بيروت - رنا نجار (رويترز) - في قلب منطقة تعيش على وقع صراعات دامية ويفر منها الآلاف كل يوم أطلق المؤلف الموسيقي والفنان التشكيلي اللبناني زاد ملتقى معرضه السمعي البصري (شمش) ليبعث منه برسالة سلام مستعينا بقوانين حمورابي التي وضعها لبلاد ما بين النهرين قبل نحو ثلاثة آلاف عام.
المعرض الذي افتتح في متحف سرسرق في شرق بيروت يوم الخميس يحاكي التراجيديا الإغريقية في شكله وعمقه الفلسفي في استعراض ما وصلت إليه المنطقة العربية خلال السنوات القليلة الماضية.
وينطلق زاد ملتقى في عمله الذي سبق عرضه في الجناح اللبناني في بينالي البندقية عام 2017 وزاره أكثر من 30 ألف شخص من العالم من ”أول قانون حضاري في العالم وضعه حمورابي وهو محفور على نصب عال من حجر البازلت الأسود قبل نحو ألفي عام.. على رأس هذا الطوطم يتربع شمش، إله الشمس. تماما كما يوزع الضوء الظلال، كذلك يفضح شمش الشر في وضح النهار ويضع حدا للظلم“ كما يشرح ملتقى لرويترز.
وقال ملتقى ”كل ما كنت أراه في الصحف عما يحصل في العراق وسوريا واليمن وخصوصا تدمير الآثار أثار غضبي وجعلني أفكر في عمل للتعبير عن موقفي كفنان بالرفض التام لما يحصل“.
وأضاف ”اخترت العودة الى التاريخ القديم في وقت يغرق العالم بالمادية، لأقول إن الانسان الذي يستطيع أن يبني ويعمر ويطور، هو نفسه يستطيع أن يخرب ويدمر كل شيء“.
وفي غرفة مستطيلة ضخمة ومعتمة يستقبلك معرض (شمش) كأن الزائر يدخل الى أرض المجهول، لا يعرف أين البداية ولا أين النهاية، كأن الماضي والحاضر يجتمعان في فسحة واحدة يصفيان حساباتهما. تظهر إضاءة خافتة شيئا فشيئا، كأنها تنبئ بخبر ما. ثم تبدأ الأصوات والموسيقى التي هي سر المعرض وجوهره، بالتصاعد.
يتوزع في باحة المعرض 32 مكبرا للصوت تعلو قليلا عن الارض و32 مكبراً آخر قريبة من السقف. يصدر من المكبرات في الأعلى أصوات هي في الاصل صوت الطائرة، لكن زاد ملتقى عدله ليحصل على صوت غريب عندما نسمعه نعتقد أنه عزف مقطوعة موسيقية لا ندرك مكنوناتها.
أما المكبرات الموضوعة في الأسفل، فهي تصدر أصواتا مسجّلة لعدد 32 شخصا من كورال الجامعة الأنطونية التي قدمت عرضا حيا في الافتتاح حيث أدى كل مؤد فقرته على مكبر. هذه الأصوات الصادرة من أفواه أفراد الكورال هي لغة خيالية تجسد مجموعة مخارج صوتية تشبه اللغة السومرية، وهي مستوحاة من اللغات القديمة. أما كلماتها فمستمدة من نشید إله العدل السومري، وتستند الى مفردات أكادیة مشوهة ومبتورة، وكأن صاروخا سقط وسط اللغة وأشعل حريقا هائلا في الكلمات.
ويقول ملتقى ”أردتها أن تكون لغة اليوم والماضي والمستقبل، هي لغة صوتية خيالية مبتكرة ليس لها معنى“. والكورال هنا موجود وغير موجود في رمزية للحضور والغياب، حضور الإنسان وغيابه، حضور الآثار وتدميرها.. ففكرة تركيب العمل ككل مبنية على التناقضات سواء بين الماضي والحاضر، بين البداية والنهاية، بين الوجود وعدم الوجود، بين العدل والجشع، بين الموت والحياة، بين الحرب والسلام.
وبينما يكون الزائر مسترسلا في الأفكار على وقع أصوات الكورال، ينفجر صوت مدو مع إضاءة قوية تملأ المكان. فيظهر مجسم ضخم طوله ستة أمتار وعرضه 1.5 متر يشبه الصاروخ، ومن ورائه في آخر القاعة خريطة طويلة تلمع بالذهب. وهذا المجسم هو محرك طائرة رولز رويس، صنع في الخمسينات، ووجده ملتقى في قرية (سيلبي) شمال لندن بالصدفة حين كان بصدد التحضير لهذا العمل.
قد يمثل هذا الانفجار الحرب والدمار، وقد يمثل الصرخة في وجه كل هذا العنف الدائر حولنا وانحلال العدل. أما الذهب اللامع فهو يمثل بحسب زاد ملتقى ”الطمع والمادية في وجه العدالة والقانون، وقد استخدمت الذهب هنا كرمزية للشمس وتحولاتها بما أننا نستلهم من شمش إله الشمس لدى الحضارة الأكادية“.
والخريطة هنا متخيّلة كأنها لوحة تشبه موزاييك ساحة سان مارك في البندقية حيث عرض هذا العمل للمرة الأولى. وفي نهاية العرض يصدح في القاعة صوت طفل صغير يتلو علينا نصاً لحمورابي.
وفي أمسية المعرض استمع زوار المعرض إلى معزوفة موسيقية بعنوان (شمش ايتيما) أو (الشمس المظلمة) أدتها جوقة الجامعة الأنطونیة. وتشكل هذه المعزوفة جزءا أساسيا من المعرض.
ويستمر المعرض الذي أشرف عليه القيم والمؤرخ الفرنسي للفنون إيمانويل دايدي حتى 25 يونيو حزيران قبل أن يبدأ جولة في عدة دول منها فنلندا والنرويج وبريطانيا واستراليا.
مواقع النشر