المنصورة - محمود رضا مراد (مصر) (رويترز) - منصوراصورس شاهيني هو سادس هيكل لديناصور يُكتشف في مصر حتى الآن لكنه الأول على الإطلاق الذي يكتشفه ويستخرجه باحثون جيولوجيون مصريون، لذا يأمل مكتشفوه أن تكون هذه مجرد بداية لمزيد من الاكتشافات الكبيرة في المستقبل.
الكشف عن كواليس اكتشاف الديناصور "منصوراصورس" في مصرمركز - عربي
والأسبوع الماضي كشف باحثون متخصصون في الحفريات الفقارية بقسم الجيولوجيا في كلية العلوم جامعة المنصورة بدلتا النيل النقاب عن هيكل الديناصور الذي عثروا عليه عام 2013 في منطقة الواحات الداخلة بصحراء مصر الغربية ويبلغ عمره نحو 80 مليون عام.
وقالوا، وفقا لورقة بحثية نشرت في دورية (نيتشر إيكولجي اند إيفولوشن) العلمية يوم الاثنين الماضي، إن الاكتشاف يلقي الضوء على فترة غامضة في تاريخ الديناصورات بالقارة الأفريقية.
وذكروا أن الديناصور آكل للعشب له عنق طويل وأربعة أرجل وفي حجم حافلة مدرسية ينتمي إلى العصر الطباشيري ويبلغ طوله عشرة أمتار ويزن 5.5 طن وكان ينتمي إلى مجموعة تسمى ”تيتانوسورز“ ضمت أكبر حيوانات برية عاشت على الأرض.
وقال هشام سلام أستاذ الحفريات الفقارية بكلية العلوم وقائد فريق البحث لرويترز يوم السبت ”هذا أول ديناصور ليس في مصر فقط بل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يكتشفه علماء من الشرق الأوسط“.
أ
جزاء من الديناصور منصوراسورس المكتشف في مصر في صورة التقطت يوم السبت - رويترز.
وقال سلام الحاصل على الدكتوراه في الحفريات الفقارية من جامعة أكسفورد البريطانية عام 2010 إنه أخذ على عاتقه منذ عودته إلى مصر مهمة إعداد أجيال وكوادر متلاحقة من الباحثين في الحفريات الفقارية، ولذا أسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية الوحيد من نوعه في الشرق الأوسط. وأضاف ”دراسة الحفريات الفقارية بمصر قبل إنشاء المركز شيء وبعد إنشائه شيء آخر تماما“.
وكون سلام فريقا بحثيا من طلبة الدراسات العليا أغلبه من النساء شكل الجيل الأول الذي يعده المركز ويؤهله. وساعده الفريق فيما بعد على اكتشاف منصوراصورس شاهيني واستخراجه رغم ضعف الإمكانات والموارد المتاحة. وهو الآن بصدد إعداد جيل ثان من طلاب الدراسات العليا بعدة جامعات مصرية.
وحين زارت رويترز المركز الموجود في كلية العلوم كان باحثون من الجيلين يعكفون على مجاهرهم لدراسة بعض الحفريات المكتشفة.
* ”بالصدفة البحتة
يعود تاريخ اكتشاف أول حفرية لديناصور في مصر إلى عام 1911 على يد الألماني إرنست سترومر بالقرب من جبل الدست في الصحراء الغربية، وتوالى بعدها اكتشاف ديناصورات مصرية بأيد أجنبية.
وقال سلام إن هياكل الديناصورات الخمسة التي اكتشفها أجانب خرجت من مصر إلا هيكل واحد يوجد حاليا في المتحف الجيولوجي بالقاهرة.
وأضاف أنه وفريقه اكتشفوا منصوراصورس شاهيني ”بالصدفة البحتة“ في ديسمبر كانون الأول 2013 عندما اصطحب الفريق في رحلة إلى جامعة الوادي الجديد لإلقاء محاضرة وتفقد بعض المناطق الكشفية في الصحراء.
وبعد التحقق من وجود هيكل لديناصور، أمر سلام فريقه بردم العظام مرة أخرى وعدم استخراج أي منها لحين العودة مرة أخرى بتجهيزات للتخييم ومعدات للحفر والاستخراج.
وقال إنه كان يخشى تكرار ما حدث معهم في أوائل 2013 عندما اكتشفوا هيكلا لديناصور آخر ودمره مجهولون في غيابهم بعد أسبوع من العمل لاعتقادهم أن الفريق كان ينقب عن آثار.
وعاد الفريق في مارس آذار 2014 وخيم بالمكان لمدة 21 يوما واستخرج ما وجده من عظام والتي تعادل نحو 65 بالمئة من الهيكل تمثلت في أجزاء من جمجمة الديناصور والفك السفلي والعنق والفقرات الخلفية والضلوع والكتف والقائمة الأمامية والقدم الخلفية.
وقال سلام إن الفك السفلي أهم قطعة في الهيكل كله ويثبت أن الديناصور كان لديه عشرة أسنان لا تسعة مثل أغلب أنواع الديناصورات.
