المدينة المنورة - عبد الرحمن الحربي (واس) : تُعد القرى التراثية أحد الموارد الرئيسة للسياحة الثقافية، ومورداً اقتصادياً مهماً يعتمد عليه المجتمع المحلي، إلى جانب تنمية الوعي والتكافل الاجتماعي بين أهالي القرية، والمحافظة على استمرارية الهوية التراثية العمرانية.
كما تسهم في الاستفادة من السياحة كوسيلة لتفعيل النشاط الاقتصادي في القرى والبلدات التراثية،فضلًا عن الاستثمار في مشروعات مستدامة تعود بالفائدة على المجتمع المحلي والأسر المحتاجة.
وتمثل البلدة الإسلامية التي تقع وسط محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، ويقطنها ما يقارب 60 ألف من السكان، وتعود لبدايات العصر الإسلامي وإحدى ثلاث مدن إسلامية في العالم اجمع مازالت باقية، المدينة الإسلامية بمساجدها ومنازلها وأسواقها وأسوارها وقد تعاقب أهالي العلا على بناء هذه البلدة والسكن فيها جيلاً بعد جيل حتى هجرت تماما ًمن السكان قبل أربعين عاماً تقريباً.
وتقع الساعة الشمسية جنوب البلدة الإسلامية وهي عبارة عن بناء هرمي الشكل وتستخدم لمعرفة دخول الفصول الأربعة وخاصة دخول فصل الشتاء، وذلك عن طريق حجر مغروس في الأرض أمام البناء الهرمي، حيث يصل ظل الساعة الشمسية إلى هذا الحجر في اليوم الأول لدخول فصل الشتاء في 21 من ديسمبر وهو اليوم الأول لدخول فصل الشتاء، ولا يمكن أن يصل ظل الساعة الشمسية إلى هذا الحجر مرة أخرى إلا في العام القادم وفي نفس التاريخ، ولا تزال تستخدم حتى اليوم حيث يستمتع الكثير من الزوار والسياح بمشاهدة هذا الحدث الذي لا يتكرر إلا مرة كل عام.
وفي العلا آثار إسلامية قديمة، فقد مربها الرسول صلى الله عليه وسلم وصلى بها، ويؤكد مؤرخون أن موسى بن نصير أقام فيها قلعة تاريخية في أعلى جبل بوسط العلا، وتطل على القرية القديمة للعلا، وفي الوقت الحالي رممت بعض منازل القرية، وتعد البلدة القديمة من أهم الآثار الإسلامية.
وأصبحت البلدة تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار، مزارا منظما للسياح، ويوجد فيها مطل على القرية القديمة من القلعة، والصاعد لها يطل على تاريخ العلا وحاضرها، ويشاهد جبالها ونخيلها، وهناك قلعة الحجر الإسلامية، ويقال إنها من العصر العباسي، وكانت في ذلك الوقت استراحة لحجاج بيت الله الحرام.
ورغم أن بيوت القرية يتجاوز أعمار بعضها مئات السنين إلا أن بعض حجارتها المستخدمة في البناء تحتوي على نقوش لحيانية تعود إلى آلاف السنين ولفترة كانت تعرف فيها العلا باسم ديدان حيث جلبت هذه الحجارة من موقع الخريبة، إلى جانب أن الديرة أو القرية التراثية الحالية كانت حاضرة العلا وكان يحيطها سور ذو أربعة عشر بوابة، وفرت الحماية لأكثر من 800 عائلة سكنت الديرة حتى سبعينيات القرن الماضي، ومن ثم هجرتها لأحياء العلا الحديثة.
ومرت القرية التراثية بعدة مراحل من التأهيل والترميم الجاد جعلت منها أحد أفضل القرى التراثية تميزاً بالمملكة وأعادت لها سحرها الكامن في جدرانها الطينية وطرقاتها الحجرية ونوافذها الخشبية وفوانيس الإضاءة التي تنير أزقتها الضيقة المليئة بشواهد التاريخ، فيما تستند القرية المعروفة في المجتمع المحلي بـالديرة في محافظة العلا، إلى جذور تاريخية تمتد إلى القرن السابع الهجري، كما تذكر كتب الرحالة العرب، التي تصفها بأنها إحدى أهم وأكبر المدن في الحجاز قديماً بعد مكة المكرمة.
