بيروت - آيات بسمة / علاء كنعان (رويترز) - لا يكاد يمر يوم إلا وتعيش فيه إحسان فايد من جديد أحداث اليوم الذي قتل فيه زوجها عام 2005 في تفجير أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، انتظارا للقصاص الذي قد لا يتحقق أبدا.
وتأمل إحسان، التي كانت ابنتاها في السابعة والرابعة من العمر آنذاك، أن يظهر الحكم الذي تصدره يوم الجمعة محكمة أسستها الأمم المتحدة الحقيقة على الأقل بعد مرور 15 عاما في الهجوم الذي قلب حياتها والوضع في البلاد رأسا على عقب.
قالت إحسان التي فقدت زوجها طلال ناصر رئيس فريق الأمن الخاص بالحريري ”ما في شي حيرجعلنا الناس اللي نحن خسرناها، مافي شي حيرجعلنا عمرنا اللي عشنا، مافي شي بيرجعوا. بس في شي بيرجعلك حقك من جوا، حق الناس اللي ماتت“.
وكانت المحكمة المنعقدة في هولندا قد وجهت اتهاماتها لأربعة متهمين على صلة بجماعة حزب الله القوية المدعومة من إيران والتي تنفي أي دور لها في التفجير الهائل الذي سقط فيه أيضا 21 قتيلا بخلاف الحريري. ويُحاكم الأربعة غيابيا.
وقالت إحسان إنها تتمنى أن ترى كل من له صلة بالتفجير ”يتعذب ... أكيد بتمنى شوفوا عم يتعذب، شوفوا عم يتعذب كل حياته قدامي ... ما يموت، بس شوفوا عم يتعذب“. وأضافت أنه رغم مرور السنوات فثمة ما يذكرها كل يوم بما حدث.
وقد رفض حزب الله الذي ساعد في تشكيل الحكومة الحالية في لبنان المحكمة ووصفها بإن لها دوافع سياسية.
-
قضاة محكمة الحريري في لاهاي
وفقدت كليمنس طراف شقيقها زياد في التفجير وكان من حراس الحريري وعمره 32 سنة عندما انفجرت شاحنة ملغومة محملة بما يصل إلى 3000 كيلوجرام من المواد شديدة الانفجار بالقرب من فندق سان جورج في 14 فبراير شباط 2005.
وقالت كليمنس إن من ارتكبوا هذا العمل إرهابيون ”وشو ما كان يمكن الحكم، أكيد ما بيبردلك قلبك. بس بالقليلة بتعرفي الحقيقة إن مين وليش وشو كان ذنبن وليه ليعملوا فيهن هيك. يعني قدي الحقد الكبير اللي بقلبن، يعني حقدن يمكن بحجم المتفجرة اللي حطوها“.
وأضافت بصوت مختنق والدموع في عينيها وهي تقف على قبر شقيقها ”ما ممكن نسامح. لأن أمي خسرت ابن. وولاده خسروا بي (أب) وأنا وأخواتي خسرنا جناح“.
وقالت كليمنس (38 عاما) إنها تدرك أنه قد لا يتم القبض علي المتهمين لكنها شددت على أهمية معرفة من وراء التفجير.
”دليل حقيقي“
جاء في قائمة الاتهام أنه تم الربط بين المتهمين والهجوم إلى حد كبير بأدلة ظرفية تم الحصول عليها من سجلات الهواتف. ويقول حزب الله الحليف الوثيق لدمشق إن المحكمة المنعقدة في لاهاي أداة في يد الولايات المتحدة وإسرائيل وإن الاتهامات ملفقة.
وقالت سناء الشيخ التي أصيبت بجرح في الرأس عندما هز الانفجار البنك الذي تعمل فيه ”أهم شي يبينولن Proof (دليل) حقيقي، يعطوهن proof حقيقي للعالم، حتى يصدقوا 100% أو يصير أي شك وياخدوها منحى تاني، انو سياسية، لا مش سياسية“.
أما زميلتها ليليان خلوف التي أصيبت في المكتب أيضا فقالت إنها لا تزال ترتجف في كل مرة تسمع فيها صوت سيارة الإسعاف.
