الرياض - أنجوس مكدوال (رويترز) - ولد العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام وطأت فيه أول سيارة شوارع الرياض المتربة لكنه خلف إرثا عصريا من الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي المشوب بالحذر.
والملك عبد الله الذي يعتقد أنه ولد عام 1924 اعتلى عرش المملكة في 2006 لكنه كان يدير البلاد فعليا قبل ذلك بعشر سنوات. وأعلن التلفزيون السعودي في وقت مبكر يوم الجمعة وفاة الملك عبد الله.
وعين الملك عبد الله أخويه غير الشقيقين الأمير سلطان والأمير نايف في منصب ولي العهد على التوالي لكنهما توفيا قبله ليخلفه ولي العهد الأمير سلمان.
ويعتقد أن الملك الجديد سيواصل على الأرجح جهود الملك عبد الله التي استمرت على مدى حوالي 20 عاما في حث رجال الدين المحافظين ذوي النفوذ على قبول التغييرات الحذرة التي تهدف إلى التوفيق بين التقاليد الإسلامية واحتياجات الاقتصاد العصري.
وبحسب السفارة السعودية في واشنطن فقد ولد الملك عبد الله في ديوان والده الملك عبد العزيز آل سعود عام 1924. وكانت العاصمة الرياض آنذاك واحة صغيرة محاطة بأسوار من الطوب اللبن وسط مملكة فقيرة لكنها تحقق نموا سريعا.
وحين أضحى الحاكم الفعلي في عام 1995 بعدما أصيب سلفه الملك فهد بجلطة كان معروفا للدبلوماسيين الأجانب كشخصية متدينة ومحافظة على صلة وثيقة بالقبائل البدوية في المملكة.
وسرعان ما تبددت هذه السمعة نتيجة حماسته للإصلاح حين كان وليا للعهد إذ حاول تقليص العادات المترفة لعائلته الحاكمة الضخمة ومعالجة مشكلة البطالة بين الشبان التي كانت تدق ناقوس الخطر وذلك من خلال تحرير الاقتصاد لتحفيز نمو القطاع الخاص.
ومع ذلك فإن رد فعله تجاه الربيع العربي من حملة أمنية في الداخل وإجراءات اقتصادية تحظى بشعبية وانتهاج سياسة خارجية صارمة أصاب بعض السعوديين الليبراليين بخيبة أمل.
وبعد هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 على الولايات المتحدة التي نفذها 19 خاطفا من بينهم 15 سعوديا وحملة الاعتداءات التي نفذها تنظيم القاعدة على الغربيين داخل المملكة حمل على رجال الدين المحافظين الذين ينشرون في المدارس والمساجد رسالة لا تعبر عن تسامح الدين الإسلامي.
وقال "إن الدولة ماضية بعون الله في نهجها الإصلاحي المدروس المتدرج" وتعهد بتجاهل المحافظين دعاة "الجمود والركود" والليبراليين دعاة "القفز في الظلام والمغامرة الطائشة".
كانت وتيرة الإصلاح بطيئة ولم تحقق سوى نجاح جزئي لكنها وجهت آليات السياسة السعودية نحو تغيير تدريجي مما جعل من الملك عبد الله زعيما محبوبا بين أعداد الشبان المتزايدة في المملكة حيث 60 بالمئة من المواطنين دون الثلاثين.
لكنه ترك النظام السياسي في المملكة دون تغيير إلى حد كبير.
وباستثناء إجراء انتخابات مجالس بلدية ليس لها سلطات تذكر فإن الإصلاح السياسي الوحيد المهم الذي حدث هو تأسيس هيئة البيعة لتنظيم عملية الخلافة.
العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في جدة
27 يونيو 2014. صورة لرويترز من ممثل لوكالات الأنباء
انتفاضات الربيع العربي
كان العاهل السعودي معارضا قويا للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في دول مجاورة إبان الربيع العربي مما يعكس مخاوف السعودية من أن يتيح سقوط حلفاء قدامى فرصا لغريمتها إيران ولتنظيم القاعدة.
وساهمت قراراته بإنفاق 110 مليارات دولار على الإعانات الاجتماعية وبناء مساكن جديدة وتوفير فرص عمل في تفادي أي قلاقل خطيرة في المملكة.
وفي السنوات الأخيرة كان السجن مصير نشطاء طالبوا بالتغيير. والأحزاب السياسية والاحتجاجات العامة محظورة في البلاد.
لكن يبدو أن الملك ظل يحظى بشعبية حتى بين من دعوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي "ليوم غضب" للمطالبة بالديمقراطية. وأرجع منتقدون للعائلة الحاكمة ذلك لإنفاق حكومته السخي خلال فترة حكمه التي شهدت عائدات قياسية من النفط.
كان الملك عبد الله مولعا بتمضية أوقات في الصحراء مما ميزه بقوة عن أمراء سعوديين يفضلون قضاء الصيف في قصور على شواطيء البحر المتوسط.
وكان أحد قراراته الأولى كملك تقليص إنفاق الأسرة الحاكمة وطالب الأمراء بسداد فواتير الهواتف وتذاكر الطيران بدلا من التعامل مع أجهزة الدولة على أنها مكرسة لخدمتهم الشخصية.
حتى محاولاته التغلب على تلعثم يعتقد أنه نتيجة عقاب في سنوات الطفولة عززت صورته كواحد من الشعب.
وحين قام بزيارة سعوديين في مناطق أشبه بالعشوائيات بعد فترة وجيزة من اعتلاء العرش قوبلت الزيارة بحفاوة باعتبارها أول اعتراف علني من جانب الدولة بوجود الفقر.
وسعى الملك عبد الله أيضا لتحسين وضع المرأة وتوفير تعليم أفضل لها وفرص عمل وذكر أنه سيسمح لها أيضا بالمشاركة في الانتخابات البلدية في عام 2015.
وقال إنه سيجري اختيار نساء لعضوية مجلس الشورى المقبل الذي يقدم المشورة للحكومة بشأن القوانين الجديدة.
لكن لا يزال محظورا على المرأة قيادة السيارات ولابد لها من الحصول على موافقة ولي الأمر قبل العمل أو السفر للخارج أو فتح حساب مصرفي أو حتى الخضوع لعملية جراحية في بعض الحالات.
وفي السنوات الأخيرة ركزت السياسة الخارجية بشكل متزايد على جهود احتواء ما تعتبره المملكة السنية تناميا لنفوذ إيران الشيعية في الشرق الأوسط.
وبلغت تلك السياسة ذروتها في مارس آذار 2011 عندما أرسلت السعودية قوات إلى مملكة البحرين لدعم عاهلها في مواجهة انتفاضة الأغلبية الشيعية.
ولم يلق هذا القرار قبولا بين الأقلية الشيعية في السعودية لكن كثيرين من زعماء الشيعة في البلاد يقولون إن الملك عبد الله عمل أكثر من أسلافه على الحد من التمييز.
وخشت الرياض أن يكون الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 قد غير بالفعل من موازين القوى في المنطقة ومنح إيران نفوذا أكبر.
وأكد هذه المخاوف البرنامج النووي الإيراني الذي يرتاب الغرب في أنه يهدف لإنتاج أسلحة نووية.
ونقلت برقية دبلوماسية تعود لعام 2009 نشرها موقع ويكيليكس عن الملك عبد الله مطالبته الولايات المتحدة مرارا بقطع رأس الحية بمهاجمة إيران.
مواقع النشر