البار معلقاً على مطالب هيئة مكة: مرجعنا هو الإمارة
دعاة ومثقفون: المطالبة بإزالة "أمّنا حواء" فضيحة
الشيخ أحمد الغامدي جدة، مكة المكرمة: محمود تراوري، محمد الجابر
أحدثت تصريحات رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة الشيخ أحمد قاسم الغامدي لـ"الوطن" والتي طالب فيها بإزالة أو تغيير اسم 6 مواقع تاريخية بينها مقبرة "أمنا حواء" بجدة ردود أفعال مدوية شملت المثقفين والدعاة وعلماء الآثار على السواء.
واعتبر الكاتب الدكتور عبدالله مناع المطالبة بإزالة مقبرة "أمنا حواء" فضيحة تجعلنا نقدم أنفسنا للعالم في صورة مجتمع شديد الغلظة".
وأوضح أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة البار أن الأمانة جهة تنفيذية تتلقى التعليمات من إمارة مكة المكرمة فهي التي تتخذ القرار، فالأمانة جهة تنفيذية فقط.
وفيما أبدى الداعية الدكتور عبدالله فدعق دهشته من المطالبة بهذا الأمر، قال إن التاريخ يثبت بالتواتر، كما أن التبرك الذي اتخذه الشيخ الغامدي حجة للإزالة أمر يتنازع فيه الناس.
بدوره، رفض المفكر الدكتور محمد عبده يماني أية دعوات للمساس بالآثار الإسلامية لأنها تمثل تاريخ الإسلام والمسلمين.
أبدى الداعية الدكتور عبدالله فدعق استغرابه من مطالبات رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة الشيخ أحمد قاسم الغامدي عبر تصريح نشرته "الوطن" أول من أمس بإزالة وإغلاق عدد من المواقع التاريخية في مكة المكرمة وجدة. وقال "لا أدري إن كان توقيت إثارة مثل هذه المواضيع بعد فراغنا من الحج مباشرة مناسب أم لا، لاسيما أن رائحة تجهيل الحجاج والمعتمرين ظاهرة، وشخصياً لا أحبذ الخوض في هذه الأمور".
وأضاف أنه لا يمكن أن نتصور أن عالماً أو باحثاً أو مفكراً يقول هذا الكلام، لأن التاريخ يثبت بالتواتر، ولدينا في مكة المكرمة من الثوابت المحلية التي تلقيناها منذ القدم ما يؤكد أن هذه الأماكن شريفة لما شرفها الله سبحانه وتعالى من أحداث أو مناسبات.
ويرى فدعق أن التبرك أمر يتنازع فيه الناس، وسار الأغلب على جوازه ومن أدلتهم ما رواه البخاري في صحيحه فيما يتعلق بالتبرك بالآثار "إن سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنه وصف مسجداً صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بكل دقة إذ قال: عن يمينك حين تقوم وعلى حافة الطريق وأنت ذاهب وبينه وبين المسجد الآخر رمية حجر".. حيث أخذ يصف المكان بدقة متناهية.
وفي البخاري أيضاً أن عبدالله بن سلام قال لأبي بردة "انطلق إلى المنزل فأسقيك من قدح شرب منه الرسول، ونصلي في مسجد صلى فيه النبي".
وهذا يدلل- والحديث للدكتور فدعق- على أن ما يجيز التبرك هو قرب المتبرك به وفضله عند الله سبحانه وتعالى مع الاعتقاد التام بأنه لا يجلب الخير ولا يدفع الشر إلا الله سبحانه وتعالى.
من جهته، قال أستاذ نظم الحكم والقضاء والمرافعات الشرعية،والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدكتور حسن محمد "في الحقيقة ما أثاره رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة أمر فيه نوع من الغرابة، وفيه إثارة لحفيظة العالم الإسلامي من حولنا، وهذا الوقت ليس وقته ومحله، فهناك من الموضوعات الأهم من ذلك، وهذه الأمور مردها إلى ولي الأمر وإلى هيئة كبار العلماء، فهي آثار وأماكن تناولتها كتب السيرة ومواقع الآثار في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وأضاف قائلا: إذا كان العالم الغربي يحافظ على آثار ومقتنيات لا قيمة لها من الناحية الدينية، فإن العالم الإسلامي عامة والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص تضم أشرف المقدسات (الحرمين الشريفين وأماكن الغزوات ومساجد الصحابة رضي الله عنهم). وقد أسست الدولة على منهج الدعوة والإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة ومراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية، حيث قام الملك عبدالعزيز- رحمه الله- بتتبع الأثر الصالح المتفق مع أصول العقيدة الواردة في الكتاب والسنة.
