العربية - يرتفع عدد ضحايا الأزمة العقارية في الإمارات عاما بعد عام. وكانت البنوك تلجأ إلى الطرق "الودية" للمتعثرين، وخاصة من أصحاب المحافظ العقارية الكبيرة الذين اشتروا العقارات بالجملة إبان الفورة في دبي؛ وذلك من مبدأ أنها تريد العنب ولا تريد قتل الناطور، إلا أن الحال عند بعض المقرضين إلى حال ميؤوس منها يدفعها إلى اللجوء للمحاكم. ووفقا لمحام في شركة حبيب الملا وشركاه، فإن مصارف تقليدية وإسلامية بدأت بالفعل في تحريك قضايا في المحاكم ضد مقترضين عقاريين إذا كانت خسائرها ضخمة وإذا كانت متأكدة أن المقترضين يمتلكون أصولا يمكن التعويض بها عن تلك الخسائر.
ونقلت صحيفة "الاقتصادية" السعودية عن مازن البستاني، مسؤول القضايا المصرفية والمالية في الشركة القانونية التي تتخذ من دبي مقرا، قوله إن هناك بالفعل زبائن رفعوا قضايا ضد عملائهم من المقترضين العقاريين. وفيما امتنع البستاني عن تحديد عدد مثل هذه القضايا، إلا أنه قال إن شركته تتعامل مع قضايا عدة لصالح مؤسسات تمويل إسلامية.
وفي دبي، هناك شركتان للتمويل العقاري الإسلامي، هما "أملاك" و"تمويل" اللتان كانتا على شفا حفرة من الإفلاس في 2008؛ ما استدعى الهيئات الرقابية في الدولة إلى إيقاف تداول أسهم الشركتين في بورصة دبي لمدة زادت على العامين.
ودفعت الأزمة العقارية في دبي إلى ارتفاع عدد حالات مصادرة العقارات من المتعثرين عن السداد. وقال البستاني "الحالات في ازدياد بسبب الأزمة التي تؤثر على القطاع العقاري في دولة الإمارات". وقدرت شركات قانونية في نيسان/أبريل الماضي وجود نحو 200 حالة مصادرة في القضايا التي تتداولها محاكم دبي، وأن الأرقام في ارتفاع. وانخفضت أسعار العقارات بنسبة كبيرة تراوحت بين 40 و70%، بينما قدر بنك "كريديه سويس" خسائر البنوك في الإمارات الناجمة عن القروض العقارية بنحو 24 مليار درهم، أي ما يمثل نصف قروضها العقارية البالغة 60 مليار درهم.
أما البنك الاستثماري المصري أي اف جي – هيرمس، فقدر حجم القروض العقارية المتعثرة في الإمارات بنحو ستة مليارات درهم. وفي أيار/مايو الماضي أصبح باركليز البريطاني، والذي فاز بأول قضية مصادرة في دبي عام 2010، أول بنك ينجح ببيع عقار (وهي عبارة عن فيلا في مجمع الينابيع) بالمزايدة العامة، حيث حصل على 1.22 مليون درهم.
ووفقا للبستاني، لا يسمح حتى للمقرض الإسلامي بموجب قوانين الرهن العقاري في الدولة بأن يحصل أو يعيد امتلاك أصل مرهون مباشرة، بل يجب أن يتم ذلك عبر المحاكم لطرح الأصل المرهون في مزاد عام ويقنع بما يحصل عليه من حصيلة المزاد، مع علمه بأن المقرض قد يشارك في مثل هذه المزادات العامة.
ووفقا للقانون رقم 14 المتعلق بالرهونات العقارية في دبي، فإنه في حالة التعثر عن السداد يتوجب على البنك إعطاء المقترض مهلة 30 يوما لدى الكاتب بالعدل قبل أن يباشر بالإجراءات التنفيذية. بعدها يقوم قاضي التنفيذ بمراجعة القضية، وقد يصدر حكما بالدين والذي يتطلب إحالة العقار إلى دائرة الأراضي للمزاد، وخلال تلك الفترة يحق للمدينين إدارة العقار المرهون وتحصيل عائداته حتى تاريخ بيعه في المزاد العام.
ويقول رجال قانون ومسؤولون إن عدد حالات مصادرة العقارات ما زال محدودا؛ لأن البنوك لا تريد الدخول في عملية نزاع في المحاكم قد تطول لسنوات قبل أن تستطيع تحصيل ديونها. وقال نائب المدير العام في دائرة الأراضي في دبي محمد سلطان إن البنوك ترغب في حل مشكلاتها بنفسها ولا تريد أن تحلها عن طريق المحاكم.
وتقول شركة أملاك، التي تعتبر أكبر مقرض عقاري في البلاد من ناحية الأصول، إنها حينما تواجه مقترضا متعثرا فإنها عادة تخفض حجم القسط الشهري أو تؤجل الدفعات المستحقة ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر. وبلغت خسائر "أملاك"، والمملوكة بنسبة 45% من قبل "إعمار" العقارية في نهاية النصف الأول من هذا العام 106.1 مليون درهم، مقارنة بخسائر قدرها 3.73 مليون درهم خلال الفترة نفسها من عام 2010.
إلا أن تردد البنوك في اللجوء إلى المحاكم لاستعادة أموالها من المقترضين المتعثرين له أسباب أخرى أيضا. ورأى الخبير القانوني ماثيو هوتن لدى شركة "اشهرست للمحاماة" أن ما يسمى "الحصة السلبية" أي حينما يكون مالك العقار عليه مستحقات أعلى من قيمة العقار، هو سبب من أسباب أخرى عديدة لتجنب البنوك لقرارات المصادرة. وزاد: "فإذا قام بنك بإقراض 80% مثلا من الأموال لشراء منزل خسر فيما بعد 50% من قيمته فإن البنك لن يكون قادرا إلا على استرداد نحو 60% من مستحقاته وبالتالي فإن خسائر كبيرة ستلحق به".
وبعد "أملاك" و"تمويل" في قائمة أكبر المقرضين العقاريين في الإمارات يأتي بنك الإمارات دبي الوطني وبنك أبوظبي التجاري و"أتش.اس.بي.سي" و"ستاندرد تشارترد" وهي بمعظمها لا تحبذ العمل بطريقة المحاكم المصادرة فالبيع بالمزاد العلني بسبب ما سيحلق بها من خسائر مالية.
لكن هوتن اعتبر أن المسألة هي مسألة وقت ليس إلا حتى تبدأ موجة المصادرات العقارية بالبروز بصورة أوسع نطاقا، مشيرا إلى أنه في نهاية المطاف ستدرك البنوك أنه من المنطقي المصادرة وتحمل الخسائر. ولكن قبل أن يحدث ذلك فإن الإمارات تحتاج إلى إطار قانوني أكثر انسيابية تسمح للبنوك بمصادرة العقار، حينما يتخلف صاحب العقار المرهون عن سداد الدفعات - كما يقول محامون.
وأوضح كريس دومت من شركة جون شاركل الشرق الأوسط أن هذه المسائل تحتاج إلى حل فهناك بالفعل مقترضون متخلفون عن السداد والبنوك بطيئة في الاستجابة تجاه ذلك. ويقترح البعض أن تقوم الحكومة الاتحادية بالتدخل عبر تبني برنامج لإعادة شراء العقارات المتعثرة بقيمة القرض من البنوك وإدارتها عبر شركة منفصلة؛ مما يحرر ميزانيات البنوك من القروض العقارية المتعثرة.
مواقع النشر