واشنطن – غادرت مخطوطة اسطوانة قورش موقعها في المتحف البريطاني في أول جولة لها في الولايات المتحدة، مبتدئة في صالة أرثر أم. ساكلر التابعة لمتاحف سميثسونيان في واشنطن. يعرض معرض "اسطوانة قورش وبلاد فارس القديمة" هذه التحفة الأثرية التي يعود تاريخها إلى 2600 سنة من جملة قطع أثرية أخرى من عهد الإمبراطورية الأخمينية (550-331 قبل الميلاد) التي أسسها القائد الفارسي قورش العظيم.
اسطوانة قورش، التي خرجت من المتحف البريطاني على سبيل الإعارة في جولة في الولايات المتحدة، هي وثيقة حفرت على الصلصال المحروق في بابل ببلاد ما بين النهرين، بعد عام 539 قبل الميلاد. كتب النص في الوثيقة بالنقوش المسمارية.
قال جوليان رابي، مدير صالة فرير للفنون وصالة أرثر إم. ساكلر للصحفيين في العرض التمهيدي، إنه من بين القطع الأكثر أهمية في تاريخ العالم، فإن الاسطوانة "في زمنها قد أعلنت عن طريقة جديدة للحكم حيث لا يتم اضطهاد الناس من جنسيات وأصول عرقية مختلفة لإرغامهم على الخضوع بل يلقون الاحترام لتنوعهم."
والاسطوانة المصنوعة من الصلصال المحروق المكتوبة بالنقوش المسمارية صغيرة الحجم – طولها لا يزيد عن 22,86 سنتيمترًا وقطرها 10 سنتيمترات - لكنها واسعة التأثير. فالمبادئ التي وضعها قورش استمرت إلى ما بعد زوال إمبراطوريته وبقيت إلى يومنا هذا. وقد وصل في نهاية المطاف احترام تنوع الأصول العرقية والأديان الواضح في النص إلى أوروبا وإلى الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية.
كانت الاسطوانة مخبأة طوال عدة قرون ومدفونة في أساس مبنى، إلى أن تم اكتشافها في بابل بالعراق عام 1879 من قبل علماء آثار يعملون في المتحف البريطاني. وعلى الرغم من أن ثلث النص مفقود، فقد ساعدت الشظايا التي عُثر عليها في أحد جوارير المتحف البريطاني في إعادة تركيب النص. تعرّف عالِم اللغة المسمارية آي. إف. فينكل ليس فقط على النص من الاسطوانة بل وأيضًا على خط كاتبها. وتعتبر الشظايا كدليل بأنه تمّ نسخ النص وتداوله.
يبدأ النص، كما كان رائجًا في تلك الحقبة، بانتقاد الحاكم السابق، نابونيدوس (555-539 قبل الميلاد)، الذي شوّه الممارسات الشعائرية وأساء معاملة الناس. يقول النص "لقد كان يرتكب أفعالا شريرة بحق مدينته في كل يوم"، ووصف كيف أن رئيس الآلهة البابلي مردوخ، بعد سعيه لوضع "حاكم عادل" في جميع البلدان، "أخذ بيد قورش" وأعلنه ملكًا "على كل شيء. "
تلي ذلك رسالة مكتوبة بصفة المتكلم بخط قورش بالذات، ويقول فيها بأنه ألغى العبودية وسمح للناس الذين طردهم حكام سابقون بسبب عبادتهم لآلهة مختلفة بالعودة إلى منازلهم. وقد أعاد ترميم معابدهم وآلهتهم المهدمة، وطلب منهم الصلاة.
هذا الرسم لختم مطبوع على اسطوانة شهيرة مصنوعة من الصلصال يعود تاريخها الى الحقبة الاخمينية (القرن الخامس-السادس قبل الميلاد) يصور الملك داريوس، الملك الثالث بعد قورش، خلال رحلة صيد، وتظهر الآلهة المجنحة أهورا مازد تحلق فوقه.
قال نيل ماكغريغور، مدير المتحف البريطاني، إنه على عكس الصينيين والمصريين القدامى الذين كتبوا الكثير حول ما قاموا به ومدى جودة العمل الذي قاموا به، "فإن الفرس لم يدونوا ما قاموا به، ولم يتركوا وراءهم أية مذكرات" حول حياتهم وأوقاتهم العظيمة. إننا نعرف ما حصل من المصادر اليونانية واليهودية.
تتسم اسطوانة قورش بأهمية خاصة بالنسبة لليهود، لأنها تلمح إلى عودتهم إلى القدس، المذكورة أيضًا في التوراة. ففي سفر أشعيا (44:28)، يقول الرب عن قورش، إنه "الراعي الذي يتبعني وسينجز كل ما أصبو إليه". ويقول عن أورشليم: "ستبنى"، وعن الهيكل: "سيؤسس." وحتى أنه يذكر أن الرب مسح جبين قورش بالزيت. كما يُذكر قورش أيضًا في سفر أخبار الأيام الثاني وفي سفر عزرا.
سيطر قورش على أكبر إمبراطورية قديمة معروفة. ضمت هذه الإمبراطورية منطقة شرق البحر المتوسط بكاملها، وامتدت من ليبيا غربًا إلى أفغانستان شرقًا. اضطر قورش إلى تصميم نظام لحكم هذه الإمبراطورية غير المسبوقة، المتنوعة والمتعددة اللغات والثقافات والأديان. وكان التسامح هو السمة المميزة لهذا النظام الفعال، الذي استمر 200 سنة، إلى أن فتح الإسكندر الكبير المنطقة.
أثرت القيم التي عبر عنها قورش على أوروبا والولايات المتحدة، حيث انتقلت إلى هناك من خلال الكتّاب الإغريقيين الكلاسيكيين، مثل هيرودوت، وزينوفون، المعجبين بقيادة قورش. فقد طالع الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، ومن بينهم توماس جفرسون وبنجامين فرانكلين، كتاب سيروبيدا للفيلسوف زينوفون، وهو في جزء منه سرد خيالي لحياة الحاكم، ويُعتقد بأن جفرسون كان يحتفظ بنسختين من هذا الكتاب، إحداها معروضة في المعرض الحالي في صالة ساكلر. وقال ماك غريغور: "إن الولايات المتحدة هي فقط التي اتبعت النموذج الفارسي. فقد بنى جفرسون دولة تدعم فكرة الإيمان ولكنها لا تؤيد أي إيمان معين."
ويقول ماكغريغور إن اسطوانة قورش وثيقة الصلة بيومنا الحاضر كما كانت عندما كتبت. فهي "وثيقة حول تغير النظام، تتأمل في كيفية حكم المجتمع."
وصف ماكغريغور معهد سميثسونيان والمتحف البريطاني بأنهما "مؤسستان شقيقتان" تأسستا وفق نفس المبادئ: "جمع القطع المهمة من حول العالم كي يتمكن كل فرد من التأمل بها وتعلم" تواريخ يحتاج العالم إلى معرفتها لإيجاد معنى للعالم اليوم."
سوف ينتقل المعرض، الذي حظي بتمويل كبير من مؤسسة التراث الإيراني، إلى هيوستن ونيويورك وسان فرانسيسكو ولوس أنجلس.
بقلم ليا ترهون - المحررة في موقع آي آي بي ديجيتال -
مواقع النشر