دويتشه ﭭيله : حاجة ألمانيا الماسة لأطباء في القطاع الصحي جعلها تفتح المجال لأطباء أجانب للعمل في مستشفياتها، ولكن حاجز اللغة يجعل العديد من المرضى يشتكون من نقص في التواصل مع الأطباء الأجانب ما دفع بالمسئولين إلى تقديم دورات لهم.
أندريا شتانيستسيفسكي تعرف الحياة العملية في المستشفى وما يجري فيه حق المعرفة، لأنها كانت تعمل وحتى قبل خمس سنوات كممرضة هناك. أما اليوم فهي تعمل كمستشارة في المؤسسة الألمانية لحماية المريض، وتصف عملها بـ"الأذن الصاغية". يتصل بها العديد من الناس إما هاتفيا أو يزورونها شخصيا في مكتبها. وأغلبهم من كبار السن يرغبون في اتخاذ إجراءات وقائية أو طلب المشورة عند توقيع توكيل لشخص معين يُخول له مساعدته على الموت الرحيم في حالة الموت السريري. هؤلاء الناس يرغبون في الحديث مع شتانيستسيفسكي عن حياتهم وحالاتهم وعن تجربتهم في المستشفيات، وكيف كانت معاملة الأطباء لهم، وعن اللحظات الحرجة التي عاشوها. كما تضيف قائلة: "توضح تقارير المرضى أن معظم المشاكل ناتجة عن سوء التواصل الذي يلعب في العادة دورا مهما بين الأطباء والمرضى، والعديد من المرضى يشعرون بأن الأطباء يسيئون فهمهم".
طبيب التخدير لا ينطق بأي كلمة
الشعور بسوء الفهم أو عدم الفهم من الطرف الآخر أمر محزن بالنسبة للمريض. فالعلاقة بين الطبيب والمريض هي علاقة حساسة، لأن الأطباء يحضون بمكانة شبه إلهية عند الكثير من الناس، يعرفون كل شيء، ولديهم القدرة على تمديد حياة المريض. وماذا عن خيبة أمل بعض المرضى التي تكون كبيرة عندما يكون الطبيب أجنيا لا يجيد تكلم لغتهم، في هذا الشأن تقول شتانيستسيفسكي: "بالطبع لا يمكننا استبعاد أن هناك مرضى يتعاملون بتحيز عموما اتجاه الأطباء الأجانب". واستنتجت شتانيستسيفسكي من خلال المحادثات المكثفة أن أغلبية المرضى يطلبون من الممرضين أو الممرضات القيام بدور المترجم بينهم وبين الطبيب لفهم تشخيصه أو لشرح ما يقصدونه للطبيب. صعوبة التواصل بين الطبيب ومريضه يمكن أن يؤثر على تشخيص الطبيب للمرض لاسيما إذا ساء فهم الطبيب لأعراض مريضه، وبالتالي لا يمكنه إعطائه صورة شاملة عن حالته الصحية. وتقول شتانيستسيفسكي: "خاصة في مجال تشخيص الأمراض الباطنية فإن التشخيص يتحدد في الواقع أساسا عن طريق الحديث مع المريض" وتتساءل شتانيستسيفسكي كذلك عن صعوبة الوضع بالنسبة للطبيب الأجنبي الذي ليست في حوزته المفردات الكافية لشرح التشخيص لمريضه.
أندريا شتانيستسيفسكي مستشارة في مؤسسة لحماية المريض
هذه القضية تحظى باهتمام المستشارة شتانيستسيفسكي وتؤثر عليها شخصيا لأن والدها الذي كان مصابا بسَرَطان الأَمْعاء خضع قبل بضع سنوات لعملية جراحية. وقبل يوم من إجراء العملية الجراحية جاء طبيب التخدير إلى غرفته وكان شابا أجنبيا، وبدلا من أن يهدأ والدي ويعطيه معلومات عن العملية، قدم له قطعة من الورق طالبا منه الإمضاء على القبول بشروط العملية ونتائجها في عدم نجاحها، كما تقول شتانيستسيفسكي. ولم يحصل والدها على معلومات مفصلة عن العملية الجراحية نظرا لعجز الطبيب عن تكلم لغة المريض وعم تمكنه من اللغة. وتتساءل شتانيستسيفسكي: عما إذا كانت هذه الحالة خاصة أم أنها تجسد الحياة اليومية في المستشفيات الألمانية؟ فليست هناك أرقام موثوقة متاحة عن هذا الموضوع، ولا يجوز لمؤسسة حماية المرضى الإدلاء بأي تقييم في هذا الاتجاه.
