جــدة، ر (واس) مازال يقف التاريخ بإطلالته أمام' الرواشين' التي كانت وما زالت تمثل أصالة الزمان والمكان للطراز المعماري الحجازي القديم بمدينة جدة عروس البحر الأحمر، وأصبحت إحدى السمات المعمارية البارزة فيها، خاصة في الأحياء القديمة منها التي امتزجت عمارتها بخليط من الثقافات العربية والعثمانية والفارسية، بسبب موقعها الجغرافي الذي جعلها بوابة للحرمين الشريفين.
وكالة الأنباء السعودية تجولت بين جنبات أحياء منطقة جدة التاريخية، وتعرفت خلالها على صناعة "الرواشين" والإرث الحضاري الذي تميزت به، في ظل عودة دائرة الاهتمام في بعض مدن المملكة إلى هذا الطراز المعماري الذي انحسرت صناعته، بسبب تأثير الحياة المعاصرة التي جلبت تصاميم حديثه في البناء والعمارة، أغنت عن الحاجة إلى استخدام الرواشين الحجازية التراثية.
وفي ذلك السياق، أوضح المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة مكة المكرمة محمد بن عبد الله العمري، أن جدة التاريخية حظيت باهتمام صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار منذ 25 عاماً، حيث كان شغوف بالتراث العمراني الوطني قبل إنشاء الهيئة العامة للسياحة والآثار وترأسه لها، وفي حينها نافح سموه إبان رئاسته الفخرية للجمعية السعودية لعلوم العمران، عن هذه المنطقة، ونادى المؤسسات المحلية والأهالي بأهمية النهوض بدورهم للمحافظة عليها، وهي أول المواقع العمرانية التي جرى حمايتها وتصنيفها في المملكة.
ولفت العمري إلى أن صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، منذ توليه مهام الأمارة قبل خمس سنوات، وجه بتشكيل لجنة عليا برئاسته لتطوير منطقة جدة التاريخية والمحافظة عليها منذ أن تولى مهامه كأمير للمنطقة، داعياً إلى أهمية مشاركة المجتمع في الحفاظ على المنطقة، كونها إرث الجميع، وتحتاج الجميع من رجل وامرأة وطفل، وتحتاج الفنانين والرسامين ورجال الأعمال والأدباء والمثقفين أن ينزلوا الميدان ويعملوا بسواعدهم، لتستعيد هذه المباني مكانتها الجميلة ونضارتها ومجدها ونصل بها إلى مصاف مواقع التراث العالمي.
وأكد أن منطقة جدة التاريخية كان لها نصيب الاهتمام والرعاية المتواصلة من صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز محافظ جدة، ومن معالي أمين محافظة جدة الدكتور هاني بن محمد أبو راس، مبيناً أن الزائر لجدة التاريخية، سيكون على موعد للسفر نحو أعماق التاريخ، التاريخ الذي كان قد تعّمق منذ بواكير الصبا حيث يقف بإطلالته المهيبة من أمام "الرواشين' التي كانت وما زالت تمثل أصالة الزمان والمكان للطرز المعمارية الذي يمتزج فيها خليط من الثقافات العربية والعثمانية والفارسية بسبب موقعها الحيوي كبوابة للحرمين الشريفين.
وأبرز المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة مكة المكرمة دور الهيئة في رعاية ودعم صناعة الرواشين والاهتمام بها حيث دشنت عددا من البرامج التدريبية في منطقة مكة المكرمة انخرط فيها عدداً من الشباب السعودي المهتمين بالفن المعماري الحجازي الأصيل في دورات تحمل عنوان (عمل الرواشين الحجازية) بالتعاون مع مركز الأنشطة بالمعهد المهني الصناعي الأول بمحافظة جدة، مشيراً أن صناعة الرواشين تشهد نهضة وزخما شديدا في ظل عودة دائرة الاهتمام في بعض المدن في المملكة إلى هذا الطراز المعماري الفريد على الرغم من انحسار صناعة الرواشين لتأثير الحياة المعاصرة التي أغنت عن الحاجة إلى استخدامها.