ويضيف قائلاً إن رعاية الحرمين الشريفين وآثارهما في مقدمة اهتمامات خادم الحرمين الشريفين واختصاصه. وقد نص- حفظه الله- في خطاب البيعة على أن القرآن دستورنا ومنهجنا في الحكم والإدارة، كما جاء في النظام الأساسي للحكم بضرورة المحافظة على الإرث وحضارة البلاد.
وقال الدكتور حسن محمد "مع تقديرنا للشيخ أحمد الغامدي وما أثاره، فرجالات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقومون بدور التوجيه والنصح انطلاقاً من قوله تعالى (ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).. وهيئة الأمر بالمعروف تقوم دائماً بهذا الدور وهي متواجدة دوماً في المواسم بمكة المكرمة والمدينة المنورة لإرشاد الناس وتثقيفهم انطلاقاً من رسالتها ووظيفتها الدينية".
واستطرد قائلا: من خلال الاستقراء لما ذكره مشكوراً مأجوراً، فإن الأمر يناط بولي الأمر وبهيئة كبار العلماء، وهم حريصون تمام الحرص على الترابط بين أفراد الشعب. وقد جاء في منظومة السياسة الشرعية أن ولي أمر الدولة الإسلامية مهمته حراسة الدين والنظر في مصالح الأمة الدينية والدنيوية، كما أشار إلى ذلك فقهاء السياسة الشرعية، وعلى رأسهم الإمام الماوردي وشيخ الإسلام ابن تيمية وإمام الحرمين وغيرهم من الفقهاء.
وفي ذات السياق، أكد أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بجامعة أم القرى الدكتور ناصر الحارثي أن هناك معالم تاريخية ثابتة لا مجال للشك في صحتها، وأن هناك معالم ترجمت لدى المؤرخين وأخريات لم تثبت صحتها تاريخيا، وعلى سبيل المثال فالكعبة المشرفة وبئر زمزم والصفا والمروة ومقام إبراهيم وجبل ثور وجبل حراء وجبل الرحمة وعرفات ومزدلفة ومنى ومسجد البيعة وقبر الرسول صلى الله
عليه وسلم وقبرا صاحبيه وقبر حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه من المواقع الثابتة تاريخيا. أما المواقع التي ترجمت لدى المؤرخين، فمن أمثلتها المولد النبوي ودار السيدة خديجة رضي الله عنها، ودار الأرقم، وهذه الدور هدمت منذ العهد الأموي، وجددت عمارتها مرات عديدة خلال القرون الإسلامية، فيما دخلت دار خديجة رضي الله عنها ودار الأرقم في التوسعتين السعوديتين للمسجد الحرام وأصبحت جزءا من مساحة المسجد الحرام.
وعن القبور، أوضح الدكتور الحارثي أنه لا يعرف في مكة أو حولها إلا قبر السيدة الجليلة ميمونة رضي الله عنها بوادي سرف "منطقة النوارية" حاليا. واستشهد بتأكيد عمدة المؤرخين المكيين المؤرخ تقي الدين الفاسي المتوفي عام 832 هـ.
إلى ذلك، أوضح أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامه البار حول إمكانية أن تتولى الأمانة تنفيذ طلبات تسوير أو إزالة بعض المواقع التاريخية بمكة، أن الأمانة جهة تنفيذية تتلقى التعليمات من إمارة مكة المكرمة وعلى رأسها الأمير خالد الفيصل، وإذا كان هناك توجيه من قبلها فإن الأمانة جهة تنفيذية. وأضاف قائلاً إن الأمانة لا تدخل في هذا الجدل التاريخي وهناك جهات هي صاحبة الشأن في ذلك وهي الهيئة العليا للسياحة ووزارة الداخلية وإمارة المنطقة وهي التي تتخذ القرار فالأمانة جهة تنفيذية فقط.
استغرب عدد من المثقفين وأهالي مدينة جدة مطالبات رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكة المكرمة الشيخ أحمد قاسم الغامدي بإزالة مقبرة المدينة التاريخية المعروفة بمقبرة (أمنا حوا).
وأبدى الكاتب الدكتور عبد الله مناع دهشته من مثل تلك الدعوة، ذاكرا أنها المقبرة التي لم يمسها أحد على مر التاريخ- على حد قول المناع- الذي وصف الآراء المطالبة بإزالتها بأنها فضيحة تجعلنا نقدم أنفسنا في صورة مجتمع شديد الغلظة.
