الرياض - واس : أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الرئيس الفخري للجمعية السعودية للدراسات الأثرية أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – والملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – في آخر أيامه، واقره برنامج التحول الوطني، يؤسس لنقلة مهمة في مشاريع وبرامج الآثار والنشاطات والعلوم المتعلقة بها لما يحظى به من دعم وتكاتف من جميع الجهات في المملكة، كما يمثل برنامجاً عالمياً في مجال التراث والآثار، مشيراً إلى أن الأثريين عانوا من كثير من التقاطعات التي حجبت عنهم بعض المواقع والتي لم تمكنهم من الانطلاق في أعمالهم.
ولفت سموه النظر إلى ما تشهده هذه المرحلة من قناعة وتحول كبير جداً نحو العناية بالآثار الوطنية، "حيث تجاوزنا بشكل كامل تقريبا ولله الحمد كل التداخلات وسوء الفهم والاعتبارات التي كانت تنسب للآثار وذلك عن طريق إيضاح الحقائق والتداول في الحوار والمعلومات، ووصلنا والحمد لله إلى نقطة بأن أصبحت الآثار الوطنية في مكانها التي تستحق أن تكون عليه، حيث أصبح العلماء الأجلاء ومنهم سماحة المفتي جزاهم الله خيراً يهتمون بهذه القضية من المنظور والزاوية الجديدة التي وصلنا إليها بعد توفيق الله سبحانه وتعالى من خلال ما تعلمناه في هذه المرحلة من الجميع ومن خلال الحرص على استشارة المشايخ وهيئة كبار العلماء والاسترشاد برأيهم في كل جهودنا ومشاريعنا المتعلقة بالآثار".
وأبان الأمير سلطان بن سلمان في كلمته خلا افتتاح أعمال وفعاليات الملتقى العلمي السادس للجمعية السعودية للدراسات الأثرية بعنوان (المملكة العربية السعودية عبر العصور) الذي أقيم أمس في جامعة الملك سعود أن هذه المرحلة تتميز أيضاً أنه تعاقبت على هذه البلاد قيادات اهتمت بالمقومات الأثرية والحضارية للمملكة بدءاً من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - مؤسس هذه البلاد الذي وجه الناس كي يستكشفوا الآثار في الجزيرة العربية، حيث كان – رحمه الله- يتكلم دائماً عن الإسلام وفضل هذه الأرض الذي خرج منها الإسلام، وصولاً إلى عصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله – الذي معروف عنه أنه رجل تاريخ وحضارة ، مشيراً إلى أنه – حفظه الله - يدفعنا دائما نحو الإنجاز والاستكشاف والعناية بالآثار ومن ذلك برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة الذي أقر بالكامل الآن في المرحلة الأولى في برنامج التحول الوطني، كما أقر له ميزانية بحوالي 3 مليارات و700 مليون.
وأشاد سموه بما قامت به جامعة الملك سعود من جهود كبيرة في الاكتشافات الاثرية وتخريج علماء تعتمد عليهم الهيئة الآن في أعمالها.
وقال: "لا يخفى أبداً الجهد الهائل والرائع الذي قام به أثريو المملكة العربية السعودية من المواطنين ومن عمل معهم، وعندما يقرأ الإنسان ماذا قام به العلماء السعوديون والرجال والأخوات الذين يعملون في هذا المجال وما قامت به جامعة الملك سعود الحاضنة الأساس لنشاط الآثار الوطني في السابق ولازالت يجد أنه كان هناك فرق علمية مميزة منها بدون شك مؤسس هذه الجمعية الدكتور عبد الرحمن الأنصاري، والذين نحن في الهيئة استحدثنا جائزة باسمه وإن شاء الله تنطلق هذا العام بكل مكوناتها، والعلماء الذين سعدت بالعمل معهم مثل الدكتور سعد الراشد مستشار التراث في الهيئة والدكتور علي الغبان نائب رئيس الهيئة المشرف العام على برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، والدكتور خليل المعيقل وغيرهم من العلماء، حيث لدينا اليوم مكونات من هؤلاء العلماء الأجلاء الذين نتطلع أيضاً أن تنتج لنا الأجيال القادمة علماء يخدمون هذا المجال، ونستثني في الأجيال القادمة أن يكون هناك علماء بهذا المستوى من العلم والعمق وتعدد المعرفة ومصادرها وتعدد اللغات".