وقالت عن الحكم المرتقب ”بترتاحي، بتعرفي مين عمل فيكي هيك. وإذا أخذ جزاته بترتاحي أكتر. ما لازم تتكرر هالشغلة. مفروض العدالة تاخذ مجراها بالنهاية يعني، مهما طالت وانشالله خير.“
رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في صورة من أرشيف رويترز
وقد قال سعد نجل رفيق الحريري الذي شغل أيضا منصب رئيس الوزراء إنه ينشد العدل لا الثأر وإنه لا يريد زعزعة استقرار لبنان الذي يواجه الآن أزمة مالية طاحنة.
وكان اغتيال الحريري في 2005 قد زج بلبنان في سلسلة من الأزمات السياسية وأعمال القتل والتفجيرات دفعت البلاد إلى شفا حرب أهلية أخرى في وقت كانت تعمل فيه على إعادة البناء بعد صراع أهلي استمر 15 عاما وانتهى في 1990.
وتقول إحسان، التي وجدت نفسها تضع ما اشترته من زهور لزوجها في عيد الحب على نعشه في ذلك اليوم، إنه رغم أن الحكم الذي سيصدر يوم الجمعة ليس كافيا فسيحقق قدرا من العدالة.
وتضيف ”أكيد كل الناس بتعرف، انو هيدول الأشخاص. مش بس هني، مش هني. الانفجار اللي صار مش واقف على شخص وشخصين، أكيد والوزن المتفجرات اللي انحطت والطريقة والتخطيط، كل هيدول الاشيا مش واقفين على أشخاص“.
حقائق -
محكمة لبنان: القضية والمتهمون والأدلة
لاهاي (رويترز) - من المقرر أن يصدر القضاة في المحكمة الخاصة بلبنان حكمهم يوم الجمعة في القضية التي يُحاكم فيها أربعة رجال متهمين بتدبير التفجير الذي أودى في 2005 بحياة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري و21 آخرين.
*
المحكمة
المحكمة الخاصة بلبنان محكمة دولية أسستها الأمم المتحدة ولبنان لمحاكمة المتهمين في التفجير وفي حوادث قتل سياسية أخرى في لبنان في الفترة ذاتها تقريبا. وسيكون الحكم الذي يصدر يوم الجمعة أول أحكامها منذ إنشائها في 2007.
*
المتهمون
المتهمون الذين يحاكمون غيابيا هم سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وأسد حسن صبرا وحسين حسن عنيسي وينتمون لجماعة حزب الله الشيعية. وقد وُجهت لهم جميعا تهمة التآمر لارتكاب عمل إرهابي في حين وُجهت لعياش اتهامات بارتكاب عمل إرهابي وبالقتل والشروع في القتل.
ولم توجه لهم بالتحديد تهمة إحداث التفجير شخصيا. وينفي حزب الله تورطه في اغتيال الحريري.
*
مكان وجودهم مجهول
لا يُعرف شيء عن مكان وجود المتهمين. ولم تحتجزهم السلطات كما أنهم لم يشاركوا في المحاكمة وذلك رغم أن القضاة قضوا بأن المتهمين على علم بالاتهامات الموجهة لهم.
ولم يظهر المتهمون علنا أو يتحدثوا على الملأ منذ بدأت المحاكمة ولم يحدث اتصال بينهم وبين المحامين الذين عينتهم المحكمة لتمثيلهم. وإذا ظهروا في أي وقت خلال نظر القضية فمن حقهم إعادة المحاكمة أو استئناف الحكم.
*
الادعاء
يدعي المدعون بقيادة الكندي نورمان فاريل أن عياش كان شخصية محورية في تخطيط عملية الاغتيال وتنفيذها. ويقول الادعاء إن الرجال الثلاثة الآخرين المتهمون بأنهم شركاء في مخطط الاغتيال ساعدوا أيضا في إعداد بيان زائف بالمسؤولية عن التفجير لصرف الأنظار.
ويقول المدعون إن الرجال ربما كان دافعهم باعتبارهم من أنصار حزب الله الرغبة في استمرار الدور السوري في لبنان وهي سياسة كان الحريري يمثل تهديدا لها.
