آثار عثر
مدينة عثر التاريخية
بقلم الأستاذ ثامر عوض المالكي
الموقع والأهمية التاريخية والجغرافية:
تقع مدينة عَثّر أو عَثْر على ساحل البحر الأحمر في منطقة جازان على خط الطول 15 َ 42 ْ شرقاً ودائرة العرض 08 َ 17 ْ شمالاً، و تبعد حوالي 40 كيلاً إلى ا لشمال الغربي من مدينة جازان الحالية، وتقع على ساحل البحر الأحمر بالقرب من قوز الجعافرة المعروف حاليا في تلك الجهة، ومدينة عثر تقع على لسان من اليابسة يمتد داخل مياة البحر الأحمر ويعرف باسم رأس الطرفة، ويرجع تاريخه إلى العصر الإسلامي المبكر واستمر استيطانه حتى القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) والمعثورات التي وجدت في الموقع تدل على انه يرجح ألاستيطان فيه قبيل الفترة الإسلامية المبكرة
إن أخر ذكر للمدينة والمقاطعة يأتي في سنة 632 حينما استولى الأسود العنزي على مدينة عثر و على مواقع ساحلية إضافية مثل الشرجة، وحرض، وغليفقة والظاهر جنوبا حتى عدن. وتاريخ مدينة عثر يبدأ متزامناً مع أسرة الزيادي، هذه الأسرة التهامية اليمنية كان لها ارتباط تاريخي مع الخلفاء العباسيين، وللأهمية الرئيسية لنا هو نائب عثر هذا الرجل سليمان بن طرف نصب نفسه حاكما شبه مستقل على عثر سنة 350هـ 960 وحكم خلفاؤه عثر حتى 453هـ 1061، وكانت عثر ميناء غنيا بالتجارة منذ أن أنشئ فيها دار ملكية عباسية لضرب النقود وأصبح الدينار العثري معروفا جيدا في تهامة وكانت إيرادات طرف السنوية تزيد عن 500,000 دينار عثري. إضافة إلى وجود دار ضرب للعملة في مدينة عثر، وفي بيش تسك عملة (دينار) يسمى (العثرية الدينار العثّري)؛ وجميع الدنانير الذهبية العثرية التي كشف عنها والمتوفرة في وقتنا الراهن تعود للقرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، ومن أقدم هذه المجموعة دينار ذهبي من ضرب بيش يعود للسنة 302 للهجرة (914م) بينما متأخرها من ضرب عثر في سنة 393 للهجرة (1002م)، وكان سليمان بن طرف ابرز من حكم في تلك المنطقة حتى انه لا زالت شبه الجزيرة تسمى باسمه. وأسباب رخاء عثر والموانئ الأخرى على ساحل البحر الأحمر خلال هذا الوقت لا شك أنها تعود لازدهار مصر كقوة أولا تحت الحكم الطولوني ثم الفاطمي
- مدينة عثر - مُحيط
لا تتوفر معلومات تاريخية، تنبئ عن اندثار مدينة عثر، عدا ما يورده المؤرخ اليمني الجندي في معرض حديثه عن أهالي مدينة المهجم، فقد أورد معلومة تاريخية غاية في أهميتها العلمية تتعلق بخراب مدينة عثر الساحلية واندثارها، ونصها: "وقدم المهجم صالح بن علي بن أحمد العثري نسبة إلى جزيرة في البحر يقال لها عثر، سميت بذلك لأنها يقابلها من البر قرية يقال لها عثر قد خربت منذ زمن طويل وهي بين حرض وحلي". وفي حالة الأخذ بالحسبان تاريخ وفاة الجندي الذي كان في الثلث الأول من القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، (توفي ما بين سنة 730و 732هـ 1329-1331م)، فخراب عثر الذي وصفة الجندي انه حدث منذ "زمن طويل" ربما انه حدث خلال النصف الأول أو الثاني من القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، بالرغم من عدم توفر تأكيدات تاريخية من مؤرخين آخرين، تسلط الضوء على هذا الحدث التاريخي، بل ما يتوفر هو أن هذا التاريخ يتوافق مع انتقال عاصمة ا لمخلاف السليماني من مدينة عثر إلى مدينة جيزان العليا لأسباب تاريخية لم نزل نجهلها بعد. ولقي موقع عثر اهتماماً من قبل وكالة الأثار والمتاحف حيث تم مسحه عام 1400هـ 1980م تحت اسم القوز (108-217) الموجودة في مضيق يسمى رأس طرفة، وفي عام 1404هـ 1984م قامت وكالة الأثار والمتاحف بإجراء حفرية في الموقع ما لبثت نتائجها أن نشرت في حولية أطلال في عددها التاسع عام 1405هـ 1985م، وكشفت تلك الحفرية عن نتائج في غاية الأهمية؛ تأتي في مقدمتها تلك المعلومات التي يتعلق بعضها بالمكان واتساعه وأهميته الأثرية، واشتماله على وحدات معمارية تمثل أطلالاً بارزة ومهجورة.