وأوضح سمو الأمير سلطان بن سلمان أن الآثار الوطنية تعد جزءاً لنشأة وامتدادا للحضارات المتعاقبة على هذه البلاد، مشيراً إلى أن مكون هذه البلاد الأساسي هو الإسلام والخطأ الذي قد يكون وقعنا فيه سابقاً ليس بفصل الآثار عن الإسلام ولكن بعدم النظر لها مجتمعة كمراحل تاريخية تعاقبت حتى اختار الله سبحانه وتعالى هذا المكان الشامخ الذي تعاقبت عليه هذه الحضارات وتطور فيه إنسان الجزيرة العربية ليصبح قادراً على حمل أهم رسالة في التاريخ وأكبر رسالة وهي رسالة الإسلام، لافتاً إلى أن كل تداول تاريخي حدث بأرض الجزيرة العربية سواء ما نعرفه الآن أو ما سنكتشفه من خلال الآثار والدلائل العلمية أو مما سيكتب مستقبلاً، كلها كانت تؤدي إلى تهيئة هذه الأرض المباركة أن ينطلق منها أعظم دين للبشرية وخاتم للأديان السماوية.
وقال سموه: "إن الحضارات المتراكمة والشواهد الأثرية التي خرجت من أرض الجزيرة العربية كلها تهيئ لخروج واستقرار الإسلام حتى يخرج من أرض محددة في لحظة تاريخية محددة، ولا يمكن اليوم أن تنتشر رسالة بهذا الحجم وليس خلفها حضارات و أناس جاهزون ومؤهلون ، أناس أمنوا أرض هذه الجزيرة العربية وأمنوا التجارة فيها، كانوا يتاجرون ويأمنون التجارة، لم يكونوا سواقين إبل كما يقال، ولكن كانوا هم الذين يجلبون التجارة ويتجارون ويتحركون مع هذه القوافل ويحمونها في طرق الحج، فالأمن الذي نشهده اليوم ولله الحمد في بلادنا هو أيضاً تأصل فينا كمواطنين وراثياً، وتأصل فينا أننا نعرف كيف نتعامل مع الاقتصاد وكيف نتاجر وكيف نتحاور مع العالم".
واضاف سموه :" كما تتميز هذه المرحلة بوجود هذا التكاتف من الجهات الحكومية حيث يضم مجلس إدارة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني 13 مؤسسة حكومية مهمة كلها، منها وزارة الداخلية ووزارة الشؤون البلدية والقروية والوزارات المعنية الأخرى، إضافة إلى اتفاقيتنا مع جامعة الملك سعود والجامعات الأخرى، واتفاقياتنا مع البلديات المحلية في أنحاء المملكة، والبث الإعلامي الكبير لمشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري وهو موجود على
موقع الهيئة، لأن هذا المشروع هو التحدي القائم، هناك عشرات المشاريع الجديدة التي صممت وجاهزة للطرح، هناك مواقع للتراث الحضاري الوطني كثيرة والآن تأتي للترميم كما بدأنا فيها من قبل".
وأكد سمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أهمية الدور الذي تؤديه الجمعية السعودية للدراسات الأثرية في برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، داعياً إلى أن تكون الجمعية ممثلة في اللجنة الاستشارية للبرنامج، متطلعاً أن تقدم الجمعية مسودة اتفاقية لكي تكون شريك مع الهيئة.
وقال: "إن هذه المرحلة مختلفة لأنها مرحلة تم فيها وضع ختم على هذا البرنامج والانطلاق بهذا البرنامج لذلك نحن نحتاج إلى الجمعية السعودية للدراسات الأثرية ونحن نريد أن ندعم ونتعاون مع هذه الجمعية، وأن نجعلها بيت خبرة بالنسبة لنا تسهم في تطوير نشاط الآثار والمتاحف في المملكة ، ونريد من الجمعية أن تكون ممثلة لدينا في اللجنة الاستشارية لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة، وأن نوقع مع الجمعية عقداً لتوفير الخبرات حتى ندعم هذه الجمعية"، كاشفا أن الهيئة تعكف حالياً على إطلاق ملتقى الآثار الوطنية في الربع الأول من العام القادم، داعياً جامعة الملك سعود والجمعية ليكونوا شركاء في تنظيم الملتقى.
