الاقتصادية - صالح الجمعة : خبران متناقضان ربما يكشفان جليا حجم التردد الذي يكتنف المنافسة بين المطبوع والإلكتروني في مجالات الكتب والمطبوعات الأخرى. إذ أن الوقت الذي تعلن فيه دائرة المعارف البريطانية إيقاف إصدار نسخها الورقية للموسوعة الشهيرة وذلك للمرة الأولى منذ 244 عاما والاكتفاء بإصدارها إلكترونياً.
فيما نشهد على النقيض من ذلك قيام كريس هوغز أحد مؤسسي فيس بوك الموقع الاجتماعي الأكبر وأحد ركائز الإعلام الإلكتروني الجديد باقتحام عالم المجلات المطبوعة عبر استحواذه على مجلة ''نيو ريببلك'' واضطلاعه بمهمة رئيس تحريرها إضافة إلى كتابة عمود أسبوعي في المجلة.
وفيما يعزز توقف النسخة الورقية من دائرة المعارف البريطانية سلسلة من أخبار متعاقبة عن توقف صحف عن النشر خصوصا الصغيرة منها يؤكد التوجه إلى العالم الورقي عبر رمز من رموز الإعلام الإلكتروني إلى أن كابوس غياب الصحافة الورقية لن يكون قريبا وأنها تحتفظ بمزايا تمنع اختفاءها ولا يمكن توفيرها بسهولة في منافستها الإلكترونية دون أن يكون هناك أي مجال لإنكار حقيقة خفوت نجم الورق تحت ضربات العالم الإلكتروني.
ويظهر بشكل خاص حجم وصول سكان العالم إلى الإنترنت كأبرز مزايا الصحافة الورقية فرغم التزايد الملحوظ في عدد المستخدمين العرب للإنترنت والذين تضاعفوا 23 مرة خلال السنوات العشر الماضية ليبلغوا بحسب آخر الإحصاءات التي نشرها الموقع الإلكتروني العالمي ''إنترنت وورلد ستاتس'' 77 مليون شخص، وهو رقم يقترب من المعدل العالمي حيث يستخدم نحو ثلث سكان العالم شبكة الإنترنت، فيما تصل الصحافة الورقية بحكم أقدميتها وأساليب توزيعها التقليدية إلى الغالبية العظمى من سكان الأرض.
وبعيدا عن ميزة الوصول إلى الإنترنت فإن متابعين للشأن الإعلامي يؤكدون أنه لا يمكن أن تكون هناك مقارنة بين الصحافة الورقية والإلكترونية لعدم اتفاقهم في الجنس وهو بحسب رأيهم مقارنة بين فريق لكرة القدم وآخر للسلة.
ويعزز مناصرو الورق رأيهم بتميز الصحافة الورقية بمعايير المهنية بسقوفها العليا والدنيا والتمسك بالرصانة والموثوقية.
على عكس صحافة الأفراد والمؤسسات الإعلامية الحديثة التي تمثل غالب الصحافة الإلكترونية الحالية والتي يؤثر تغليبها لجانب السرعة في النشر على مصداقيتها.
وعالميا كتبت عدد من الصحف نهايتها تأثرا بانحسار التوزيع الذي يربطه البعض بطغيان المحتوى الإلكتروني.
ولجأت صحف عالمية مثل فاينانشيال تايمز، ونيويورك تايمز إلى فرض الرسوم على طبعاتها الإلكترونية في عملية توفيقية بين النشر الإلكتروني وحجم التوزيع المتأثر به.
وبالجمع بين الاثنين ينظر إلى الصحافة الإلكترونيةعلى أنها تأتي مكملة للورقية، ففي الصباح مثلا تصدر الورقية ليأتي دور الصحافة الإلكترونية مكملا في متابعة الأخبار والأحداث الجارية.
وهنا تظهر أهمية وجود منصات تتمتع بكفاءة عالية من أجل إيجاد مناخ مكمل يجعل ولاء القارئ لصحيفته يأخذ نمطا ثنائيا يتمازج فيه المطبوع بالإلكتروني.
ويبدو الرهان الأكبر على المصداقية ، وهي المسألة التي لا تزال ضوابطها في الصحافة العريقة عالية جداً، وهذه المصداقية تظل دوما مهزوزة خاصة أن الإشاعة تجد بيئة خصبة في الفضاء الإلكتروني.
وفي انتظار تحول كبير في عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم أو ارتفاع في سقف المهنية والمصداقية في العالم الإلكتروني وكلاهما ضربتان ربما يحولان كابوس اختفاء الورق إلى حقيقة مرّة، تبقى الصحافة الورقية محتفظة بوجودها بشكل قوي ولافت.
وهذه المقاييس العالمية تصبح أكثر تأثيرا في الفضاء العربي الذي يبدو أن الإعلام التقليدي سيحتفظ بوجود مؤثر فيه.
مواقع النشر