*
الأدلة
خلال المحاكمة بين عامي 2014 و2018 استمع القضاة إلى 297 شاهدا. وقدم المدعون ما يصفونه بأنه ”فسيفساء من الأدلة“ القائمة في أغلبها على سجلات الهواتف المحمولة.
ويقول المدعون إن نمط المكالمات الهاتفية يبين أن الرجال الأربعة كانوا يراقبون الحريري في الشهور التي سبقت عملية الاغتيال وإنهم ساعدوا في تنسيق الهجوم وتوقيته.
*
الدفاع
يقول المحامون المدافعون عن المتهمين إنه لا يوجد دليل مباشر بربط بين موكليهم واتصالات الهاتف التي حددها الادعاء. وطلب المحامون الحكم بالبراءة.
*
الحكم
سيوضح القرار الذي تصدره المحكمة يوم الجمعة فقط بما إذا كانت قد تأكدت أن المتهمين الأربعة مذنبون بما لا يدع مجالا للشك. وإذا صدر الحكم بالإدانة فستعقد جلسات أخرى لإصدار الأحكام. وأقصى عقوبة ممكنة في حالة الإدانة هي السجن مدى الحياة.
*
محكمة لاهاي
أسست الأمم المتحدة المحكمة في ليدشندام أحد ضواحي مدينة لاهاي بهولندا التي تضم محاكم دولية عديدة وذلك لأغراض أمنية ولضمان سير عملها بنزاهة واستقلال.
وتقوم القواعد الأساسية للمحكمة على القانون الجنائي اللبناني والقانون الدولي وهيئة المحكمة مؤلفة من قضاة لبنانيين وقضاة دوليين.
لبنان المثقل بالأزمات يتأهب للحكم في اغتيال الحريري
بيروت - توم بيري (رويترز) - بعد مرور 15 عاما على مقتل الزعيم السني السابق رفيق الحريري في تفجير شاحنة ملغومة ببيروت كان بداية لاضطراب الأوضاع الإقليمية، تصدر محكمة أسستها الأمم المتحدة حكمها على أربعة متهمين من حزب الله الشيعي يوم الجمعة في تطور قد يهز البلاد من جديد.
ملصق عملاق للزعيم اللبناني السني السابق رفيق الحريري في بيروت بصورة من أرشيف رويترز.
حوكم الأعضاء الأربعة في جماعة حزب الله غيابيا بتهمة التخطيط والإعداد للتفجير الذي شهدته العاصمة اللبنانية في 2005 وأسفر عن مقتل رئيس الوزراء الذي قاد حملة إعمار لبنان بعد حربه الأهلية الطويلة.
أدى اغتيال الحريري إلى احتجاجات شعبية في بيروت وموجة من الضغط الدولي أرغمت سوريا على إنهاء وجودها العسكري الذي ظل قائما في لبنان على مدى 29 عاما بعد أن ربط محقق عينته الأمم المتحدة بينها وبين التفجير.
وأذكى الاغتيال التوتر السياسي والطائفي داخل لبنان وفي الشرق الأوسط خاصة عندما بدأ المحققون يتحرون صلات حزب الله المحتملة بمقتل الحريري السياسي الذي كان يحظى بتأييد الغرب ودول الخليج العربية السنية المناوئة لطهران.
وينفي حزب الله، الذي يشارك كحزب سياسي في الحكومة اللبنانية وله قوات مقاتلة مزودة بأسلحة ثقيلة، أي دور له في مقتل الحريري ويرفض المحكمة التي تعمل انطلاقا من هولندا ويصفها بأنها ”مُسيسة“.
ولا يتوقع أحد تقريبا تسليم المتهمين إذا ما أدينوا لكن صدور أي أحكام بالإدانة قد يعمق الخلافات القائمة دون حل منذ الحرب الأهلية التي دارت وقائعها من 1975 إلى 1990 في بلد يترنح تحت وطأة أسوأ أزمة مالية منذ عقود وتفاقم وباء كوفيد-19.
وتعتبر كل من الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وبريطانيا والأرجنتين وهندوراس وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي حزب الله تنظيما إرهابيا. ويصنف الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله ضمن التنظيمات الإرهابية لكن هذا لا يسري على جناحه السياسي.