وقال سمو الأمير سلطان بن سلمان: "قال لي سيدي خادم الحرمين الشريفين أنه يرغب أن يحضر الملتقى، لأنه يستذكر القصص التي شارك فيها، وسيكون الملتقى لاسترجاع الصور التاريخية والفرق التي كانت تعمل في المواقع وقصص لم تروى بعد، ونعمل حالياً على إعداد كتاب كبير جداً عن تاريخ علم الآثار في المملكة العربية السعودية والناس الذين عملوا وصورهم في الميدان، كل هذه مهمة للأجيال القادمة، ونريد أن نجلب في هذا الفعالية الضخمة الأوائل الذين بدأوا في الآثار من الذين هم على قيد الحياة وغيرهم من الذين لهم أبناء ولهم شركاء ينقلون قصصهم حيث سيكون في الملتقى جلسات للقصص فقط، لأن هذه القصص كلها تضحيات من المواطنين تحملوا الكثير من التعب في المواقع بأقل الإمكانيات، كما نريد أن نستعرض المشاريع القادمة والاستكشافات الكبيرة الآتية".
ولفت سموه إلى أهمية دور الجامعات في تخريج أجيال جديدة من الأثريين وممن يستطيعون إدارة المتاحف والمواقع الأثرية وتعليمهم علم الآثار المتخصص حيث أن هذا من أكبر التحديات التي تواجه علم الآثار، مشيراً إلى أنه من الشروط التي وضعت للمتخرج من كلية السياحة والآثار أن ينزل إلى الموقع، كي يخرج الطالب من باب الجامعة ويحفر ويتشبع بتراب بلاده ويستكشفها.
بعد ذلك ألقى معالي مدير جامعة الملك سعود الدكتور بدران بن عبد الرحمن العمر كلمة أوضح فيها أن الملتقى يهدف إلى إظهار مدى العمق والأصالة في أرض المملكة وأنها مهدٌ للكثير من الحضارات وموطن لأمم بنت لها فيها شواهد وتركت آثاراً عبر عدة أوراق علمية، ابتداءً من عصور ما قبل التاريخ ومروراً بمرحلة ما قبل الإسلام ثم المرحلة الإسلامية إلى أن ننتهي عند التاريخ الحديث من مرحلتنا المعاصرة.
ونوه معاليه بدعم ومساندة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لأنشطة الجامعة في حراكها العلمي والبحثي والآثاري، لافتاً إلى الشراكة العلمية والاستشارات والبحوث بين الهيئة والجامعة، شاكراً لسموه ثقته في بالأكاديميين بالجامعة في الإسهام في تنفيذ مشروعات الهيئة الحافظة لتراث هذا الوطن، ومشروعاتها التنقيبية عن الحضارات القديمة على أرض هذه البلاد.
وبين الدكتور محمد بن سلطان العتيبي رئيس الجمعية السعودية للدراسات الأثرية في كلمته أن المملكة حجر الزاوية في هوية وطن وقومية ودين، هوية وطن سمُقت فيه الحضارة منذ فجرها الأول وبرع إنسان هذا الوطن في كتابة تاريخه بأعماله الحضارية من إعمار للأرض وتنظيم اجتماعي، مشيراً إلى أن مثل هذه الفترات التاريخية التي نعيشها يُصبح للهوية وزن لا يضارع والآثار هي إحدى أهم مرتكزات هذه الهوية والاهتمام بها واجب وطني مُحتمُ علينا جميعاً أن ندفع به إلى الأمام.
بعدها تسلم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز درعاً تكريماً من الدكتور محمد العتيبي رئيس الجمعية السعودية للدراسات الأثرية تقديراً لدعم سموه المستمر للجمعية.
عقب ذلك افتتح صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز المعرض المصاحب للملتقى، وتجول سموه في المعرض الذي احتوى صوراً لاهتمام قادة المملكة العربية السعودية بالآثار، كما اطلع سموه على كتب ومطبوعات عن حياة الملك فيصل بن عبد العزيز – رحمه الله – وعلاقاته الخارجية وندواته، شارك بها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، إضافة إلى نماذج للوحدات المساندة في عملية التنقيب والتوثيق الأثري مثل وحدة المساحة والجيوفيزياء ووحدة التسجيل ووحدة الرسم وغيرها من الوحدات، كما استمع سموه إلى شرح من عدد من طالبات كلية السياحة والآثار لرسائلهن وبحوثهن عن الدراسات الأثرية والفنية.
مواقع النشر