دورات في اللغة الألمانية للأطباء الأجانب
جورجيوس غودولياس طبيب أجنبي من أصول يونانية جاء إلى ألمانيا قبل 37 عاما، أما اليوم فهو يشغل منصب مدير مستشفى سانت آنا في مدينة هيرنه بولاية شمال الراين فيستفاليا غرب ألمانيا. وربع الأطباء في فريقه من أصول أجنبية كذلك كما هو الحال في معظم المستشفيات الأخرى في منطقة الرور الألمانية، ويقول في هذا الصدد: "يجب على المجتمع الألماني أن يتقبل أنه في حاجة إلى الأجانب للمحافظة على استمرار الرعاية الطبية"، ويضيف: "والمهم هو الإدماج السليم لهؤلاء الأطباء في الحياة اليومية بهذه المستشفيات".
طبيب عام أثناء مزاولة عمله
غودولياس لا يولي أي اهتمام لهذا التشاؤم، لأنه من المفروض الآن على كل طبيب يريد العمل في مستشفى ألماني أن يكون متمكنا في اللغة الألمانية ويتوفر على مستوى أساسي لغوي في اللغة الألمانية على الأقل. ويقول أنه لم يسمع حتى الآن وطيلة فترة توليه منصب مدير المستشفى عن أي أخطاء طبية بسبب حواجز لغوية، ورغم ذلك يعتقد غودولياس أنه من المفروض العمل على تحسين التواصل بين الأطباء الأجانب والمرضى الألمان.
في مدينة هيرنه تلجئ إدارة المستشفى إلى طريقة ناجعة ملموسة للغاية تكمن في تدريس الأطباء اللغة الألمانية في دورات لغوية منذ أكتوبر 2012، وفيها يتم تدريب الأطباء الأجانب على وجه التحديد ليس فقط على تعلم اللغة التي يحتاجونها في حياتهم العملية اليومية، وإنما كذلك أيضا على تعلم المصطلحات الطبية باللغة الألمانية. واخْتِير للتدريب طبيب ألماني خصيصا لهذا الغرض، كما يقوم أيضا بتقديم مساعدة طبية لهؤلاء الأطباء الأجانب في المستشفى أو يقدم لهم المساعدة كذلك أثناء حديثهم مع مرضاهم إذا لزم الأمر، ويلخص غودولياس قوله: "فقط منذ ستة أشهر ونحن نقوم بتقديم دورات لتعليم اللغة الألمانية والجميع سعيد بهذه التجربة"، كما يضيف أن هذا الارتياح بات واضحا ليس فقط على زملائه الأجانب وإنما كذلك مرضى المستشفى.
العجز اللغوي يشكل ثقلا كذلك على الزملاء الآخرين
يرغب اتحاد الأطباء في مدينة ماربورغ أن يحذو الأطباء الأجانب هنا على أساس طوعي حذو زملائهم في مدينة هيرنه، وأن يتلقوا إلى جانب الدورات التي تركز على لغة التخاطب اليومية كذلك المصطلحات الطبية، وأن ينهوا دوراتهم في النهاية باختبار يقيم مدى تمكنهم اللغوي. وقال رئيس اتحاد الأطباء في مدينة ماربورغ في تصريح لـ DW: "طالبنا في مؤتمر لوزارة الثقافة وكذلك في مؤتمر لوزراء الصحة في رسالة خطية بمعالجة هذه المسألة، لكننا لم نحصل حتى الآن على أي رد على طلبنا لحد الآن".
طبيبة في بهو المستشفى أثناء أداء عملها
يعيق النقص في التمكن اللغوي للأطباء الأجانب حياتهم العملية اليومية ويشكل كذلك ثقلا على زملائهم الذين يتولون في كثير من الأحيان دور المترجم أثناء التواصل مع المرضى لشرح التشخيصات الطبية. ويمكن اعتبار هذه الخدمة البسيطة أمرا سهلا لكنها تشكل في غالب الأحيان عبئا على الزملاء. إذ أدلى 70 في المائة من الأطباء في استطلاع للرأي أن ساعات العمل الإضافية والعمل الغير المنتظم له بالفعل تأثير سلبي على صحة الطبيب. وفي ظل مثل هذه الظروف لا يمكن تقبل مهام إضافية جديدة كترجمة التشخيصات الطبية للمرضى لأنها تتطلب وقتا كثيرا ناهيك عن افتقار الطبيب لهذا الوقت الضائع. وتطبيق معايير لغوية طبية متفق عليها في اتحاد "أطباء ماربورغ"، الذي يمثل أطباء ألمانيا، من شأنه في النهاية أن يساهم بقدر كبير في ارتياح داخل المستشفى وتخفيف العبء عن الأطباء كافة.
مواقع النشر