يتردد مفهوم "
الإقتصاد الأخضر" على كل لسان، وسيكون في صلب النقاش الذي ستشهده قمة ريو، لدى تناول المجموعة الدولية مسألة التنمية المستدامة ومستقبل الوضع الاقتصادي العالمي. ولكن ما هو المقصود بالإقتصاد الأخضر في الواقع؟
87953517-32846276.jpg
تعتبر الموارد الطبيعية محدودة وغير متجددة، ولكن مع ذلك تتصرف فيها البشرية وكأن لديها كوكب آخر بإمكانها استغلاله. ومن أجل مواجهة التحديات الجديدة والتغلب عليها، يتطلب الأمر اتباع أساليب إنتاج جديدة. ومن بين هذه الأساليب، "الإقتصاد الأخضر" الذي سيُدرج للمرة الأولى على جدول النقاش العالمي.
والسؤال المطروح هو ما إذا كان النقاش حول هذا المفهوم الكبير في قمة التنمية المستدامة التي تلتئم من 20 إلى 22 يونيو 2012 في ريو دي جانيرو بالبرازيل سيؤدي الى إجراءات عملية، لأن المفاوضات التمهيدية لقمة ريو + 20 أظهرت بأن مفهوم الإقتصاد الأخضر لا يعني نفس الشيء بالنسبة للجميع، وكشفت أن لكل طرف تصوراته الخاصة حول المسألة.
فعلى سبيل المثال، ترى الرابطة السويسرية لأرباب العمل EconomieSuisse أن الجمع بين العوامل الإقتصادية والبيئية والإجتماعية يُوجد أرضية لاقتصاد أخضر. وبفضله يمكن للإقتصاد أن يستمر في النمو بأضرار أقل للبيئة، وباستهلاك أقل للموارد الطبيعية. ومع أن هذا التعريف قد يبدو مُغريا، إلا أن تطبيقه على ارض الواقع يظل محل تساؤل.
الاستهلاك الرشيد للموارد
أورس نيف، نائب رئيس قسم البنى التحتية والطاقة والبيئة في رابطة أرباب العمل السويسريين يُبدي اقتناعه بإمكانية الحفاظ على مستوى الرفاهية الحالية بدون استهلاك مزيد من الموارد الطبيعية. وقال في حديثه لـ swissinfo.ch "يجب أن نربط بين النمو الإقتصادي وبين التخفيف من الإضرار بالبيئة"، وهو ما يعني التخفيض من الأضرار التي تلحق بالبيئة رغم استمرار النمو الإقتصادي والديموغرافي.
ومن بين الوسائل التي يمكن أن تساعد على تحقيق هذا الهدف، يُورد أورس نيف التحسين النوعي لطرق الإنتاج، والتقنيات الجديدة، والنجاعة في استهلاك الطاقة واستخدام الطاقات المتجددة عوضا عن الطاقات التقليدية مثل الفحم أو زيت الوقود.
من جهته، يعتبر فرانتس بيريز، رئيس الوفد السويسري إلى قمة ريو، ورئيس قسم العلاقات الدولية في المكتب الفدرالي للبيئة أن مفهوم الإقتصاد الأخضر يتجاوز مجرد الشعار ويقول: "لقد بدأ الإقتصاد الأخضر يحتل حيزا أكبر في الإقتصاد العام. وخير مثال على ذلك اتحاد Cleantech Switzerland، الذي يضم شركات تنشط في الإقتصاد الأخضر وموجهة للتصدير. أما على الصعيد العالمي، فإن المزيد من الشركات تتجه للإستثمار في هذا القطاع".
هانس - بيتر إيغلر، رئيس قسم دعم الصادرات في كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية أشار بدوره إلى أن سويسرا "وبحكم أنها بلد صغير يفتقر للموارد الطبيعية، فقد ركزت على اعتماد تطبيقات التكنولوجيا الناجعة". ويضيف إيغلر "إننا نُعتبر مثالا جيدا لكيفية مواجهة هذه التحديات. فبفضل الإعتماد على التكنولوجيات النظيفة cleantech، نعمل مع بلدان شريكة وخاصة من الدول السائرة في طريق النمو. فالإهتمام بمستقبل مستديم كبير وخاصة في دول مثل اندونيسيا، والصين، أو الهند".
السياسة الاقتصادية الصعبة
في سياق الأعمال التمهيدية التي سبقت قمة ريو، شددت سويسرا على ضرورة بلورة "خارطة طريق" شاملة في مجال الإقتصاد الأخضر، من أجل أن تتوصل المجموعة الدولية إلى توافق حول الإجراءات والأهداف الملموسة التي توائم بين التنمية المستدامة ومحاربة الفقر.
مع ذلك، لا زالت الدول السائرة في طريق النمو والبلدان الصاعدة اقتصاديا، تنظر للإقتصاد الأخضر بشيء من الشك. إذ تتخوف بلدان الجنوب من سعي دول الشمال إلى اعتماد مقاييس بيئية أكثر ارتفاعا لا هدف من ورائها إلا حماية أسواقها.
