بسم الله الرحمن الرحيم
مما لا شك فيه أن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات وأجلّ الأعمال الصالحة والشواهد من الكتاب والسنة كثيرة جداً ولست بصدد ذكرها الآن.
غير أنه يجب أن يعلم أن الجهاد الذي وعد الله عليه ووعد عليه رسوله بالوعود العظيمة وادخر لأصحابه الخير الكبير هو الجهاد الشرعي الذي يكون خالصاً لله تعالى موافقاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فليس كل ما سماه الناس جهاداً يكون جهاداً كما أنه ليس كل ما سماه الناس عبادة يكون عبادة صحيحة.
فمن الناس مثلاً من يتقرب إلى الله بالشركيات والمبتدعات ويسمي ما يفعله من ذلك عبادة يرجو بها الثواب، والنجاة من العذاب فهل تكون هذه الضلالات بمجرد التسمية الطيبة والنية الطيبة هل تكون بمجرد ذلك عبادة صالحة مقبولة؟ كلا. فإن العبادات مبناها على التوقيف أي أننا لا نتعبد لله بعبادة إلا إذا دل عليها الكتاب والسنة لأن العبادة طريق موصل إلى الله تعالى والطريق إلى الله أمر غيبي لا يعرف إلا من طريق الوحي.
وفي تقرير هذا الأصل العظيم يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي من عمل عملاً من أمور الدين لا يوافق شريعة النبي صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه ولو أزهق فيه نفسه ولو أتلف فيه ماله ولو فارق من أجله أهله ووطنه فالعبرة عند الله ليست بكثرة العمل ولا بشدة النصب إنما العبرة بإحسان العمل كما قال تعالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) ولم يقل (أيكم أكثر عملاً) وإحسان العمل هو بإخلاص القصد والنية لله وإخلاص المتابعة والموافقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وشروط الجهاد وأحكامه وضوابطه جاءت في الكتاب والسنة وأفاض في بيانها أهل الرسوخ في العلم حتى قامت الحجة ووضحت المحجة. ولكن من الناس من يتبع هواه فيرى في أحكام الجهاد على ضوء الشريعة تقييداً لجموحه وتحطيماً لطموحه وإفساداً لمآربه فماذا يفعل؟ إنه يقوم بالكر عليها وإبطال دلالاتها بالتأويلات الفاسدة ولي أعناق النصوص واختلاق المعاذير.
ومثالاً على ذلك رأينا خوارج العصر يسفكون الدماء المعصومة في بلاد المسلمين، وينقضون البيعة ويستحلون دماء رجال الأمن وغيرهم ثم هم يسمون هذا العمل جهاداً ، ويسمون من قتل منهم شهيداً ومن وقتل من خصومهم طاغوتاً مصيره إلى النار وبئس القرار حسب ما يزعمون.
وإذا نظرنا في كلام الراسخين في العلم كالشيخ ابن باز وابن عثيمين وأمثالهما وجدناهم يضللون هذه الأعمال وأهلها ويحكمون عليها بالفساد ويحذرون منها ومن أهلها أشد التحذير وأعظمه.
فلم الفرق بين حكم أهل العلم وأهل الهوى والجهل؟ الفرق أن العلماء طبقوا على هذه الأعمال نصوص الشريعة وقواعدها وطريقة أهل السنة فبان لهم ضلالها وانحرافها.
وأولئك سلكوا طريق أهل الأهواء من قبلهم بتحريف معاني النصوص وتنزيلها على غير مواقعها كما فعلت الخوارج الأولى من قبل.
بعد هذا التمهيد أقول: إن من المشاكل التي يواجهها مجتمعنا في شبابه هو أنهم يتعرضون لدعوات قوية من أجل السفر إلى العراق للمشاركة في الحرب باسم الجهاد وباسم طلب الشهادة وباسم الذب والدفاع عن بلاد المسلمين ونحو ذلك من الشعارات البراقة والأساليب الخلابة التي تستثير العواطف.
وهذه مشكلة كبيرة ذهب ضحيتها كثير ، ولا يزال في قائمة الانتظار _ وللأسف _ أيضاً كثير.
أما لماذا يمثل ذهاب شبابنا إلى العراق مشكلة؟
فالجواب يمكن اختصاره في النقاط التالية:
أولاً: أنه عمل مخالف للشريعة الإسلامية وكفى بمخالفة الشريعة مفسدة لأن مخالفة الشرع هي الداء الذي بسببه يحصل كل فساد في الأرض وبه يقع كل بلاء.
وذلك أن الجهاد في الشرع موكول بولاة الأمور فهم الذين يعنلون الحرب وهم الذين يعلنون السلم كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون من بعده.
وعلى هذا اتفق أهل السنة والجماعة ولم يخالف فيه إلا أهل الأهواء ولذا يذكر أئمة السنة هذه المسألة في كتب العقيدة مع كونها مسألة فقهية لأنها صارت من العلامات الفارقة بين أهل السنة وأهل البدعة.
وخروج الشباب إلى العراق لا يتوفر فيه هذا الشرط بل على العكس من ذلك فدولتهم وولي أمرهم يمنعهم منه ويحجزهم عنه _رحمة بهم ورعاية لهم _ وهم يتفلتون عليه تفلت الفراش في النار.
وكذلك أيضاً نجد أن كبار علماء الأمة يحذرون ويحرمون الخروج إلى العراق وهؤلاء لا يصغون إلى تلك الفتاوى ولا يلتفون إليها من أجل مقالات تحريضية وأشرطة تهييجية وجلسات تخريبية في استراحات وبرارٍ يتصدرها جهال أو مغرضون يلبسون لباس العلم والنصح.