ويقول أنصار الحريري ومنهم ابنه سعد الذي شغل أيضا منصب رئيس الوزراء إنهم لا يسعون للثأر أو المواجهة لكن يجب احترام قرار المحكمة.
وقال سعد الحريري الأسبوع الماضي ”نتطلع للسابع من آب (أغسطس) ليكون يوماً للحقيقة والعدالة من أجل لبنان، ويوماً للاقتصاص من المجرمين“.
”تحاشي الصراع“
تنحى سعد الحريري عن رئاسة الوزراء في أكتوبر تشرين الأول الماضي بعد أن عجز عن تلبية مطالب المتظاهرين المحتجين على سنوات من فساد النخبة الحاكمة الذي كان سببا في وصول لبنان إلى أزمته المالية الحالية.
ويقول حسان دياب الذي خلفه في المنصب بدعم من حزب الله وحلفائه إن على البلاد أن تتجنب المزيد من الاضطرابات بسبب قرارات المحكمة. وقال في تغريدة الأسبوع الماضي إن التصدي للاضطرابات له الأولوية.
وفي التفجير الذي وقع في 14 فبراير شباط 2005 انفجرت شاحنة محملة بمواد شديدة الانفجار وزنها 3000 كيلوجرام أثناء مرور موكب الحريري عند فندق سان جورج المطل على البحر في بيروت فقتلته هو و21 شخصا آخرين وخلفت حفرة ضخمة في الطريق.
ووجهت إلى سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وأسد حسن صبرا وحسين حسن عنيسي تهمة التآمر لارتكاب عمل إرهابي. واتهم المحققون عياش بارتكاب عمل إرهابي وبالقتل والشروع في القتل.
وقال الإدعاء إن البيانات التي تم جمعها من شبكات الهاتف تبين أن المتهمين تواصلوا عبر عشرات الهواتف المحمولة لمراقبة الحريري في الأشهر التي سبقت التفجير ولتنسيق تحركاتهم في يوم الهجوم نفسه. ولم يشاهد أي من الأربعة في مكان عام منذ سنوات.
وكثيرا ما شكك حزب الله في نزاهة المحكمة وحيادها وقال إن عملها شابته شهادات زور واعتمد على سجلات هاتفية من المحتمل أن يكون جواسيس إسرائيليون ألقي القبض عليهم في لبنان تلاعبوا بها.
وقال سالم زهران المحلل الذي تربطه صلات بقيادات حزب الله إن من حق حزب الله أن يتشكك في المحكمة التي قال إنها تحولت إلى تصفية حسابات سياسية بعيدة عن الحقيقة. وأضاف أن أي حكم يصدر لن يكون له قيمة لدى الجماعة.
وقال نبيل بو منصف نائب رئيس تحرير صحيفة النهار اللبنانية إنه لا سعد الحريري ولا زعيم حزب الله حسن نصر الله يرغب في تصعيد التوتر.
لكنه توقع أن يدعو الحريري إلى تسليم المتهمين إذا ما أدينوا وهو ما سيضع حزب الله في موقف الدفاع على الصعيد السياسي رغم ما يملكه من قوة عسكرية.
فإذا رفضت الجماعة تسليم المتهمين فقد تضع الحكومة التي ساعدت في تشكيلها في موقف صعب.
وفي الوقت الذي يحاول فيه لبنان معالجة أزمة اقتصادية طاحنة من الممكن أن يعرض حكم الإدانة للخطر مساعيه التي تساندها فرنسا للفوز بدعم دولي.
وقال بو منصف إنه سيتعين على فرنسا أن تأخذ موقفا من حزب الله بعد صدور الحكم في السابع من أغسطس آب.
وفي 2018 استضافت فرنسا اجتماعا للمانحين في باريس حصلت فيه بيروت على وعود باستثمارات في البنية التحتية تتجاوز قيمتها 11 مليار دولار.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان للقيادات اللبنانية في بيروت الشهر الماضي إن باريس مستعدة لحشد الدعم الدولي إذا ما حقق لبنان تقدما في الإصلاح.
مواقع النشر