حوار: أحمد عبد العظيم - القاهرة : الشاعر رفعت سلام أحد رموز جيل السبعينيات, نذر نفسه منذ كتابة قصائده الأولي للتجريب,والبحث عن صوت شعري مغاير وطموح لارتياد آفاق جديدة في أروقة نفسه كشاعر يأبي أن تصبح القصيدة مجرد إعادة صياغة لما هو حادث ومعروف, بل خطوة إلي الثنايا والزوايا المطمورة والمجهولة.
وإذا كانت الرواية في تجلياتها المعاصرة قد تحولت إلي وعاء رحب يستوعب الفنون البصرية لتصبح ديوان العرب الجديد, فإن شاعرنا بما يمتلكه من مواهب أخري جعلته يضمن قصائده ما يعرف بالمتن والهامش لتحتوي القصيدة علي أكثر من صوت كما في ديوان إشراقات و حجر يطفو علي الماء, وفي ديوانه الأخير هكذا تكلم الكركدن يضيف رفعت سلام بعدا فنيا يتمثل في تزويد القصائد برسوم من إبداعه.
ولرفعت سلام تجارب جريئة جعلته يخوض في ترجمة عوالم شعرية عالمية متميزة لرواد قصيدة النثر مثل بودلير, ورامبو, وماياكوفسكي وغيرهم, كما يشرف حاليا علي سلسلة آفاق عالمية ويقوم من خلالها بنشر ترجمات للإبداعات الأجنبية بجانب مشروع جديد لنشر أهم مائة عمل أدبي في الثقافة العالمية في سلسلة أخري بعنوان ال100كتاب.
يصر العديد من النقاد أن جيل السبعينيات قد ذهب بالشعر إلي متاهة النثر و الذاتية والغموض؟
كان الشعر قبل نكسة67 مرتبطا بالواقع السياسي المباشر والأحداث الجارية بينما ركز جيلنا علي الوضع الوجودي للإنسان, ونعتقد أن وظيفة الشعر لا تنحصر في إيقاظ الوعي لدي الجماهير أو تحريضهم لعمل شيء ما, بل اكتشاف ما لم يسبق اكتشافه في العالم. فهذا الجيل الذي وقعت علي رأسه كوارث النكسة كان لزاما عليه أن يعيد النظر في كل شيء بشكل واع أو غير واع وخاصة الشعر ودوره الثوري وعلاقة الشعر بالجمهور. ووجدنا أنها لم تنتج سوي المزيد من إيهام الناس وأن الشعر لم يلعب دوره في فضح العالم.
أنت أكثر شعراء جيلك جموحا نحو التجريب. ألا تخشي أن تجد الطريق مغلقا أمامك في يوم ما؟
جموحي نحو التجريب نابع من كراهيتي العميقة للتكرار,فإذا تشابهت بداية الديوان الجديد الذي أكتبه مع عمل سابق يسقط القلم من يدي ولااستطيع إتمامه, لأنني لا اتحمل أي شبهة تكرار تفسد النص, حرصا علي أن أتجاوز وأكتب ما لم أكتبه من قبل, وهناك من يكرر تجربة الشعر في دواوين عديدة يمكن اختصارها في ديوان, واطلاعي علي تجارب الشعر العالمي منحني آفاقا لا نهائية لم تحصرني في حدود مغلقة, فكل شاعر يفتح أمامي طريقا مغايرا.
ولكن تجربة كتابة قصائد تعتمد علي ما يعرف بالمتن للشعر والهامش للنثر كما في ديوان حجر يطفو علي الماء مثلا قد تشتت القاريء؟
انتبهت مبكرا إلي أن إحدي مشاكل الشعر العربي قديمه وحديثه أنه ذو صوت واحد وهو صوت الشاعر ووجدت حلا بابتكار طريقة المتن والهامش لضمان تعدد الأصوات للتعبير عن تعدد العالم, وأنا لست مثل بقية شعراء جيلي الذين انتقلوا من قصيدة التفعيلة إلي قصيدة النثر وهجروا القيم الإيقاعية وفي ديوان حجر يطفو علي الماء لا تستطيع أن تعرف من أين يبدأ النثر؟ ومن أين تبدأ التفعيلة؟ فهناك مزج كامل بينهما مما كسر أحادية النص الشعري وأدي أيضا إلي كسر أحادية الصفحة كما في الكتب التراثية وكذلك طريقة القراءة.
