تمدُّد ارتدادات السودان على نطاق إقليمي أوسع
غطى السقوط غير العادي للرئيس التونسي زين العابدين بن علي، على حدث مهم آخر كان يجري على بعد آلاف الكيلومترات إلى الجنوب الشرقي، يمكن أن يكون له أيضا أثر واسع في العالم العربي.
سيعطي التصويت المتوقع بـ ''نعم'' في الاستفتاء الذي جرى في جنوب السودان من أجل الاستقلال، الزعماء الآخرين في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط مجالا واسعا للتفكير حول مواضيع تتراوح بين الانفصالية المبنية على أساس عرقي والسيطرة على الموارد - والحكمة من الاستبداد والتسلط.
من المحتمل أن تعمل بعض الأفكار التي تقف وراء الانفصال السوداني المقترح على إثارة اهتمام بعض المجموعات العربية وغير العربية في المنطقة الأوسع التي لا تشعر بأنها جزء من دولها أو هي ببساطة غاضبة على حكوماتها.
يعتبر الاستفتاء العام الذي جرى في السودان تتويجا لاتفاقية السلام التي عقدت في عام 2005 لوضع حد لنصف قرن من الصراع بين الشمال ذي الغالبية العربية المسلمة وبين الجنوب ذي الغالبية غير العربية التي تدين بالمسيحية والوثنية.
انتهت عملية التصويت يوم السبت، ويعتقد معظم المحللين أن النتائج التي من المقرر أن تعلن بعد بضعة أسابيع ستظهر أن الغالبية الساحقة تؤيد الاستقلال. ويبدو أن المسؤولين في الحكومة السودانية في الخرطوم قد اعترفوا بسلامة العملية واحتمال التصويت بـ ''نعم''، الذي يتوقع أن يؤدي إلى استقلال الجنوب في تموز (يوليو).
وبينما توجد أسئلة كبيرة في المدى الطويل حول قدرة بلد يفتقر إلى الثروة والبنية التحتية كجنوب السودان على العيش والبقاء، فإن انفصاله قد يشجع الأقليات غير الراضية عن أوضاعها في الدول العربية الأخرى التي يهيمن عليها العنصر العربي.
ويقول عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات: إن صحافيا من كردستان العراق جاء إليه ليسأله إن كانت عملية التصويت في السودان ستشكل سابقة بالنسبة للمنطقة؟
ويمكن أن تنبع المطالب اللاحقة من الاختلافات العرقية، كتلك التي تتعلق بالبربر في شمال إفريقيا أو من المشاعر الغامضة التي تتعلق بالانفصال الثقافي أو اللغوي كما في أجزاء من اليمن.
يقول عبدالله: إن جميع الآخرين بدءا بكردستان، قد يطرحون هذا السؤال. وسيجد ''العالم العربي'' صعوبة حقيقية في إعطاء جواب معقول وحقيقي عنه.
ينطوي الوضع السوداني على دروس أخرى بالنسبة للحكومات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويتعلق أحد هذه الدروس بالسيطرة على الموارد التي كانت في لب مطالبة الجنوبيين بالاستقلال وكيف ينبغي أن يتحقق.
والمعادلة البسيطة هي أن الكثير من الجنوبيين يرغبون في زيادة حصتهم البالغة 50 في المائة من الإيرادات المتأتية من إنتاج البلد من النفط الذي يبلغ 500 ألف برميل يوميا، والذي يأتي معظمه من الأراضي الواقعة في الجنوب أو من مناطق متنازع عليها مع الشمال.
وللمعركة صدى عالمي وصدى خاص في العالم العربي. فالمنطقة لديها الكثير من الثروات النفطية - ليس أقلها في كردستان - وتعتبر بشكل متزايد جبهة كامنة للنزاعات حول الموارد الأخرى، كالمياه في اليمن.
لقد كان أحد أسباب الثورة التونسية - والمدونات والاحتجاجات الأقل شأنا التي أثارتها في بلدان أخرى - هو الاستيلاء على المقدرات الاقتصادية من قبل زمرة تحيط بالرئيس وعائلته.
ويبدو أن النهج التسلطي والعدواني المتبع في كل من تونس والخرطوم؛ للمحافظة على الوضع المالي الراهن قد فشل في نهاية المطاف.
يمكن أن يقول متفائل إن استقلال جنوب السودان لا ينبغي أن يشكل كارثة بالنسبة للشمال الذي يملك العوامل التي تساعد على إنجاح الانفصال وله مصالحه في استخدامها. إن الجنوب يعتمد على الشمال ليس فقط في خط الأنابيب وبنية المصافي التحتية التي توصل النفط إلى السوق، ولكن أيضا في بعض الإمدادات الصناعية.
وفي مقابل ذلك، وبعد سنوات عدة من تراجع الاحتياطيات السودانية من العملة الصعبة، يتزايد شعور الخرطوم بالامتنان لحصتها من الدخل المتأتي من النفط الخام في الجنوب.
وهكذا، فإنه بينما يرجّح أن تستقطب تونس الاهتمام في منطقة الشرق الأوسط في الأسابيع المقبلة، يجدر النظر بطرف عين، على الأقل، إلى ما يجري في السودان. وفي نطاق تأثيرها في التفكير الشعبي والسياسي في المنطقة الأوسع، فإن الأحداث التي جرت في كلا البلدين قد يكون بينها من العوامل المشتركة أكثر مما يبدو.
المصدر: الاقتصادية - مايكل بيل
مواقع النشر