وأكد على أهمية العمل المشترك مع أمانة جدة بحكم إنها المسئولة عن جدة التاريخية من الناحية الإشرافية والخدمية خاصة وأنه تم أنشاء بلدية خاصة بجدة التاريخية للمحافظة على الرواشين على مباني جدة التاريخية كما يحلم بأن يأتي يوماً من الأيام تفرض فيه البلديات على الجهات الحكومية التي ستنشئ مباني لها في جدة خاصة وفي مختلف مدن المنطقة أن يتم تصميم المباني الحكومية بالتراث العمراني للمنطقة بما فيها إبراز الرواشين بشكل بارز.
وأشار إلى أن الهيئة تعزز من قيمة المواطن ووعيه ووطنيته وتؤمن بأن ممتلكات الوطن لا يحفظها إلا أبناء الوطن ومن هنا وضعت البرامج والخطط المتعددة لتعزيز وعي المواطن بمكتسبات الوطن باعتبارها التمثيل الحقيقي لتاريخه وثقافته وانتمائه وهو الدليل الحي على التفاعل الحقيقي الذي نشأ بينه وبين بيئته وأنه يتعين عليه الاهتمام والمحافظة عليها كما يحافظ الإنسان على نسبه وتاريخه، وتفتح الهيئة مجالات متعددة ليسهم المواطن من خلالها في المحافظة على تراثه العمراني بالتعرف عليه والتعريف به وصيانته والتبليغ عما قد تتعرض له من تخريب أو سرقة.
وأكد أن الرواشين كانت في السابق جزءا أصيلا في المنازل بجدة ولا يكاد يستغنى عنها في أي منزل بسبب ميزاتها العديدة وتمثيلها لأصالة الزمان والمكان، مشيراً إلى أن هذه الرواشين تعتبر نوافذ خشبية تنسجم مع البيئة المحلية في تلك الأزمنة، والرواشين لغة مفردها روشان وروشن وهو لفظ معرب عن الكلمة الفارسية "روزن" التي تعني الكوَة أو النافذة أو الشرفة .. يرادفها في مصر والشام المشربيات ومفردها مشربية وهي الغرفة العالية أو المكان الذي يشرب منه حيث توضع أواني الشرب الفخارية "القلل أو البرادية" لتبريد المياه بداخلها بينما في العراق يرادفها الشناشيل وجمعها شنشول.
وذكر المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة مكة المكرمة محمد بن عبد الله العمري أن صناعة الرواشين عرفت في جدة بحسب المصادر التاريخية في أواخر القرن السادس الهجري علي الأرجح وصارت طابعـًا مميزًا لعمارة المدينة منذ منتصف القرن السابع الهجري وتتميز رواشين جدة عن مرادفاتها في العالم الإسلامي بأنها الأكثر ارتفاعـًا والأكبر حجمـًا وهي تركب في صفوف متراصة وكثيرًا ما تمتد وتتواصل من الطابق الأرضي وحتى الأدوار العليا أو تمتد أفقيـًا حول الأدوار العليا فتكاد تغطي واجهة المنزل بأكملها.
وبين أن الرواشين بوجه عام هي وحدات تصميمية جمالية تبرز عن سمت جدران المباني وتطل على الشارع أو على الفناء الأوسط وتستند على دعائم ناتئة "كوابل" من الخشب وتظهر فيها مهارات النجارين من خلال المشغولات الخشبية للقطاعات المتشابكة والطنف والأفاريز المائلة ومصارع النوافذ وغالبـًا ما تكون مزودة بشيش يتألف من ستائر شبكية صغيرة.
من جانبه صنف رئيس بلدية جدة التاريخية المهندس سامي بن صالح نوار رواشين جدة التي تتسم بالكثرة والتباين الجمالي ضمن ستة أنماط أساسية، النمط الأول: وهو عبارة عن بروز بسيطة عن الجدار علي هيئة صندوق يمتد عادة من الطابق العلوي للمنزل حتى قاعدته أو أساساته في الدور الأرضي وهذا الطراز هو الأبسط بين كافة أنواع الرواشين قاطبة.
