الخنســـــــاء
هي السيدة تماضر الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية، أرقى شواعر العرب، وأحزن من بكى وندب. كان أبوها عمرو، وأخواها معاوية وصخر، وكانت هي من أجمل نساء زمانها فخطبها دريد بن الصمة فارس جشم، فرغبت عنه، وآثرت التزوج من قومها فتزوجت منهم، وكانت تقول المقطعات من الشعر فلما قتل شقيقها معاوية ثم أخوها لأبيها صخر، جزعت عليهما جزعاً شديداً،وبكتهما بكاءً مراً، وكان أشد وجدها على صخر: لأنه شاطرها هي وزوجها أموالها مراراً ولما جاء الإسلام وفدت مع قومها على النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلمت وكان يعجبه شعرها ويستنشدها ويقول هيه يا خناس، ويومئ بيده.
وما فتئت تبكي صخراً قبل الإسلام وبعده حتى عميت، وبقيت إلى أن شهدت حرب القادسية مع أولادها الأربعة، فأوصتهم وصيتها المسرة وحضتهم على الصبر عند الزحف فقتلوا جميعاً، فقالت: الحمد الله الذي شرفني بقتلهم، ولم تحزن عليهم حزنها على أخويها، وتوفيت سنة 24ه?.
شعرها:
أغلب علماء الشر على أنه لم تكن امرأة قبل الخنساء ولا بعدها أشعر منها، ومن فضل ليلى الأخيلية عليها لم ينكر أنها ارثى النساء وكان شار يقول لم تقل امرأة شعراً إلا ظهر العف فيه لقيل وكذلك الخنساء فقيل تلك التي غلبت الفحول، ولم يكن شأنها عند شعراء الجاهلية أقل منه عند شعراء الإسلام فذلك النابغة الذبياني يقول لها وقد أنشدته بسوق عكاظ قصيدتها التي مطلعها:
قذى بعينيك أم بالعين عوّار
أمة ذرَّفت إذ خلت من أهلها الدارُ
لولا أن أبا بصير (يعني الأعشى) أنشدني قبلك لقلت أنك اشعر من بالسوق، وسئل جرير من أشعر
الناس قال أنا لولا الخنساء، قيل فبم فضلتك قال بقولها:
إن الزمان (وما يفنى له عجبُ)
أبقى لنا ذنباً واستوصل الراس
إن الجديدين في طول اختلافهما
لا يفسدان ولكن يفسد الناس
ومن جيد شعرها ترثي أخاها صخراً:
أعيني جودا ولا تجمدا
ألا تبكيان لصخر النَّدى
ألا تبكيان الجريء الجميل
ألا تبكيان الفتى السّيدا
رفيع العماد طويل النّجا
د ساد عشيرته أمردا
إذا القوم مدوا بأيديهم
إلى المجد مدّ إليه يدا
فنال الذي فوق أيديهم
من المجد ثم انتمى مصعدا
يحملّه القوم ما عالهم
وإن كان أصغرهم مولدا
وإذن ذكر المجد ألفيته
تأزّر بالمجد ثم ارتدى
ومن قولها ترثيه أيضاً:
ألا يا صخر إن أبكيت عيني
فقد أضحكتني زمناً طويلاً
دفعت بك الخطوب وأنت حيٌّ
فمن ذا يدفع الخط الجليلا
إذا قبح البكاء على قتيل
رأيتُ بكاءك الحسن الجميلا
ومن بديع قولها:
يذكرني طلوع الشمس صخراً
وأذكره لكل غروب شمس
فلولا كثرةُ الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
ولكن لا أزال أرى عجولاً
ونائحة تنوح ليوم نحس
هما كلتاهما تبكي أخاها
عشية رزئه أو غبّ أمس
وما يبكين مثل أخي ولكن
أسلي النفس عنه بالتأسيّ
فقد ودّعت يوم فراق صخر
أبي حسان لذاتي وأنسي
فيا لهفي عليه ولهف أمي
أيصبح في الضّريح وفيه يمسي
مواقع النشر