وتساءل المناع: لا أدري ماذا يراد من مثل هذه الدعوات، فأنا عاجز عن الفهم، لأن دعوة كهذه تتعارض وتتناقض مع سلوكنا وتطلعاتنا إذا كنا نطالب بتفعيل السياحة والحفاظ على الآثار، وهناك دعوة عالمية من قبل خادم الحرمين الشريفين للوسطية، ولكن هناك من يدعو إلى التشدد؟. وأضاف أن مقبرة أمنا حوا تعني شيئا كثيرا لأهالي جدة ، وتمثل جزءا من ذاكرة المدينة. وقال "عندما كنا صغارا، كنا نأخذ الحجاج لزيارة المقبرة، ولم نر أحدا يتمسح بها، والآن بهذه الدعوة ما الذي نريد أن نقوله للعالم، فالأمم تمشي للأمام ونحن نسير للخلف، وليس أسوأ من أمة تسير للخلف".
وأشار المناع رئيس التحرير السابق لأكثر من مطبوعة وأحد أبناء مدينة جدة، إلى الدعوة لإزالة مكتبة مكة القائمة في موضع مولد النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تمثل أيضا وجها من وجوه التشدد الذي تحاربه الحكومة، فالشيخ عباس قطان أول أمين لأمانة العاصمة المقدسة استأذن الملك عبد العزيز في بناء هذه المكتبة، وأعطاه الموافقة، فبناها القطان على حسابه، فلماذا نفكر في إزالتها الآن؟.
وكانت عدة مصادر تاريخية قد أشارت إلى وجود قبر أم البشر حواء في هذه المقبرة، التي اكتسبت جدة اسمها منها، إشارة إلى كون حواء جدة للبشر، حيث يجمع عدد من المؤرخين على هبوط حواء في جدة، ولكنهم اختلفوا حول مكان دفنها، ومن أهم تلك المصادر ما ذكره البتنوني في كتابه (الرحلة الحجازية) قائلا: إذا دخلت من هذا الباب وجدت أمامك رأس قبر طويل ضارب إلى الشمال بمسافة 150 ، على ارتفاع 1م، وفي عرض نحو 3م، وهو ما يسمونه بقبر أمنا حواء.
وتقع المقبرة الكائنة بالعمارية في الطرف الشمالي الشرقي لمنطقة جدة التاريخية في نهاية السور الذي تمت إزالته في الستينيات الهجرية. وتعتبر أقدم مقبرة في المدينة،
حيث بقيت على حالها عقب إزالة سور جدة. وظل الأهالي يدفنون فيها موتاهم حتى يومنا هذا، مع بقاء معلومة وجود قبر حواء أم البشر فيها مجرد قول مرسل لم يثبت أو ينفى بشكل قاطع، ولكن يتم الاستئناس بروايات تاريخية تناولت الموضوع، وهو ما يستدعي ضرورة الشروع في بحث علمي نزيه يبحث في المسألة حتى يتم قطع الشك باليقين.
ورفض الدكتور محمد عبده يماني من جانبه أية دعوات للمساس بالآثار الإسلامية قائلا:إنها تمثل تاريخ الإسلام ومن غير المعقول أن نعامل آثارنا الإسلامية بهذه المعاملة المتشددة والقاسية. ويتساءل يماني: ما الذي سيبقى من التاريخ إذا أزلنا كل هذا الإرث المادي لتاريخنا الإسلامي؟. وقال الدكتور يماني "إذا وجد بعض الجهلاء أو البسطاء من الناس يقومون بأعمال دون وعي وفهم لمخالفتها للدين الإسلامي والشرع العظيم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب تنبيههم وبث الوعي السليم والصحيح، لكن دون أن يكون هذا مبرراً لدعوات الإزالة والطمس التي لو تمت، فماذا سيبقى من أثر مادي للأجيال اللاحقة؟.
وكانت المقبرة تضم قبة قائمة على ما يظن أنه قبر حواء، غير أنها أزيلت في عهد الملك عبد العزيز، بعد تصدى القناصل الأجانب لإزالتها في العهد الهاشمي على نحو ما ذكره البتنوني في الرحلة الحجازية .
الوطن
((( التعليق )))
طيب سؤال بسيط ؟؟
أليس هذا حق وصلاحيات إدارية لعدة جهات حكومية عليا ؟؟
أين هيئة كبار العلماء؟؟
أين مجلس القضاء الأعلى ؟؟
أين المفتي العام ؟؟
أين الفرملة عند حدود الصلاحيات ؟؟
مواقع النشر