وأشار إلى أنه يركب في معظم الحالات على أحد جانبي المدخل بشكل متناسق وفي قطاعه الأدنى ثمة فتحات مستطيلة أو مقوسة حشوة بمصبعات من الحديد المزخرف أما الأدوار العليا فثمة قطاعـات مُستطيلة الشكل فوق الفتحات وتحتها وقد توجد بعض الأحزمة الأفقية التي تشير إلي مستوى أرضية كل طابق من طوابق المنزل وغالبـًا ما يخلو السطح الخارجي لهذا الطراز من النقوش البارزة وعوضًا عن ذلك يطلي بالألوان الزخرفية وفي العادة لا تتوج قمته بمظلة أو تاج.
وأفاد أن النمط الثاني من الرواشين يتميز عن سابقه بأنه أكثر تنميقـًا واتقانـًا وعادة ما يتم وضعه فوق مدخل المنزل وتظهر فيه المقرنصات المتدلية والدعائم والكوابل المزخرفة وهذا الطراز قد يكون تجميعًا لوحدات متواصلة بدءً من الطابق الأعلى أو يكون علي هيئة مجموعة رأسية من الوحدات المنفصلة وبين كل طابق وآخر ثمة حليات معمارية أفقية وأحزمة من النقوش الزخرفية وعادة ما يكون الجزء العلوي علي شكل تاج مجوف بنقوش شبيهة بالمقرنصات وقد تختلف البروز الأمامية والتفاصيل الزخرفية من طابق لآخر في ذات المنزل.
وقال: يعد النمط الثالث من هذه الرواشين وحدات منفردة توزع ضمن الإطار العام للشكل المميز لواجهة المنزل وتتنوع فيها التقسيمات والفتحات والستائر الشبكية ويتميز هذا الطراز بوجود مظلة تعلو قمته تكون مسطحة أو مائلة وتتباين أحجامها وأشكالها من منزل لآخر، فيما يعتبر النمط الرابع منها أطر من القواطع التي تأخذ شكل المستطيل وثمة فتحات صغيرة للنوافذ وعادة ما تكون قاعدته مسطحه أما قمته فيعلوها مظلة أو تاج، والنمط الخامس من الروعة الزخرفية وجمال المنمنمات بحيث لا ينافسه إلا النمط السادس ويتميز بتاج مجوف مثبت في أعلى مظلة مسطحة الشكل وقد تأخذ هذه المظلة هيئة زينة الشرفة وفي صناعتها تستخدم ألواح خشبية منقوش عليها نقوش خفيفة غير غائرة بما يشبه البلاط القيشاني وتزين الأطراف السفلية خرط صغيرة ذات نقوش بديعة وترتكز الجوانب علي كوابل مزخرفة.
ولفت رئيس بلدية جدة التاريخية إلى أن النمط السادس من الرواشين يرى فيه البعض أنه أجمل الرواشين لاتسامه بتفاصيله الواضحة ونقوشه وزخارفه التي أنجزت بعناية فائقة وثمة مظلة في الأعلى عليها عقد ثلاثي الفصوص أما الكوابل فهي ذات منمنمات بديعة وثمة تشكيلة متباينة من الستائر الشبكية وحصير النوافذ وقطاعات ذات نقوش بارزة وفي الأسفل يصل الإبداع في النقـش على الخشب إلي قمة ذروته حيث ثمة صفوف رائعة من المقرنصات وأشكال مجوفة نصف دائرية لا ينجزها إلا مبدع فنان.
من جهته أوضح المستثمر في قطاع الإسكان سعيد بن علي البسامي أن وظائف الرواشين لا تقتصر علي إضفاء الطابع الجمالي على واجهة المنزل وتحقيق الخصوصية لأهله بل تنسجم بشكل كبير مع معطيات المناخ وتقلبات الطقس حيث تعمل هذه الرواشين على توزيع إنارة داخلية تعطي الغرف والردهات طابعـًا رومانسيًا من خلال التحكم في نظام القلابات والمصبعات المتشابكة وهي في ذات الوقت تحد من وهج الشمس حيث أن مكوناتها الخشبية التي كانت تجلب من الخارج أو من خشب الدوم الذي ينمو في الأودية القريبة من الطائف تتسم بقدرتها علي العزل الحراري.
