دمشق - سانا : عرف الدمشقيون حرفة صناعة الموزاييك مع مطلع القرن التاسع عشر من خلال التنوع الكبير في منتوجاتها الخشبية المزخرفة والمطعمة بالفضة والصدف والعظم لتشكل قطع الأثاث المنزلية ومن ثم المكتبية. وتميز الحرفي الدمشقي في هذه المهنة عن غيره من الحرفيين في المدن الأخرى مثل حلب والقدس حيث صار الطلب عليها من دمشق يتزايد مع الوقت.
20120125-134108_h396484.jpg
وانتشرت في تلك الفترة وما تلاها ورش تصنيع الموزاييك في أحياء دمشق القديمة حتى بلغ عدد العاملين في هذه الحرفة في منتصف القرن العشرين نحو28 ألف حرفي كانوا يقدمون إنتاجهم بكميات كبيرة للسوق المحلية والأسواق المحيطة.
وتعتمد حرفة الموزاييك بحسب الحرفي العتيق أبو توفيق الكلاس على أنواع محددة من الأخشاب مثل خشب الجوز والزان والورد والليمون مبيناً أن هناك تقنية معقدة في تصنيع الموزاييك تعتمد على تنزيل نوع خشبي مختلف عن الخشب المحفور على شكل رسوم وتصاميم هندسية عديدة بالإضافة الى تطعيم الخشب بقشر العظم والصدف أو العاج.
k+(1).jpg
ويشير الحرفي المسن لوكالة سانا إلى أن خطوات تصنيع قطعة الموزاييك تمر بعدة مراحل تبدأ بتصنيع الهيكل الخشبي باستعمال أنواع متعددة من الخشب حسب رغبة الحرفي ثم تلصق على هذا الهيكل صفائح الموزاييك بالغراء .
ويبين الكلاس أن صفائح الموزاييك تجهز بأخذ قضبان منتظمة ذات مقطع مربع أو مثلث أو متوازي الأضلاع بطول وسطي 25 سم ويتم جمعها على شكل هندسي وذلك حسب الرسمة المطلوبة ومن بعدها يتم تغريتها بعد ربطها بخيط .
وقال.. إن هذه القضبان تكون لها ألوان متعددة بعضها طبيعي وبعضها مصبوغ فاللون الأحمر هو من خشب الورد والأصفر من خشب الليمون أما العظم فهو أبيض وكان في الماضي يستعمل الحرفيون عظام الخيل وقد كان جميع هذه القضبان من أسرار المهنة.
أما اليوم فتعيش هذه المهنة حالة من الركود وتهديداً بالانقراض بسبب ارتفاع تكلفتها وانخفاض الطلب عليها في السوق المحلية في السنوات الأخيرة لتصبح مهنة سياحية تعتمد على الطلب الخارجي وللأثرياء فقط وهذا الأمر حد جداً من تصريف المنتجات ما أدى إلى هجر الكثير من الحرفيين لمهنتهم الجميلة.
ويعيد محمد فياض مسؤول البيت التجاري في اتحاد الحرفيين سبب تدهور هذه المهنة إلى ارتفاع الضرائب على المواد الأولية إلى جانب كساد الإنتاج ما أدى الى اغلاق الورش الصغيرة والمتوسطة تدريجياً كما أن الورش الكبيرة قلصت عدد حرفييها لتقدر على الاستمرار. وقال فياض إن دخول منتجات مشابهة للموزاييك وبأسعار رخيصة ومواصفات تجارية من ناحية الخشب والمواد المستعملة إلى جانب تنفيذها الآلي أثر سلباً على هذه المهنة التراثية والأصيلة المعتمدة على العمل اليدوي والحس الجمالي الحرفي العالي. كما أن عدم وجود جهة متخصصة بتسويق المنتجات التراثية بشكل عام والموزاييك بشكل خاص أثر على ناحية تراجع هذه المهنة فالحرفي مطالب اليوم بالبحث عن أسواق جديدة عبر المعارض المتعددة . بدوره عبر الحرفي أبو خالد مخللاتي عن ألمه لما آلت إليه حرفة الموزاييك في العقدين الأخيرين
h+(4).jpg
فبعد أن كان لديه ورشة مؤلفة من سبعة معلمين وثلاثة صناع في التكية السليمانية بدمشق القديمة لم يعد يعمل معه إلا شاب صغير فالعملية التسويقية بتدهور مستمر أمام عدم وجود حماية حقيقية لهذه الحرفة من الزوال رغم كونها تشكل تراثاً يمتد لأجيال.
ويلفت الكلاس إلى أن أمر إيجاد الأسواق الجديدة لا يستطيع الحرفيون بمفردهم أن يحققوه ما يتطلب جهودا من عدة جهات حكومية وحرفية واقتصادية خاصة لتحقيق النمو والتطور لهذه المهنة كغيرها من الصناعات الوطنية المهمة والذي يعود بالربح على الجميع.
وأضاف.. أن مسألة إعفاء الحرفيين من الضرائب مع إمكانية تأمين المواد الأولية بضرائب مخفضة يمكن أن يحقق الانتعاش للكثير من الحرف ومنها الموزاييك التي باتت بأمس الحاجة للدعم كمنتج تراثي وطني أصيل يعبر عن هوية أقدم مدن العالم.
وكانت الجمعية الحرفية للشرقيات اتفقت مؤخراً مع محافظة دمشق على استثمار أرض في منطقة باب شرقي مساحتها ثلاثة دونمات ونصف الدونم بحيث تؤمن مكاناً لأربعين ورشة كما توجد خطة قيد الدراسة لاستثمار مكان بالتعاون مع محافظة ريف دمشق ينتظر أن تستوعب نحو 200 ورشة.
وتعاني نحومئة ورشة بدمشق معظمها في مناطق المخالفات من سوء المكان الذي تعمل فيه كونه غير مخصص للأعمال الحرفية وضمن أحياء سكنية بالإضافة إلى 300 ورشة أخرى في ريف دمشق معظمها في جرمانا وجوبر وجسرين.
مواقع النشر