هشام سلام أستاذ الحفريات الفقارية بكلية العلوم وقائد فريق البحث يعمل مع طلاب على ترميم عظام الديناصور منصوراصورس شاهيني - رويترز
وعن أهمية هذا الاكتشاف قال سلام وهو يشير إلى عظام الديناصور المحفوظة في حافظات من الجبس والقماش بأحد المعامل الجيولوجية بكلية العلوم ”هذا أول تسجيل في أفريقيا لأول ديناصور في آخر 30 مليون سنة قبل انقراض الديناصورات“.
وتابع ”هو أشبه وأقرب للديناصورات في أوروبا وهو ما يثبت أن هناك نوعا من التبادل البري الذي لم يكن ليتحقق إلا بوجود جسر بري يربط بين القارتين. لدينا أول دليل على وجود تبادل للديناصورات بين أوروبا وأفريقيا“.
ورغم ضخامته التي تشبهه بالفيل الأفريقي، يأتي منصوراصورس شاهيني في الحجم بعد أقارب آخرين في فئة تيتانوسور ومنها أرجنتينوسوروس ودريدنوتوس وباتاجوتيتان التي عاشت في أمريكا الجنوبية وأيضا الديناصور الأفريقي باراليتيتان التي تجاوز طول بعضها 30 مترا.
وقالت سناء السيد البسيوني المدرس المساعد بكلية العلوم ونائب رئيس مركز الحفريات الفقارية وإحدى أعضاء فريق البحث ”منصوراصورس يؤكد نظرية تقزم الديناصورات في نهاية فترتها وقبل انقراضها مباشرة“. وانقرضت الديناصورات منذ حوالي 66 مليون عام.
* تحديات وآمال
تمكن الباحثون من تقدير حجم ووزن الديناصور من خلال عظمة العضد لإحدى القدمين الأماميتين. وقاموا برسم صورة تخيلية له بناء على قياسات علمية.
وعن احتمال عرض عظام منصوراصورس شاهيني في متحف جيولوجي، قال سلام إن الهياكل المجمعة المعروضة في المتاحف لا تكون من عظام أصلية بل نماذج بلاستيكية مطابقة للأصل.
أضاف ”هذه العظام تراث طبيعي يجب حفظه.. هي بقيمة رمسيس الثاني أو نفرتيتي بالنسبة للحفريات“.
وأطلق سلام اسم منصوراصورس شاهيني على الديناصور لتخليد جامعته وزوجته منى شاهين. وقال إن زوجته هي التي شجعته على التخصص في مجال غير موجود بمصر ونقله إلى البلاد ”لتقديم خدمة إلى الوطن“.
وقال سلام وفريقه إن الخطوة القادمة هي استئناف البحث لاستكمال هيكل الديناصور مضيفا أنهم يأملون في تحقيق المزيد من الاكتشافات الحفرية. وذكر أن محافظة الوادي الجديد بجنوب غرب مصر مليئة بحفريات الديناصورات التي لم تكتشف بعد.
واجه سلام تحديا جديدا عند تكوين فريقه وهو وجود أربع باحثات به لأن هذا المجال يحتاج لمجهود عضلي كبير وقدرة على تحمل العيش في الصحراء لفترات طويلة.
وبعد نجاحهن واكتشاف إحداهن لأول مؤشر على وجود هيكل لديناصور في موقع البحث، قال سلام ”اتضح أنني كنت مخطئا... أقول بكل فخر أنهن أفضل طلاب دربتهم حتى الآن“.
وقالت الباحثة سناء البسيوني إنها وزميلاتها وجدن صعوبة في إقناع أسرهن بالتخييم لمدة كبيرة في منطقة صحراوية أكبر من الصعوبات المعيشية التي تعرضن لها في الصحراء.
وأضافت ”مقتنعات بفكرة الحفريات الفقارية وبما نقوم به... القصة ليست أولاد أو بنات.. القصة أن يسير الإنسان وراء شغفه. إذا سرت وراء شغفك ستصير مبدعا وأيا كانت الصعاب التي تواجهك ستكون بالنسبة لك أمورا صغيرة ولن تنظر لها من الأساس“.
وقال سلام إن نقص التمويل كان عائقا كبيرا ”مثلا لم يكن معنا عمال وكان السائق يقوم بأدوار أخرى وكنا نقوم بأعمال الحفر بأيدينا وأشياء كثيرة. لو كان توفر معنا التمويل كان الوضع سيختلف كثيرا“.
وذكر أن مركز الحفريات الفقارية لا يمتلك سيارة دفع رباعي واحدة وأن الفريق يذهب لرحلات الصحراء بالسيارات الشخصية.
وقال سلام إن اكتشاف منصوراصورس شاهيني منحهم ”طاقة إيجابية كبيرة“ لكن ”السؤال هو ماذا بعد؟ هل سيتبنى أحد ما هذا المشروع (المركز) لننتقل إلى مستوى آخر؟ أم سنستيقظ بعد اكتشاف جديد لنجد نفس الصعوبات؟“
وقالت الباحثة سناء ”حلمي بعد الديناصور أننا نجد اكتشافات أكثر ونقوم برحلات بحثية أكثر ويكون متاح لنا تمويل أكثر، لأنه لو توفر لنا التمويل سنكتشف أشياء على وزن منصوراصورس وأكبر منه كقيمة علمية. آمل أن أرى كوادر متخصصة في الحفريات الفقارية في كل الجامعات المصرية“.
مواقع النشر