وتابع قائلاً: لكون الرواشين بارزة عن سمت الحائط الخارجي ومصممة بحيث تضبط تدفق الهواء ومعدل الرطوبة فإنها تعد بمثابة مكيفات هواء طبيعية تريح الجسد ولا تعادي البيئة ولعل من أهم دلائل وجود هذه الخاصية في الرواشين أنها المكان المفضل لتبريد أوعية الشرب الفخارية "القلل أو البرادية" إلي جانب ذلك فهي تحد بشكل كبير من دخول الأتربة وتعمل علي تساقط حبيبات الرمل التي تحملها الرياح بحيث لا يتسلل منها شيء إلي الداخل كما تمنع دخول الحشرات الضارة إلي جانب ذلك فقد ثبت علميًا أنها تطيل من العمر الافتراضي للمنزل كونها تغطي الجدران وتحميها من العوامل الجوية المتقلبة صيفًا وشتاءً.
وذكر أن الوظائف البيئية للرواشين ليست قاصرة على الداخل وإنما أيضًا يستفيد منها المارة في الشوارع حيث يتخذونها كمظلة أثناء سيرهم تقيهم حرارة الشمس صيفًا وهطول المطر شتاءً ولكون تصميمها يتأثر بشكل كبير بالتصميم العام للأزقة والشوارع التي تطل عليها فإن الرواشين تحقق ثلاثية من التجانس وهي التجانس بين عناصر البيوت والتجانس العام بين واجهات المباني بمفرداتها المعمارية وعناصرها الجمالية والتجانس في نوعيات مواد البناء المستخدمة والأساليب المتبعة في عملية البناء حيث يعزز مثل هذا التجانس الترابط بين السكان وبيئتهم التي ينتمون إليها.
وأكد أن لبيوت جدة القديمة ميزة تعبر عن أصالة التاريخ في احتفاظها بهذا الطراز المعماري "الرواشين" التي تعتبر سمة لحياة سكانها على مر العصور، مشيراً إلى أن مشاهد البيت التاريخي القديم في مدينة جدة تعطى صورة حقيقية لنمط تطور العمران العربي والإسلامي عبر مراحله التاريخية سواء من جانب استخدام طرق وأساليب ومواد البناء اعتماداً على مواد من البيئة المحلية كما يعكس هذا البناء النسج الاجتماعي والخصوصية الاجتماعية التي تتمثل في عادات الناس وتقاليدهم وأنماط حياتهم وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية وذوقهم الفني ومستوى المهارة والحرفية التي يتمتع بها العاملون في المدينة قديماً حيث أن استخدام الرواشين تعطى وظيفة النافذة ولكن بالمحافظة على الخصوصية الاجتماعية حيث تحجب الرؤية من الخارج وتسمح لمن هم داخل المنزل بالمشاهدة من خلال الفتحات الصغيرة وتسمح للهواء بالمرور وتلطيف الأجواء داخل المنزل لاسيما وان مباني جدة القديمة تتسم عن غيرها بارتفاع الطوابق لمقاومة ظروف الحرارة وارتفاع نسبة الرطوبة في فصل الصيف.
من جانبها أكدت الفنانة التشكيلية أحلام الرزيق، أن الخشب هو العنصر الأساسي في تصميم هذه الرواشين وتكوين أجزائها المختلفة كالقواطع الخشبية المصمتة والمفرغة والتشكيلات الزخرفية المتنوعة التي تظهر على جزء من أجزاء الروشان أو تغطي كامل مساحة الروشان في بعض الأحيان وتحتوي بعض الرواشين في الغالب على أجزاء بارزة تتقدم عن منسوب الروشان الأساسي تسمى عند أهل المدينة (الغولة) أو المشربية البارزة وتغطى هذه الغولات بالشيش من ثلاث جهات لتسهل دخول الهواء إلى داخل الروشان الذي يفتح مباشرة على العناصر الداخلية للبيت التقليدي كما تسهل الرؤية من تلك الاتجاهات وتحافظ على الخصوصية اللازمة المستمدة من العادات والتقاليد الإسلامية.
