإن لديهـم حسبـاً وجـودا
هم خير المعاشر من قريـش
وأوردهـا إذا قدحـت زنـودا
بأنا يوم شمطـة قـد أقمنـا
عمود المجد إن لـه عمـودا
جلبنا الخيل ساهمـة إليهـم
عوابس يدرعن النقـع قـودا
فبتنا نعقـد السيمـا وباتـوا
وقلنا أصبحوا الأنس الجديـدا
فجاءوا عارضاً برداً وجئنـا
كما أضرمت في الغاب الوقودا
ونادوا يا لعمـرو لا تفـروا
فقلنـا لا فـرار ولا صـدودا
قوله: نعقد السيما- أي العلامات.
فعاركنا الكمـاة وعاركونـا
عراك النمر عاركت الأسودا
فولوا نضرب الهامات منهم
بما انتهكوا المحارم والحدودا
تركن بطن شمطة من علاء
كأن خلالها مِعْـزىً شريـدا
ولم أرى مثلهم هُزموا وفلوا
ولا كَذِيَادنـا عُنُقـاً مـذودا
قوله: عُنُقاً مذودا- أي القطعة من المال.
وقوله: يالعمرو- يعني: عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة (قوم خِدَاش بن زهيرالأدنين- وهم أخوال كعب وكلاب أبناء ربيعة بن عامر بن صعصعة، و أبناء عمومتهم الأدنين – وبلادهم وادي تربة إلى رملتهم ( رملة بني كلاب – عرق سبيع حاليا ) والحرة الواقعة فيما بين وادي تربة ووادي رنية يساكنون بطون من بني هلال بن عامر بن صعصعة, وبطون من الضباب من بني كلاب(42 ) .
مواقع النشر