فــــرحـــان العـطـار
atar@gawab.com
لــــُجــــــــينـيـــــــات
في كل أزمة و شدة يستيقظ الإعلام المتأمرك أو يوقظ ، ليميت قضية تمس مشاعر المسلمين و تستنهضها ، نتيجة لما يتعرض له دينهم و إخوانهم من إيذاء و محاربة و تقتيل ، و يبذل أقصى ما يستطيع لتمويت القضايا الساخنة التي تحترق بها الأمة اليوم ، و ينوع الخطاب لينهشها من كل جانب و يقضمها ، و يسخر الإمكانات الضخمة التي وفرت له ، ليقوم بعملية التبنيج حتى يهدأ الغاضب ، و تتشتت المشاعر ، و تتسلط الأضواء على جوانب أخرى تختلق أو تستغل ، لتموت حقيقة الإنتماء بعد ذلك و تنطفئ جذوته ، و ينشغل الناس بالبديل التافه عن الحقائق الكبرى ، فلا تستثيرها جراح العالم الإسلامي و لا تحركها آلامه .
كما أنه في المقابل يستميت للدفاع عن جرائم اليهود و النصارى و أذنابهم ، و بشكل سافر يثير الاشمئزاز و التقزز ، و يتهالك في خلق الأعذار و المبررات ، و يتهافت من كل حدب و صوب للتعلق بما يخدم أهدافه و مآربه ، و التبرير لكل ما ينال من الأمة و يطعن في خاصرتها .
إنهم حفنة قليلة منحرفة ، مكنت من بعض وسائل الإعلام المشبوهة النافذة ، فتنفث سمها المحموم ليطال الأمة من محيطها إلى خليجها ، يركبون في ذلك الصعب و الذلول ، و يدأبون الليل و النهار ، من أجل إماتة الأصوات و الأحداث و الشخصيات التي توقظ الأمة و تحييها .
فهذا الفريق هو الذي زين احتلال العراق و سماه تحريرا ، و حشد طاقاته و إمكاناته لتلميع الأحمق المطاع و عصابته الصليبية المجرمة ، في الوقت الذي صمت فيه عن آهات الثكالى و اليتامى ، و أشاح بوجهه عن حمامات الدماء التي اختلطت بنهر دجلة و الفرات ، فضلاً عن تدميره و خرابه و سرقة خيراته ، حتى أصبح العراق القوي ضعيفاً تائهاً مشغولاً عن الأمة بهمومه و مشاكله و آلامه .
هكذا يهدمون بناء الأمة و يقوضون قوتها، فكلما كان الصوت عاليا ، و الصورة مؤثرة ، و الخطب جسيما ، فإنهم يستميتون حينئذ لخفض الصوت كي لا يسمع أحد ، و طمس الصورة كي لا يراها أحد ، و تهوين الخطب كي لا يتأثر به أحد ، فتكتمل أركان الجريمة بكل تفاصيلها ، و قد يتطلب تنفيذها جهداً ووقتاً طويلا ، يضطرون من خلاله استدعاء المهزومين لاستكتابهم و استضافتهم ، فيتشدقون حينئذ بما لا يعلمون ، و يدبجون بأقلامهم المقالات و التحقيقات ، و تستنفر الطاقات و الإمكانيات ، و تتنوع الطرق و الوسائل ، لحشد الصور و الرؤى و الأفكار و التحليلات في ذهن المتلقي الذي لا حول له و لا قوة .
و لعل الأحداث الأخيرة في غزة و تناول هذا الإعلام المتأمرك لتطوراته و مجرياته ، لدليل واضح على عمالة هذا الفريق و خيانته ، و قيامه بدور التخاذل و التخذيل ، و ممارسته لأبشع الطرق للقيام بهذا الدور المشؤوم ، فمنذ بداية الأحداث و تفجرها ، و قبل أن تبرد الدماء المتدفقة قي شوارع غزة ، و تتعفر تلك الأجساد الطاهرة بالتراب و الركام ، حتى بدأنا نسمع عبارات الشماتة و الاستهزاء ، و نطق الرويبضة عندما نطقت طائرات العدو المحتل ، حيث لم يستطيعوا الانتظار حتى تتضح الأمور و تتبين ، و كأن الفريقين على موعد للقيام بالحملة ضد إخواننا ، فهذا بالسلاح و هذا باللسان ، و هذا بالصورة و هذا بالصوت ، و هذا يبث الأراجيف و الشائعات ، و ذاك يحرف الأحداث و المجريات ، و ذاك يتهم النوايا و الخلفيات ، و تستغل زحمة الأحداث و بشاعتها في مثل هذه المتناقضات ، و يشعر المتلقي بالبلبة و التشتت ، ثم يترك في وسط هذا الضجيج المفتعل ليتيه و تتيه قضيته بآلامها و آمالها ،.
فتجدهم يبررون الاعتداء الصهيوني على إخواننا في غزة ، ويبررون التخلي العربي المهين عن نصرة إخوانهم ، ثم يبررون الحصار و التجويع ، ثم تجد المعابر و الطرق من يبرر شرعية إقفالها ! فإذا ما نوقشوا كانت الأعذار التي يتشدقون بها دائما ، حيث المهنية و الموضوعية و تناول الحدث من وجهة إعلاميه محايدة ، ثم يستميتون في ترسيخ هذا المبدأ ، فما بالهم ينعتون المقاومة العراقية الباسلة بالمتطرفين الإرهابيين ! و ما بالهم انهالوا على المجاهدين في عزة بالهمز و اللمز ، و التلميح و التصريح ، و أنها السبب في قدح شرارة الحرب ، و الظالم هو البادئ ، و كأن لم يكن هناك احتلال و قهر ، و كأن لم يكن هناك حصار و تجويع ، و كأن لم يكن هناك تنكيل و تهجير و أسرى و مغتصبون ! ثم تذيل أحاديثهم و مقالاتهم و مقابلاتهم بالموضوعية و احترام المهنية الإعلامية مع عتاب لطيف للعدو الصهيوني لا يتجاوزون فيه الخطوط الحمراء !
إن ما ينشره الإعلام المتأمرك في وسائله المختلفة ، إنما هي خيانة عظمى للأمة ، و تشجيع لمزيد من المعاناة و الآلام لها ، و لكن قدر الله – عز وجل – بأن هذا الفريق قد أسفر عن وجهه الكالح في فترة قد انتشر فيها الوعي ، و تنوعت مصادر المعلومات بالصوت و الصورة ، فأصبح هذا الإعلام مكشوفا قد اتضحت نواياه و أهدافه ، و سيموت في ضمير الأمة وواقعها ، كما أماتوا هم أحداثها و قضاياها و جراحها و مآسيها ، و الجزاء من جنس العمل و البادئ أظلم ، أليس هذا منطقهم ؟!
إذاً فليموتوا به .
مواقع النشر