وصف الموقع:
نجد انه ينقسم موقع عثر إلى 3 مواقع وهي عبارة عن تلال أثرية تمتد بالقرب من الساحل، ويلاحظ وجود نقطة لسلاح الحدود بالقرب من الموقع كما مدينة عثر الأثرية تقع غرب محافظة صبيا حيث تبعد حوالي 16 كيلا باتجاه قوز الجعافرة.
1- عثر أ تقع بين خطي طول 42.25.253 وعرض 17.80.613
الموقع عبارة عن تلال اثرية تنتشر على سطحه الكسر الفخارية ذات العجينة الحمراء والغير ملونه وهي سميكة الحجم وخشنة كما وجد بعض الفخار مختلطا مع بعض الأصداف والقواقع البحرية، كما ان طبيعة الأرض رملية.. وتبلغ أبعاد الموقع حوالي 100م ×100م تقريبا وأكبر مكونات الموقع وأكثرها وضوحا هي الكسر الفخارية وانتشار الأطلال على الكثبان الكبيرة المواجهة للسبخة.
2- عثر ب/يقع بين خطي طول 42.25.717 وعرض 17.80.446
الموقع عبارة عن تلال أثرية تنتشر على سطحه الكسر ا لفخارية ذات العجينة الحمراء اللون وهي سميكة الحجم وخشنة، إلى جانب وجود بقايا دعامات لمسجد بني من الأجر. وتبلغ أبعاد الموقع حوالي 30م ×30م تقريبا
إلى جانب مجموعة أخرى من التكوينات المعمارية المطمورة تحت تلال أطلال بارزة مهجورة في مناطق منفصلة على الكثبان الرئيسية وعلى عدد من هذه التلال الرملية البارزة لاحظنا مواد كثيرة من صنع الإنسان وبقايا آثار معمارية.
3- عثر ج/يقع بين خطي طول 42.25.765 وعرض 17.80.451
الموقع عبارة عن تلال أثرية تنتشر على سطحه الكسر الفخارية ذات العجينة الحمراء اللون وهي سميكة وخشنة كما تنتشر القواقع البحرية في الموقع وطبيعة التلال تلال رملية سبخية، أبعاد الموقع حوالي 30م×30م تقريبا
وتلاحظ السهول الساحلية المنبسطة "السبخة" حيث يوجد بها بقايا أثرية من الكثبان إلى ساحل البحر ا لأحمر وفي معظم أجزاء المنطقة توجد مناطق مرتفعة كثيرة، ويلاحظ أن المد والجزر العالي الحالي يوضح الحدود الشمالية والجنوبية "للسبخة" ويجعلها على هيئة شبه جزيرة متصلة بساحل البحر، وهناك مسافة 2 متر من اليابسة داخل خليج رأس الطرفة منعت المراكب العربية المسماة "بالدهو" من الاقتراب من ساحل عثر مباشرة.
سجل موقع عثر برقم (217-108) في عام (1400هـ -1980م) خلال مسح المنطقة الجنوبية الغربية، مسح جنوب تهامة، وعرف باسم عثر وقيل عنه أن له مكونات من حضارة الجزيرة والأمويين والعباسيين، وفي عام (1404هـ -1984م) اختير هذا الموقع وأجريت به مجسات من أجل الحصول على قطاعات مفصلة ورسم خريطة للموقع الأثري وقد يرجع تأريخ أقدم استيطان به إلى حضارة جنوب الجزيرة العربية
- مدينة عثر على لسان يابسة يمتد داخل البحر الأحمر ويعرف باسم رأس الطرفة - هتون
أهم المعثورات والنتائج:
من أهم المعثورات التي كشفت عنها الحفريات وجود مجموعات متنوعة من الخزف الأزرق ذو الطلاء القلوي المعروف في العصر العباسي، وكذلك الخزف ذو البريق المعدني بلون واحد، والخزف ذو الطلاء الأبيض القصديري المزخرف بزخارف محفورة، بجانب العثور على كسر بعض الأواني الخزفية المبرقشة، وكذا المزخرفة بزخارف قالبية بطبقة مذهبة، وكذلك وجود نماذج لآنية فخارية وخزفية وحجرية مستوردة من الصين؛ كل ذلك وجد جنباً إلى جنب مع كميات كبيرة من الفخار المحلي من مختلف الأنواع والأحجام، إلى جانب تلك المعثورات تم الكشف عن كسر لنماذج متنوعة من الآنية المصنوعة من الزجاج، ومن الحجر الصابوني، وكذلك الأدوات المصنوعة من الحديد، والبرونز، والنحاس منها: المراود، والسكاكين، والخناجر، ونحوها، بالإضافة إلى العثور على نماذج متنوعة من المجامر، وعلى كمية قليلة من العاج، والخرز بأنواعه.