وحسب هانس – بيتر إيغلر من كتابة الدولة السويسرية للشؤون الإقتصادية، فإن "العديد من البلدان السائرة في طريق النمو لا تُـقـرّ بالإمكانيات والفرص التي يتيحها الإقتصاد الأخضر، بل تعتقد أن هذا التصور يُخفي وراءه في واقع الأمر حواجز تجارية جديدة فحسب".
على صعيد آخر، يرى يورغ بوري رئيس الهيئة السويسرية للطاقة، أن مؤتمر ريو لن يُركـز بالدرجة الأولى على موضوع السياسة البيئية بل سيهتم بالسياسة الإقتصادية على المستوى العالمي، ويقول: "إن البلدان الرائدة في مجال التكنولوجيا ضمن منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية تريد توسيع الحماية المناخية إلى أبعد مدى ممكن وأن يتم التركيز أكثر على قطاع التكنولوجيات النظيفة، وبهذه الطريقة يمكن لهم استبعاد البلدان التي تقل فيها تكلفة الإنتاج مثل الصين والبرازيل والهند من أسواقها".
إضافة إلى ذلك، يعتقد بوري أن الإقتصاد الأخضر والنمو، عنصران لا يمكن التوفيق بينهما. إذ يتطلب الأمر قدرا من الشجاعة يسمح بوضع فكرة "تحقيق المزيد من النمو مهما كان الثمن" جانبا، ومنح الأولوية إلى إعادة التدوير الذي يسمح بإضفاء قيمة على النفايات وحسن استخدام الموارد المحدودة.
قدرة تنافسية مُهدَّدة
الملفت في هذا السياق أن البلدان الأكثر تصنيعا أعربت أيضا عن شكوكها وعن بعض التحفظات بهذا الخصوص. فدول الشمال ترى أنها مهددة أكثر فأكثر من جانب تكنولوجيات مراعية للبيئة تنتج بتكلفة منخفضة من طرف بلدان صاعدة مثل الصين.
ويُبدي أورس نيف من رابطة الشركات السويسرية Economiesuisse بعض الإنشغال بخصوص مستقبل القدرة التنافسية لدول مثل سويسرا، ويقول: "مهما كان الأمر، فمن غير المتصور أن يكون لبعض البلدان الحق في عدم القيام بأي شيء تقريبا في مجال الإقتصاد الأخضر، وأن تتمكّن تبعا لذلك من ممارسة عملية إغراق اجتماعي وبيئي من أجل أن تطوّر قدراتها التنافسية".
زراعة محافظة على البيئة
القطاع الزراعي الذي يُعتبر من أكبر مصادر التلوث على الإطلاق، سيكون بالتأكيد محور اهتمام خاص من طرف المشاركين في مؤتمر ريو. ومن وجهة نظر منظمة "العون السويسري" swissaid غير الحكومية العاملة في مجال المساعدة من أجل التنمية، فإن التكنولوجيات الخضراء لا تكفي لوحدها لحل مشاكل البيئة والفقر في العالم.
وفي هذا الصدد، تقول تينا غوتيه، الخبيرة في القطاع الفلاحي في المنظمة: "إن سويسرا تراهن منفردة في مؤتمر ريو على المشاكل البيئية، ولا تعترف بما فيه الكفاية بحق الدول النامية في محاربة الفقر". وترى غوتيه أن ذلك "سيقود إلى مسار مواجهة قد لا تنجم عنه أية خطوات عملية"، مضيفة بأن "الإقتصاد الأخضر قد يكون بمثابة وسيلة ناجعة، لكنه لا يأخذ مداه مقارنة مع مفهوم التنمية المستدامة. فهو قد يشمل في عنوانه البعد الإقتصادي والبيئي، ولكنه يتجاهل البعد الإجتماعي كلية".
في الأثناء، تراهن تينا غوتيه على تدخل السياسة والسياسيين من أجل مراجعة مفهوم استراتيجية النمو الإقتصادي، وأن يتم الإعتراف بوجود ضرورة لتصحيح المسار. وتقول: "إن نموذج (الإنتاج بكميات أكثر وبأسرع ما يمكن)، يجب أن يُعاد فيه النظر بطريقة نقدية، بحكم أن النمو الإقتصادي والتنمية المستدامة متعارضان إلى حد ما".
في المقابل، لا يرى فرانتس بيريز، رئيس الوفد السويسري إلى مؤتمر ريو أي تعارض بين الهدفين، ويشدد على أن "النمو الإقتصادي والتنمية المستدامة يحتاج كل منهما للآخر، لأن السبيل الوحيد لمحاربة الفقر في العالم، وضمان التنمية والنمو الإقتصادي للجميع يتمثل في القيام بذلك على أسس مستدامة".
بقلم : غابي أوكسنباين- swissinfo.ch
مواقع النشر