وبينت أن هذه الرواشين لم تكن مجرد حليات معمارية أو مفردات جمالية فحسب بل كان لها الأثر الكبير في إثراء العمارة التقليدية الحجازية القديمة بوظائف عملية مهمة وفي مقدمتها جلسة الروشان وهي من الأماكن المفضلة للجلوس وخاصة لكبار السن كالأبوين أو الجد لكونها مكان الصدارة في المجلس وأنسب الأماكن من حيث الإضاءة والتهوية والمكان الذي يطل من خلاله البيت التقليدي على الحوش أو الحارة وجلسة الروشان عبارة عن دكة من الحجر أو الطوب يبلغ ارتفاعها حوالي ستين سنتيمتر وبعرض يساوي عرض الحائط المكون لفتحة الروشان في الغالب.
وعدت الرواشين من أهم مصادر دخول الضوء والهواء إلى داخل البيت التقليدي وخاصة الرواشين البارزة عن سمت الحائط الخارجي معترضة مسار الهواء فيدخل الهواء والضوء عبر شيش هذه الرواشين من جهاتها الثلاثة مما جعل أهل المدينة يرون فيه المكان المناسب لوضع آنية مياه الشرب الفخارية (البرادية) لتبريد مياهها نظراً لملامستها المستمرة لحركة الهواء كما أن وجود الماء في الرواشين يساعد على تلطيف الجو للجالس على دكة الروشان.
وبينت الفنانة التشكيلية الرزيق، أن الروشان يمثل نافذة البيت التقليدية على الحوش أو الحارة حيث يمكن من خلاله النظر دون جرح لخصوصية الدار أو الجوار وهذا الأمر من التقاليد الإسلامية العريقة إلى جانب أن الروشان من أهم العناصر الجمالية التي تميزت بها المباني التقليدية في جدة فزخارفها ونقوشها البديعة تدل على مهارة الصناع ودقة الصنع فضلاً عن تشكيلها الهندسي الجميل وقد صارت هذه الرواشين وحدة تصميمية وجمالية تتكرر في واجهات المباني مع اختلافات محدودة في تفاصيل الوحدة ذاتها كما أنها حققت وحدة في التكوين العمراني العام.
وبدوره شرح الناطق الرسمي باسم الرئاسة العامة للأرصاد و حماية البيئة حسين بن محمد القحطاني، استخدام الموارد الطبيعية المناسبة لحالة المناخ في الرواشين قائلاً: إن الرواشين متلائمة مع طبيعة الطقس ومناخ المدينة صيفاً وشتاءً، حيث يستخدم الخشب بأنواعه المختلفة كعنصر أساسي في تكوينها ويتميز الخشب بأنه لا ينقل الحرارة صيفاً والبرودة شتاءً.
كما أن التكوينات المختلفة التي ظهرت بها هذه الرواشين كانت في الغالب ذات قطاع رأسي متدرج ساعد على الحصول على أكبر كمية من الظلال وأقل مساحة من المسطحات المعترضة للإشعاع الشمسي مباشرة كما أن هذه التكوينات لعبت دورها الكبير والهام في تظليل ممرات المشاة وتوفير المكان المناسب لتنقلاتهم بكل راحة وطمأنينة مما ساعد على تعزيز الترابط بين السكان وبيئتهم التي ينتمون إليها.
وأفاد أن الرواشين تحقق الخصوصية لداخل المبنى وتتيح فرصة الرؤية للخارج ولا تسمح للمارة بالرؤية لداخل المبنى وذلك لوجود الفتحات الصغيرة بين أجزاء الخشب الخرط الموجود في الرواشين أو خلال الفتحات الصغيرة في الأشكال الهندسية المفرغة والموجودة في الروشان كما ساعد على تحقيق ذلك كون نسبة الإضاءة في الداخل أقل منها في الخارج.
