تبوك - واس : تقع محافظة تيماء إلى الجنوب الشرقي بنحو 264 كيلا من تبوك، وهي من أهم المحافظات
الغنية بآثارها ومعالمها التاريخية والطبيعية تميزت بوفرة المياه، وخصوبة التربة، واعتدال المناخ، وساعدها موقعها الجغرافي على منحها أهمية كبيرة، مما جعلها مستقرة حضاريـًا منذ أقدم العصور، ونقطة وصول مهمة ما بين جنوب الجزيرة العربية، وبلاد الشام، ومصر، وبلاد فارس، والأناضول، وتتابعت عليها حضارات عديدة بدءًا من العصور الحجرية الحديثة (الألف العاشر وحتى نهاية الألف الرابع ق. م)، ومرورًا بالعصر البرونزي (الألف الثالث ق. م)، ثم العصر الحديدي (الألف الثاني ق. م)، وهو العصر الذي فيه ازدهرت تيماء حتى أصبحت واحدة من أهم المدن في شمال الجزيرة العربية.
7118_1_1.jpg
وكانت تيماء محورًا مهمـًا في العهد البابلي, فقد اتخذ الملك نبوخذ من تيماء مستقرًا له بل وعاصمة لدولته بعد إخضاعها مع مناطق أخرى، ومنها فدك وخيبر وديدان (العلا)، ودومة الجندل، وقضى نبوخد في تيماء عشر سنوات من سنين حكمه, وبعد العصر البابلي شكلت تيماء مركزًا تجاريـًا دون أن تكون ذات دور سياسي ليسعى أهلها لإقامة علاقة طيبة بالدول التي هيمنت على المنطقة, وقد نهضت تيماء بقوة في عهد عاديا الأزدي القحطاني وازدهرت أكثر في عهد حفيده السموأل بن حيا ذلك الملك الشاعر الحكيم مضرب المثل في الأمانة والكرم وفي عهد أبنائه شيعة وغريض وكانت الجزيرة تشهد عهدا جديدا مع بزوغ نور الإسلام فكانا ممن أسلم مع أهلها.
وأصبحت تيماء مدينة إسلامية، وولى الرسول صلى الله عليه وسلم يزيد بن أبي سفيان عليها، وكانت تيماء موردًا مهمـًا ومنطلقـًا للفتوحات الإسلامية خاصة الحملات على الملك الكندي الأكيدر الذي كان يتخذ من حصن مارد بدومة الجندل مقرًا له, حيث انتهى بانتصار المسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه, وقد مرت تيماء خلال العصر الإسلامي بأحداث عدة وكانت تظهر تارة وتخبو تارة حتى العصر السعودي حيث بدأت تيماء بالنمو وشهدت ازدهارًا متواليـًا في مختلف الصعد وأكسبها تراثها الثقافي والتاريخي شهرة واسعة.
ومن أهم المعالم الأثرية بتيماء السور الخارجي الذي يعد من أطول الأسوار التاريخية في الجزيرة العربية وأكثرها تحصينـًا، إذ يبلغ طوله أكثر من 10 كيلو مترات، وارتفاعه في بعض الأجزاء (المتبقية حاليـًا) أكثر من 10 أمتار، وعرض جداره ما بين المتر والمترين، وقد شيد السور في بعض أجزائه بالحجارة، وفي أجزاء أخرى من اللبن والطين، وتعود فترة بناء السور إلى القرن السادس ق.م.
وكذلك قصر الحمراء وهو مبنى ذو ثلاثة أقسام، الأول معبد، والآخرين للسكن، أحدهما شيد ضمن فترة المعبد، ثم أضيف الجزء الجنوبي من القصر خلال فترة لاحقة، تم الكشف عنه عام 1979م، ومن أهم معثوراته مسلة تحمل نصـًا آراميـًا، وحجر مكعب يحوي مشاهد ورموز مختلفة يعود تاريخ القصر إلى القرن السادس ق.م.