وماذا عن تجربتك الجديدة المتعلقة بتزويد النص الشعري برسوم من إبداعك في ديوانك قبل الأخير هكذا تكلم الكركدن وما الذي يضيفه في إطار التجريب؟
_ أردت أن تتسع آفاق النص الشعري ليمتزج النص اللغوي مع النص البصري ويشكلان معا مجمل النص الذي يتلقاه القاريء دون فصل بينهما, وهناك علي مستوي النص أيضا تجربة جديدة تتمثل في كونه هذه المرة ليس مكتوبا في شكل قصائد بل نص شعري ممتد يتضمن عدة أصوات كل صوت يقدم نفسه بلغته وشكله الطباعي وبرؤيته للعالم, وتتقاطع الأصوات وتمتزج في لحظات وتتفرق في لحظات أخري.
تسرف كثيرا في الغموض والألفاظ المهجورة واستخدام آيات من القرآن الكريم في قصائدك؟
الشعر في حاجة دائما إلي أن يقرأ أكثر من مرة لاستيعابه والولوج إلي عالمه, ومن المؤكد أن القصيدة أكثر تعقيدا من غيرها وبالتالي بقدر ما تعطيها كقاريء من جهد في إعادة القراءة والتأمل بقدر ما يمنحك النص ما لا يعطيه لأحد, باعتبار أن النص متعدد الأعماق والمستويات وسطح النص مجرد مدخل إليه وإذا اكتفيت بالقراءة الأولي سيمنحك ما هو سطحي, وأتعامل مع الألفاظ المهجورة من باب السخرية من هذا العالم العتيق المطلسم التي ماتت أداة التعبير الخاصة به فقد أخذت تراكيب من كتب التراث وكتبتها في نصوص مقفاة لنقد من يصرون علي إعادته للحياة في عالمنا كنمط من العيش والتفكير.وفيما يتعلق بالقرآن الكريم فقد حفظت القرآن في كتاب القرية وبالتالي ففي ذاكرتي الكثير من الآيات التي تفرض نفسها بين الفينة والأخري في الكتابة الشعرية, والذاكرة تأتي إليك بما لا يخطر في بالك من ذكريات وأحداث خاصة في لحظات الوهج.
بدأت بترجمة مختارات لشعراء عالميين وفي السنوات الأخيرة وجدناك تترجم إبداعاتهم الكاملة؟ وما الذي دفعك للبدء في مشروع ال100 كتاب في هيئة قصور الثقافة رغم أن بعضها سبق نشره؟
عندما بدأت بالترجمة لم تكن هناك أعمال كاملة لبوشكين وليرمنتوف وماياكوفسكي وكفافيس مثلا باللغة الإنجليزية متاحة في مصر وكانت مجرد أشعار قليلة مترجمة في مجلات متفرقة في حين اهتم المترجمون بأعمالهم النثرية رغم أنهم من أكبر شعراء القرن التاسع عشر, فقدمت فقط مختارات من أشعارهم, ومع اتساع النظرة الشعرية واكتشاف ثقافات أخري وتراكم وتعمق خبرات الترجمة تغير الهدف فكل ما قدمت لرواد شعر الحداثة العالمي لا يليق بثقافتنا العربية وبمقام هؤلاء الشعراء وهو ما دفعني إلي العكوف علي ترجمة أعمالهم الكاملة. وحينما شرعت في تنفيذ مشروع الـ100 كتاب تأملت واقع الترجمة فوجدت أن الكثير من الأعمال الأدبية الكبري ليست متاحة لدينا مثل دون كيشوت وزوربا وغيره والمتاح لدينا إما لا يحظي بالترجمة الدقيقة أو تكون مبتسرة فضلا عن وجود ترجمات مأخوذة عن لغات وسيطة مما يفقد النص بريقه.
رفعت سلام
مواقع النشر