وأشار إلى أن الرواشين تعمل على عزل المبنى حرارياً عن الخارج حيث أن الخشب بطبيعته العزل فيتم الحد دون وصول أشعة الشمس الحارقة للمبنى سواء على الجدار أو خلال الفتحات "النوافذ" كما يمنع دخول الأتربة المحملة في الرياح بالسموم بعد اصطدامها بالواجهات الخشبية الكبيرة المساحة التي تقلل من سرعة الرياح وبالتالي من تساقط حبات الرمل المحملة مع الرياح خارج الفتحات الصغيرة في الروشان.
وحول الخاصية الجمالية التي تضفيها الرواشين، قال القحطاني: إن هذه المسطحات الخشبية الرائعة الصنع على المبنى بشكل خاص، وعلى المدينة بشكل عام، جعلت من مدن الحجاز محط أنظار الباحثين في فن العمارة العربية والإسلامية والدارسين لها، لافتاً إلى أن هناك بعض المصطلحات والمسميات خاصة بهذه الرواشين والمشربيات لا يعرفها إلا القليل من المهتمين بدراسة العمارة العربية.
وأوضح أن المشربية هي الجزء البارز من الروشان تحمل عليه الشراب "الوعاء الفخاري الذي يبرد فيه الماء" ومنه اشتقت المشربية اسمها نسبة للشربة كما يسميها أهل المنطقة حيث وجود الهواء السموم الجاف وهو الهواء المناسب لاستعمال الشراب.
وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة العامة للأرصاد و حماية البيئة: توجد المشربية في الجزء الأوسط من الروشان ببروز للخارج حوالي 30 سم وبارتفاع وحدة الدلف في الروشان وقد تكون المشربية على كامل عرض الروشان وغالباً ما تكون على جزء بسيط منه لا يزيد على المتر أو نصف المتر حسب حجم الروشان واتساعه وتتميز الرواشين بأحجامها وأشكالها المختلفة التي تتناسب مع وظائف العناصر الداخلية للمبنى ومدى أهمية تلك العناصر وحاجتها الفصلية لكمية الضوء والهواء فيتم تصميم الرواشين ملائمة لتلك الحاجة دون زيادة أو نقصان مما يجعل هذه الرواشين تعبيراً صادقاً وصريحاً لما يدور بداخلها كما أن إبراز التكوينات المختلفة لأجزاء الروشان يساعد على تحديد مدى أهمية تلك العناصر الداخلية ووظائفها المختلفة.
ومن جهته، أوضح نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة مازن بن محمد بترجي، أن الرواشين تعبر عن المستوى الاقتصادي وهي أحدى الشواهد لثراء صاحب البيت أو فقره وقد ظهرت في جدة مجموعة من المباني التقليدية القديمة ذات الرواشين الفخمة التي تميزت بالبذخ وجمال التكوين والدقة المتناهية في عمل أجزائها والتي انتهت بتتويج أعالي هذه الرواشين بتيجان غاية في الروعة والإتقان وهي أهم الوظائف التي تقوم بها الرواشين الخشبية كعنصر مميز ومكون رئيسي لواجهات المباني التقليدية القديمة.
وصنف هذه الرواشين وتشكيلاتها المختلفة إلى صنفين أساسيين هما النوافذ والرواشين صريحة التكوين وتنقسم إلى رواشين ونوافذ منفصلة أحادية التكوين وهي إما بارزة عن سمت حائط الواجهة أو مسامته لحائط الوجه ورواشين ونوافذ الدور الأرضي ورواشين ونوافذ عناصر الخدمات والنوافذ والرواشين المتعددة العناصر والتكوينات وتنقسم إلى رواشين متصلة جزئياً وتشكل تكويناً رأسياً أو أفقياً ورواشين متصلة رأسياً وأفقياً لتغطي معظم أجزاء واجهات المباني.