ومن الجدير بالذكر أن أهم ما ينسب إلى عثر من الآثار المنقولة تلك التي تتمثل في السكة المنسوبة إليها، خاصة الدينار العثري الذي تبارى الجغرافيون والرجالة المسلمون في ذكره، والإشادة به، وبنقاء ذهبه، واعتدال وزنة وقد عرف منه بصفة خاصة بضعة دنانير منسوبة إلى الخليفة العباسي المطيع لله (363هـ 974م)، وإلى ابنه الخليفة الطائع لله (381هـ 991م). منها دينار واحد محفوظ في المكتبة الوطنية بباريس، وآخر محفوظ في متحف قطر الوطني، وثالث ضمن مجموعة خاصة بالمدينة المنورة. على أن مؤسسة النقد العربي السعودي تمتلك أكبر عدد من الدنانير
العثرية، فبحوزتها حتى عام 1416هـ 1996م خمسة دنانير مسجلة تحت الأرقام: 403 و 424 و 425 و 429 و 433. بالإضافة إلى درهم واحد من الفضة. وقد عثرت وكالة الآثار والمتاحف في الموقع نفسه على فلس نحاسي واحد، أطرافة متآكلة وتصعب قراءة ما عليه. كما يوجد في متحف وكالة الآثار والمتاحف دينارين عثريين تم الحصول عليهما عن طريق الشراء.
وكذلك الموقع غني بالملتقطات السطحية التي ظهرت على سطحه من جراء السيول والرياح، كما يوجد لدى الوكالة أنواع من الخزف ذو البريق المعدني والتي تعرض في المتحف الوطني، وقد ذكر العقيلي نقلاً عن عبد القدوس الأنصاري رحمه الله مجموعة من اللقى الأثرية الثمينة التي وجدت هناك، ويذكر العقيلي أيضاً أن السيل كشف في بعض السنين عن ثلاثين بئراً وما حولها، مما يدل على أهمية المكان، واتساعه، وكثافة سكانه. وكما أورد الهمذاني فقد تمتع ابن طرف بازدهار المنطقة حتى 1061هـ 1453م حينما هجرت بسبب غرينية الميناء ونقص المياه العذبة.
تشير نتائج كربون 14 المشع الذي أجري على عدد من العينات الأثرية المصاحبة للتراصف الطبقي في الموقع إلى أنها تعود للقرنين الأول والثاني الهجريين (السابع والثامن الميلاديين)، وقد كان مصاحبا لهذه العينات الأثرية عند العثور عليها فخار مضلع ربما يعود للفترة البيزنطية المتأخرة الواقعة ما بين القرنين الخامس والسادس الميلاديين. ومن واقع احد المجسات التي اجريت في الموقع يشير إلى ان هناك تسعة مستويات طبقية إسلامية تتخللها معثورات فخارية وخزفية مصاحبة؛ فالمستويات الطبقية العلوية التي تتمثل من المستوى الأول حتى نهاية المستوى الخامس ربما تعود للفترة ما بين 228-453هجرية (842-1061م)، أما المستويات البقية التالية (من الطبقة السادسة حتى التاسعة) فإنها ترجع تاريخا إلى الفترة الواقعة مابين 28-228 هجرية (648-842م).
صور لبعض المسكوكات الذهبية والتي ضربة بمدينة عثر التاريخية:
والغالب على هذه الدنانير الذهبية:
الوجه: تحيط كتاباته من الخارج دائرة.
مركز: دائرتان بداخلهما: لا إله إلا الله محمد رسول الله، الطائع لله.
هامش داخلي: بسم الله ضرب هذا الدينار بعثر سنة.
الظهر: دائرة تحيط بكتاباته من الخارج بقايا دائرة.
هامش: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء) (الإسرا: 81)
الخاتمة
إن مدينة عثر التاريخية من المدن العريقة والتي اندثرت معالمها ولم يبقى سوى الأطلال، تبرز أهمية الموقع بآثاره الغنية والمتنوعة التي تدل على ما تحمله المدينة من حضارة زاهية، وصلات تجارية مع المراكز الحضارية التي كانت مسيطرة في داخل الجزيرة العربية وخارجها. وإن أهم ما ينسب إلى عثر من الآثار المنقولة تلك السكة المتميزة "الدينار العثري"، كما نأمل أن يكون هناك اهتمام للموقع وتسويرة والمحافظة عليه و عمل تنقيبات أثرية جديدة فيه.
المصدر: موقع الآثار والمتاحف
تم تصويب (219) خطأ، منها استقلال ( ، : ( " ) ؛ . )
مواقع النشر