وكذلك تجد أن كثيراً ممن يخرج؛ يخرج بدون إذن والديه أو أحدهما بل يتحايل عليهما ويكذب عليهما بزعم الذهاب للعمرة أو لرحلة ثم لا يكتشفون الحقيقة إلا إذا قارب الخروج من الحدود أو تجاوزها فأين أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أراد يشارك معه في الجهاد بأن يرجع ويستأذن والديه أو يقيم عندهما فيجاهد فيهما بالقيام ببرهما.
ثانياً: أن الذي يجري في العراق ليس جهاداً بما تعنيه الكلمة _ شرعاً_ وإنما هي فتن مدلهمة اختلطت فيها الأمور والرايات ما بين تكفيريين ورافضة وبعث ويهود ونصارى وأحزاب وأطراف كل له مآربه السياسية والاقتصادية والدينية وغير ذلك من الأهواء والمطامع ومنهم المسكين الضعيف الذي قصارى جهده أن يدفع عن نفسه إذا دُخل عليه بيته لا يملك إلا ذلك.
ودخول أرض الفتن مما حذر منه السلف الصالح فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر باجتناب الفتن وأمر بالنأي عنها لا أن يسعى إليها المسلم برجليه ليكون وقوداً لها. فكيف يزج بأبنائنا إلى هذه الأفران الملتهبة ليكونوا حطباً تتقد عليهم تلك النار ثمّ لا يحصّلون للإسلام ولا لأنفسهم نفعا بل يضرون أنفسهم وغيرهم في الدنيا والله أعلم بما يجازَون به في الآخرة.
ثالثاً: أن كثيراً ممن يذهب إلى العراق يكون مصيره إما القتل بيد من لا يرغب فيه أو بأن يفجر في نفسه بعلمه أو بغير علمه أو يتحول إلى سلعة يساوم عليه من يدفع فيه أكثر أو أنه يعود إلى وطنه بعقيدة فاسدة مبنية على التكفير لحكومته وعلماء بلده، لديه الاستعداد النفسي للمشاركة في التفجير والقتل والاغتيال والتدمير والسعي في الأرض بالفساد في بلده السعودية أو في غيرها من بلاد المسلمين بسبب ما تلقّاه من الدروس الآثمة على أيدي التكفيريين في العراق.
رابعاً: إن من المقاصد التي يحرص عليها المحرضون لمشاركة شبابنا في فتنة العراق هي إحراج الدولة مع أطراف دولية قوية، مؤثرة في الأحداث العالمية تقتضي السياسة الشرعية درء عدوانها واتقاء شرها بالتي هي أحسن لا بالتحرش بها واستجلاب عداوتها وخطرها.
فرؤوس الفتنة في الظاهرون محرضون على الجهاد وفي الباطن _الذي تدل عليه الأقوال والأفعال والنتائج_ فجار يكيدون لبلاد التوحيد والسنة لتقويضها وتحويلها مسرحاً للفتن والفوضى.
ويكون شبابنا في الظاهر مجاهدون وفي حقيقة الأمر أداوت مشلولة التفكير والوعي واتخاذ القرار لا تملك إلا تنفيذ ما يوكل إليها والذي ظاهره الجهاد وباطنه السعي في تدمير بلدهم وكيانهم الذي لا يوجد له مثيل على وجه الأرض اليوم من حيث ظهور الخير والقيام بأمر الشرع والعناية بالتوحيد والسنة والقضاء على مظاهر الشرك والوثنية.
أيها الشباب الطيب:
إن العلماء حين قرروا تحريم سفر الشباب إلى العراق لم يفتوا بذلك إلا لأنه الحكم الذي تدل عليه الشريعة نصوصاً وقواعداً ومقاصداً.
ولكن أصحاب الأهواء الفاسدة يصدونكم عن الإصغاء إلى هذه الفتاوى بالتلبيسات المنكرة بدعواهم أن هذه الفتاوى إنما تصدر عن ضغط من قبل الدولة أو أن هؤلاء العلماء تصور لهم الأمور على غير حقيقتها أو أنها وجهة نظر لا يلزم العمل بها.
وهؤلاء الملبسون هم قطاع طرق في حقيقة الأمر يقطعون الشباب عن الوصول إلى أحكام الشرع وإلى عقيدة أهل السنة ويصرفونهم إلى طرق الخوارج والمعتزلة وأشباههم ممن لا يسعمون ولا يطيعون لولاة الأمور ولا يقدرون ولا يحترمون علماء السنة وإنما يتهمونهم بالخيانة والجهل والتلبيس هذا حالهم من أكثر من ألف وثلاث مئة سنة وإلى يومنا هذا فاتقوا الله أيها الشباب في أنفسكم واسمعوا وأطيعوا لولاة أمركم، واحترموا أهل الرسوخ من أهل العلم والسنة وحسنوا فيهم ظنونكم.
تفقهوا في الدين واجتهدوا في تحصيل العلوم النافعة والخبرات المفيدة التي تسهمون من خلالها في الحفاظ على دينكم والقيام بنهضة وطنكم الذي هو اليوم وطن الإسلام ومأرزه.
وأنتم يا معشر الآباء عليكم مسؤولية عظيمة في الحفاظ على أبنائكم ومتابعتهم. ومراقبة ومعرفة أصحابهم ومواصلة النصح لهم حتى لا يقعوا فريسة هذه التنظيمات والجماعات نتيجة الغفلة عنهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منقول
مواقع النشر