وكانت " الديرة " محطة رئيسية يتوقف بها الحجاج القادمون من الشام للتزود بالطعام والماء، ويصف علماء الآثار القرية التراثية في العلا، التي تم تأهيلها من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار، بأنها إحدى ثلاث مدن إسلامية باقية من القرن السابع الهجري تمثل المدينة الإسلامية بمساجدها ومنازلها وأسواقها.
وباشرت الهيئة العامة للسياحة والآثار البدء بتأهيلها ضمن برنامج القرى التراثية الذي أطلقته كخطة تشمل تنمية 64 قرية تراثية يعمل على تأهيلها في مختلف أنحاء المملكة، إذ دشن المرحلة الأولى من مشروع تأهيل القرية التراثية بالعلا صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وتتميز بخصوصية كونها قريبة من مراكز تجمع السياح الذين يزورون مدائن صالح.
كما تسهم مشروعات تنمية القرى التراثية في استدامة التنمية وتشجع على إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما يعود بالنفع على السكان والمستثمرين، ومع توفر الخدمات الأساسية اللازمة فإن ذلك يشجع السياح ويساهم في قضاء جزء من برنامجهم السياحي داخل هذه القرى، مما يعود بالفائدة الكبرى على السكان المحليين، ويشجع الأسر على العمل في إنتاج متطلبات السائح.
وتم خلال المشروع التطويري للبلدة، المحافظة على العناصر العمرانية التراثية، وإيقاف التدهور المستمر لمبانيها عبر وضع قاعدة اقتصادية مناسبة لتوظيفها سياحيا، والمحافظة على المكونات التراثية في القرية التراثية، واستثمارها بشكل يضمن استمرارها.
كما يقع في طرف القرية التراثية من جهة الجنوب الشرقي للبلدة مسجد أثري قديم أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم في طريق غزوته لتبوك وخط مكانه وعلمه بالعظام، لذلك سمي بمسجد العظام، أو مسجد الصخرة، كما تمتد أسواق القرية في الجهة الغربية على امتداد القرية، حيث تقع جميع الدكاكين والقهوة وبئر الماء، التي تم إنشاؤها في وقت متأخر.
ومن أعلى جبل ملاصق للقرية، تطل قلعة إسلامية تسمى قلعة أم ناصر، وهي قلعة يروى أنه دفن إلى جوارها القائد المسلم موسى بن نصير ويستطيع الزائر من أعلاها مشاهدة جميع أرجاء القرية، كما تحيط بالقرية من الشرق والجنوب والشمال حقول ومزارع النخيل والحمضيات والفواكه، حيث كانت الغالبية العظمى من سكان القرية تزاول أعمال الزراعة نظراً لما تتمتع به أرض العلا من وفرة كبيرة في العيون الجوفية العذبة، حيث ترويها حوالي 35 عيناً جارية أسهمت في اتساع رقعة المزارع القديمة ومضاعفة مساحة القرية التي تتألف من منطقتين، الحلف والشقيق.
ويعد سوق الدور، الواقع في غرب القرية المركز التجاري للبلدة، معرضًا لمعظم السلع والمواشي، وكان سكان البادية يجلبون ما لديهم من منتجات ويبيعونها في ذلك السوق حسب أعراف وتقاليد وشروط متفق عليها بين أبناء القرية وأبناء القبائل الأخرى.
وشمل مشروع التأهيل الذي تم تنفيذ المرحلة الأولى منه، إعادة تأهيل قلعة موسى بن نصير وبعض الممرات، ويتكون هذا الجزء من المباني المطلة على الشارع الرئيسي وقلعة موسى بن نصير الواقعة أعلى جبل القلعة، بالإضافة إلى بعض المباني الواقعة على الممرات المستهدفة التي تؤدي إلى الجزء الغربي من القرية.
إعداد : عبد الرحمن الحربي.
تصوير : على أحمد الشهراني.
مواقع النشر