بيروت (رويترز) - في الطريق اليها يأخذك اول الجبل الى "جسر القمر" ويخال جمهورها نفسه في قرية منسية من قرى جمهورية الرحابنة العابرة للانظمة. تركت فيروز صخب المدن واصطحبت شعوبها الى مفارق جميلة تحاكي ضيعة "غربة" او تلامس حدود "ميس الريم" لكنها بين كل هذه الاماكن الافتراضية في مسرحيات الاخوين رحباني لم تنس "الشام" التي طالما غنتها.
ظپظٹط±ظˆط².jpg
اوحى لها المكان النائي فوق تلة في شمال بيروت بسرد غنائي قطفته من زمن "بياع الخواتم" و"فخر الدين" لكن العابرين اليها لم يكونوا "ناسا من ورق" بل اشبه بتظاهرة تحمل شعارات جمعة مغايرة لكل ايام الاسبوع العربية.
ضمت التظاهرة نحو 4000 شخص ساروا مع المد الفيروزي على "جسر اللوزية" وزاروا معها قمرا يضيء عتمة ناس متقاتلين على شجر وحجر ومزارع.
لبنانيون وسوريون تركوا خلاف الارض وتوحدوا مع شاعرة الصوت وكان لافتا دفق الوافدين من المدن السورية الذين انتظروا اشارة غنائية من فيروز تحدد فيها وجهة الريح.
نقبوا طويلا بين الاغنيات العتيقة الى ان لفحتهم عبارة صامدة على مر السنين تعلن فيها فيروز وحدة المدن وثباتها. وقالت فيروز بصوت خافت "ان ما سهرنا ببيروت بنسهر بالشام".
ومنذ منتصف الخمسينات وفيروز تغني في سوريا بانتظام وتقدم معظم مسرحياتها بالاشتراك مع الاخوين رحباني. وكما هي العادة في كل حفلات فيروز في لبنان فان عددا كبيرا من السوريين حضروا رغم الازمة التي تعصف ببلادهم منذ نحو تسعة اشهر.
ودمشق هي اكثر عاصمة عربية خصتها فيروز باغنياتها حيث شدت اغنية "سائليني يا شام" من أشعار سعيد عقل. ومن شعر وتلحين الاخوين رحباني قدمت اغنيات شامية اخرى مثل "يا شام عاد الصيف" و"شام يا ذا السيف" و"قرأت مجدك" و"نسمت من صوب سوريا الجنوب" و"بالغار كللت ام بالنار يا شام".
واشتعلت صالة بلاتيا في ساحل علما بالتصفيق عندما سمعوا صوت فيروز من خلف الستار وهي تغني من مسرحية "ناطورة المفاتيح" قائلة "مسيتكم بالخير يا جيران" قبل ان تطل بثوبها الابيض وتغني "طلع القمر وعي حبيبي".
وعلى مدى نحو ساعتين غنت فيروز من اغاني الاخوين رحباني القديمة "تعا ولا تيجي" و"القمر بيضوي ع الناس والناس بيتقاتلوا." و"على جسر اللوزية" و"طيري يا طيارة" و"دوارة ع الدوارة" و"وضيعتنا".
كما ادى الكورس المؤلف من ثمانية اشخاص اغاني للاخوين رحباني وزياد رحباني منها "بدنا الطرقات" و"على مهلك" و"عتم يا ليل" و"مراكبنا ع المينا" و"شواطينا".
اما في الجزء الثاني من الحفل فغنت فيروز من الحان نجلها زياد رحباني "في امل" و"صباح ومسا" و"حبيت ما حبيت" قبل ان تعود لتغني من الحان الاخوين رحباني "فايق والا ناسي" و"ويا مغزال".
وكانت مفاجأة الحفل ان حملت الدف وادت مع الكورس تلك الاغنية التي كانت قد قدمتها مع المطرب اللبناني الراحل نصري شمس الدين في معرض دمشق الدولي وتقول في نهايتها "ان ما سهرنا ببيروت بنسهر بالشام".
وختمت حفلتها الاولى من اصل اربع حفلات كان اولها ليل يوم الجمعة باغنية "عللي عللي" قبل ان يعيدها تصفيق الجمهور لتغني "جينا لحلال القصص" و"بكره برجع بوقف معكم".
ووقفت الى يمين الخشبة في مواجهة الجمهور والاوركسترا بقيادة هاروت فازليان والمؤلفة من نحو 30 عازفا وثمانية منشدين.
وفي غفلة من رجال الامن فاجأها احد المعجبين ووصل الى اعلى المسرح ليقبل ذيل فستانها ويدها. وتراوحت اسعار الحفل بين 40 دولارا و300 دولار.
وتستكمل فيروز حفلاتها مساء يوم السبت ويومي الجمعة والسبت المقبلين.
وعبر بعض الحضور من لبنانيين وسوريين عن فرحهم بنسيان المشاكل في بلديهما على مدى ساعتين حيث وضعوا هواتفهم النقالة جانبا ودخلوا الى قاعة مستسلمين لصوت فيروز العذب الذي طالما عزف على أوتار الحب في بلد مزقت أوصاله الحروب الاهلية منذ الحرب الاهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990 وصولا الى الخلافات السياسية التي تحولت مرارا الى مواجهات في الشوارع منذ عام 2005.
وقالت مريم سميح التي جاءت مع رفيقتها "لم اكن لاصدق ان اعيش لارى فيروز تحمل الدف وتغني."
وقال علي شاهين الذي جاء مع رفاقه من طرطوس في سوريا "فيروز تنسينا همومنا ومشاكلنا. فللمرة الاولى منذ نحو تسعة اشهر نسينا ازمتنا ولكن كنت اتمنى ان تغني اغنية كاملة لسوريا في محنتها هذه وليس مقطعا فقط."
شيرين محمد جاءت من مصر لتحضر حفلتين "اعجبني دخولها من خلف الستار وهي تغني مسيتكم بالخير يا جيران واعجبني امساكها بالدف والزجل فكرتني بايام حفلة القاهرة عام 1976. احسست انني احلق في السماء وانا اسمع صوتها."
مواقع النشر