ومن أهم آثارها أيضـًا قصر الرضم وهو عبارة عن حصن مربع وسطه بئر مشيد من الحجارة المصقولة، وله دعامات في زواياه ووسط أضلاعه من الخارج، ويصل عرض جداره إلى المترين، ويعود تاريخ القصر إلى منتصف الألف الأول ق.م.
بئر تيماء الشهير ( هداج تيماء ) أكبر بئر في الجزيرة العربية
ويعد بئر هداج من أشهر الآبار التي عرفها العالم القديم، ويعود تاريخها إلى منتصف القرن السادس من الألف الأول ق.م، وتعرضت البئر خلال تاريخها إلى كثير من الأحداث، فقد اندثرت تمامـًا بسب طوفان اجتاح المدينة في عصر الملك السموأل بن عاديا الغساني في القرن الخامس الميلادي, كما أنه من المحتمل أن البئر قد تكون تضررت بسب الزلزال الذي ضرب تيماء في القرن السادس الهجري، ونالها التخريب كذلك في القرن السابع الهجري بعد أن تعرضت لطوفان آخر، وبقيت البئر مطمورة بالكامل حتى أعيد حفرها قبل 400 عام تقريبـًا، لتعود بئر هداج للعمل والعطاء وتستمر في إمداد البلد بالمياه بواسطة السواني حتى عام 1373هـ.
وعندما زار الملك سعود طيب الله ثراه مدينة تيماء ورأى مدى معاناة الأهالي في استخراج المياه أمر بتركيب أربع مضخات من طراز (rostom) فزادت بعدها الإنتاجية، وتوسعت تبعـًا لذلك الرقعة الزراعية، وكان للتسهيلات المقدمة للمزارعين دورها في أن مكنت من أن يكون لكل مزارع بئر داخل مزرعته بإنتاجية أكثر وبسبل أيسر, وبسبب هذه الآبار التي حفرت بأعماق أكثر حول بئر هداج أدى ذلك إلى نقص في مياه البئر، وقلت إنتاجيتها من المياه، حيث بدأت تقل حاجة الأهالي لمياه البئر وأصابها الإهمال وتعرضت عناصرها المعمارية ومرافقها للتخريب, ونظرًا للأهمية التاريخية والمعمارية لهذا البئر فقد بادر أمير منطقة تبوك الأمير فهد بن سلطان بترميم البئر وإعادتها إلى حالتها التي كانت عليها وتم تأهيلها لتكون معلمـًا سياحيـًا مهمـًا يؤدي دورًا ثقافيـًا واقتصاديـًا.
ومن آثارها موقع قرية وهو موقع كبير تزيد مساحته على الثلاثمائة هكتار ويحتوي على الكثير من المعالم العمرانية المشيدة من الحجارة والقصور والمباني المدنية والمنشآت الزراعية من آبار وقنوات ري ومرافق متعددة, ويحتوي الموقع على مدافن من الفترة الآرامية إضافة إلى أنه تم تحصين هذه المنطقة بسورين داخلي وخارجي تعلوهما أبراج مراقبة تتركز في الجهتين الجنوبية والغربية، وقد كشفت أعمال التنقيبات للبعثة السعودية الألمانية في هذه المواقع نتائج علمية مهمة ومنها الكشف عن أجزاء من التل الرئيسي الذي تظهر مكتشفاته وجود مراحل استيطانية متعددة وبرزت منه العديد من المنشآت والمرافق, حيث تم الكشف عن أجزاء من السور ومنشآت ملاصقة, وتبين من نتائج تحليل الكربون C14 لمواد عضوية من البناء إلى أن السور يعود في تاريخ إنشائه إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد.
قصر ابن رمان قريب من الهداج
وفي مجال المعثورات، تم العثور على معثورات مهمة منها النقوش والكتابات المسمارية والثمودية والآرامية والنبطية والإسلامية المبكرة والمتأخرة، كما تم العثور على أدوات فخارية ذات خصائص زخرفية مميزة, وأجزاء من تماثيل آدمية وحيوانية وعناصر زخرفية وعملات ومنحوتات حجرية كالمباخر والأفاريز والتيجان وغير ذلك من المواد الأثرية.