وبين أن كلمة رواشين أو "روشن أو روشان" جاءت تعريباً للكلمة الفارسية "روزن" وتعني الكوّة أو النافذة أو الشرفة وتعني الضوء والرواشين مفردها روشان والمراد بها التغطية الخشبية البارزة للنوافذ والفتحات الخارجية وتحمل هذه الرواشين في الغالب على كوابيل من الحجر واعتادها البيت الحجازي كزخارف من الخشب تثبت على نوافذ المنازل من أحل إعطائها أشكالاً فنية تتيح دخول الشمس والهواء إلى المنزل وتحجب الرؤية من الخارج وتعتبر أيضاً من أنماط البناء في جدة ومكة المكرمة وينبع والمدينة المنورة.
وأكد أن الرواشين مازالت رغم تطور ركب الحضارة طابع خرافي رائع يجذب الشخص للوهلة الأولى وهو فن يختص به الطراز المعماري في الحجاز ولا يكاد يخلوا منزل من الروشان في القديم وقد جلبت إلى مكة المكرمة في أوائل القرن الرابع عشر هجري أخشاب منها ما يسمى بـ "الغني" تعمل منه الرواشين والطيق والأبواب وهذه تجلب من مدينة الملايو ومنها أعواد من أخشاب القندل تجلب من سواحل أفريقيا الشرقية حتى صارت الرواشين تصنع محليا ومازج شكل البيوت الهندسية التركية وأصبح الروشن بعد أن كان صغيراً في وسط جدار الغرفة أصبح يصنع كبير بقدر سعة الحجرة فيها فتحات تسمى قلاب واستغنى بهذا القلاب عما كان يوضع قديما على الطيق والفتحات من ستائر تصنع من أعواد النخيل رفيعة يسموها كبريته.
وقال نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة: كانت الرواشين والطيق كذلك الأبواب تجلب غالبا من الهند وتكون مخرمة على شكل نقوش وأزهار تعطيها شيئا من الزخرف والجمال وهي مسقوفة في الغالب من أعواد شجر الدوم وخشب "القندل" كان يأتي من الهند وهو خشب مستدير الشكل قوي جدا و متساوي الطول وخشب "الدوم" الذي يتم جلبه من بعض الأودية بمدينة الطائف وكان خشبا قويا وغليظا يبلغ سمكه ضعف سمك أعواد القندل ولم يكن متساوياً في الطول بل كان يبدأ عريضا ثم يتدرج في السمك حتى يكون آخره رفيعا بدرجة النصف أو الربع من السماكة التي بدأ بها.
وأوضح الخبير في صناعة الأبواب والرواشين حسن إسماعيل بالتفاصيل أن الرواشين في السابق كانت أبرز ما يميز حارات جدة القديمة كالشام والمظلوم والبحر واليمن ويعرف بها كل منزل برواشين خاصة تميزه عن غيرة بالمنطقة التاريخية بجدة وكان أهالي جدة سابقا يتفاخرون بالرواشين وكانوا يدفعون للمعلمين والبنائين بسخاء من أجل بنائها وكانت هناك هندسة خاصة لها تعد بطريقة تمكن من تهوية المنزل بالكامل وتستر الدار ولا تدعها مكشوفة ولا تستخدم إلا للمنظر الخارجي للمنزل.
وتعتمد الرواشين على النجارة والتركيز على الدقة في العمل يدوياً فهي تتميز بكثرة النقوش وكانت "النجارة" في ذلك الزمن مهنة مرموقة وكان الإقبال على مزاولتها كبيراً وكان الأهالي يحرصون خلال شهر شعبان من كل عام إجراء صيانة دورية على الأبواب والرواشين حتى يستقبلوا ضيوفهم في رمضان وهي في أفضل حال لافتا إلى أنهم يعملون على رشها بالأصباغ والورنيش وإصلاح ما أفسدته عوامل التعرية والرطوبة.
وشدد على ضرورة الحفاظ على مثل هذا الطراز المعماري الذي يعد واجهة حضارية للمملكة بشكل عام لما تعبر عنه من عبق التاريخ وأصالة الماضي والتي أعطت قيمة ثرية للمنطقة التاريخية يتعرف خلالها الأجيال الحالية على بيئة الأجداد وحياتهم في الماضي.
مواقع النشر