نواكشوط (إينا) - رغم قساوة الطبيعة وعاديات الزمن، لا يزال جامع شنقيط العتيق شامخا وشاهدا على الحركة العلمية والدعوية التي عاشتها مدينة شنقيط التاريخية (شمال موريتانيا)، والمصنفة تراثا عالميا.
ولا يعرف بالتحديد متى بني هذا الجامع وإن رشح الكثيرون أن بدايات تأسيسه تعود سنة ٦٦٠ هجرية حينما التقى الفقيه الصالح محمد قلي ويحي العلوي الكبير وأعمر يبن، على فكرة تأسيس مدينة تولى فيها كل منهم المهام المتعلقة باختصاصاته.
منذ ذلك الوقت وضع الشناقطة منهجا لإدارة المنشأة الروحية الجديدة عبر اعتماد الشورى في تعيين إمام المسجد ليقوم بجميع مسؤوليات الإمامة من إقامة للصلاة وقراءة للقرآن الكريم والأحاديث الشريفة وإنشاد للمدائح النبوية والحفاظ على ممتلكات المسجد من أوقاف وهدايا وهبات.
ويقع مسجد شنقيط العتيق وسط المدينة، ويعتمد من الناحية العمرانية على ٣٢ سارية يستعملها المصلون للاسترخاء أثناء الإنصات لقراءة القرآن أو الاستماع للحديث.
ويتشكل سقف هذه المعلمة التاريخية من العيدان والحشائش والطين، كما توجد به مصبات في وسطها مصرف يجمع الماء ويمنعه من التفرق في باحة المسجد، وكانت إنارته قديما عن طريق القنديل المثبت في الحائط، ويعطر المسجد عبر بخور عود "الند" الذي يتصاعد دخانه الزكي وتلوح منه رائحة ذات تأثير كبير على نفس المصلي.
وتعد مئذنة جامع شنقيط، التي ترتفع عشرة أمتار، من المآذن النادرة شكلا وتصميما مما أكسبها صبغة تراثية نادرة، حيث بنيت على قاعدة صلبة من الحجارة الملساء جلبت من بعيد على ظهور الجمال وأخذت شكلها المخروطي الذي يزداد دقة كلما سمقت وتم تزيينها بخمسة رؤوس دقيقة وضعت على كل رأس منها بيضة نعامة حفاظا على تراث الأرض من حجارة وبيض نعام.
وتوجد بداخل المنارة مدارج بنيت من حجارة وزينت بمجموعة من النوافذ الصغيرة على شكل مثلثات تساعد في التهوية، وفي الداخل توجد مصاب للماء صنعت من سعف النخيل، وللمأذنة باب من شجر الطلح الذي كان الشناقطة يستخدمونه لصناعة أبواب منازلهم.
وللجامع ساعة أثرية تسمى "الحجرة" يعتمد عليها في معرفة أوقات الصلاة وخاصة صلاة العصر الذي يتحدد بوصول ظل الحائط الواقع مغربها إليها وهذه الساعة ثابتة رغم محاولات البعض إزالتها باعتبارها صنما تجب إزالته، حسب اعتقاد هؤلاء.
وللمسجد تأثير كبير على مجتمع الشناقطة حيث كان ذوو الأثرة من المال يقدمون له أوقافا يقوم على شأنها ويقسمها على الفقراء، كما كانت للمسجد دور كثيرة يقطنها طلبة العلم وعابرو السبيل.
ولمسجد شنقيط تقليد معروف في سقاية المصلين، حيث درج على شراء قرب أو إيجادها عن طريق الهبة ويقوم عامل المسجد بملئها بالماء وتعليقها في الحائط داخل المسجد، كما تعلق أخرى في الحائط الخارجي عندما تكون الشمس قد زالت وتبقى حتى الصباح ثم تحمل إلى الداخل لتأمين الماء البارد للزوار والمصلين.
واليوم يقف هذا المسجد الذي تفوح رائحة العبق من باحته حيث تقام الصلاة على الحصى مباشرة تطبيقا لاعتقاد البناة الأوائل الذين يرون أفضلية الصلاة على الحصى على الصلاة على الأفرشة، شامخا وشاهدا على الحركة العلمية والدعوية التي عاشتها المدينة.
بقلم: المختار الطالب النافع / ص ج
مواقع النشر