أما الأدوات التراثية، فتشمل المحالة التي هي عبارة عن بكرة مصنوعة من الخشب دائرية الشكل، تتكون من أسنان ذات مجرى من الأعلى تلتف حول خشبة محززة تركب بها أسنان المحالة، وتستخدم لتسهيل جريان القد (الحبال المصنوعة من الجلد)، وتصل بواسطة الحبال هذه ما بين الدلو والسواني مارة بالدراج، الذي هو عبارة عن قطعة من الخشب مفتوحة من الوسط وتوضع أعلى الحوض مباشرة.
ومن أهم المعالم البنائية الأثرية بتيماء قصر السموأل (ألابلق الفرد) الذي اكتسب شهرة واسعة وأسهبت المصادر التراثية في الحديث عنه وصاحبه الملك السموأل بن عاديا الأزدي القحطاني وفي ذلك يقول السموأل: بنى لي عاديا حصنـًا حصينـًا وماءً كما شئت استقيت.
وقد استمد هذا الحصن شهرته بسبب حصانته وشكله المعماري المميز الذي تفرد عن قصور الجزيرة الأخرى حيث عرف بأسماء عدة لكن الأشهر هو الأبلق الفرد, والأبلق تعني البناء المشيد من الحجر الأبيض والأحمر.
وقد أشادت الزباء ملكة تدمر في القرن الثالث الميلادي بهذا الحصن بعد أن فشلت في إخضاع دومة الجندل وتيماء، بسبب حصانتهما وقالت قولتها المشهورة (تمرد مارد وعز الأبلق).
وتزخر تيماء بالكثير من الكتابات والنقوش القديمة والرسوم الصخرية ومنها النقوش القديمة الثمودية والآرامية والنبطية والكوفية والإسلامية، وتشمل الرسوم الصخرية أشكال آدمية وحيوانية ونباتية وما يحاكي الطبيعة، ومن أهم مواقعها جبل غنيم ووضحى والخبو الغربي والشرقي والمشمرخة، والصفاة، الماردة، والخبو، والمكتبة، وأم سرف، ومحجة تيماء، وطويل سعيد، وغيران المجدر وغيرها كثير.
ومن أهم المعالم التراثية قصر الإمارة, ويعد مبنى القصر أحد أهم معالم العمارة التقليدية بالمملكة, ويقع إلى الشرق من بئر هداج وقد بناه أمير تيماء عبدالكريم الرمان وذلك عام 1335هـ، ويقوم على 6000متر مربع مشيد من الحجارة واللبن, والقصر محصن بجدران مزدوجة عالية ويحوي في زواياه الأبراج وينقسم إلى قسمين داخلي أو عائلي وخارجي ويستخدم ديوانـًا للإمارة.
وقصر الطلق ويقع بجوار بئر هداج من جهة الشرق، وملحق بالقصر مسجد قديم ومساحته التقريبية حوالي 800 متر مربع، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الثاني عشر الهجري, وحي قريان وهو أحد الأحياء التراثية المتبقية بتيماء ويتميز بقربه من موقع قرية الأثري, وهناك عدد من المباني التراثية في تيماء تبقى منها قلعة الناجم وقلعة البويضا وقلعة علي الرمان بحي الطعيس.
وقد أقيم في محافظة تيماء نظرًا لأهميتها التاريخية متحفـًا للآثار والتراث الشعبي ومركز متكامل للدراسات والبحوث الأثرية على مساحة تتجاوز سبعة آلاف متر مربع، ويشتمل على معمل للترميم والرسم والمساحة والتصوير، وقاعة محاضرات، ومكاتب إدارية، ومستودعات للآثار، وأخرى للأدوات الحقلية، والمكتبة، ومن أبرز عناصر المشروع متحف متخصص، يعرض فيه قطع أثرية نفيسة ومواد تراثية، وقد تم ترتيب العروض بأسلوب علمي وروعي في العرض الأقدم فالأحدث.
مواقع النشر