[frame="12 98"] كوميديا سوداء لباسم عبد الحكيم عيد
رأيته من بعيد يفتح دكانه الذى ورثه عن أبيه
الذى ورثه عن جدّه فى سلسلة متعددةالحلقات.
نظف الدكان ورشّ أمامه من الماء ما يسكّن به تراباً تثيره الأقدام المنهكة.
إنه والحق يقال قد قام بتطوير الدكان وتحسينه حتى صار مضرب المثل فى جودة البضاعة وحُسْن السمعة.
جلس أمام الدكان تعلووجهه ابتسامة لزجة ونظرة لايمكنك تحديد مغزاها أهى بلااهه ام مكر
،تعلو رأسه لافتة عريضة كتبها خطّاط بارع .
" عارف عريان السنكوحلى- لتجارة المبادئ والقيم
- بيع /شراء / استبدال "
وتعجبتُ ثم تذكرت أن الأيام أيامُ انتخابات ( مجلس الشعب ).
وكل مرشح يضع مبدأه على لافتة يجذب إليه المغفلين ويدغدغ عواطف البسطاء .
* من بعيد جاء الزبون الأول قصير بطين يلهث مثل قط سمين طاردته عشرات الكلاب،جمع المال من بيع الوهم فى شركات توظيف الأموال والآن وجَب تحصين المبلغ بحصانة البرلمان.
نظر إليه صاحب الدكان كأنما يُفصّل له زوج من الأحذية على مقاسه ثم أعطاه مبدأه المناسب (النزاهة سر نجاحنا )وخرج صاحبنا يحسد نفسه على ما أصاب من توفيق.
* وجاء آخر طويل عريض يسيل كبرياءً وفخراً ،يقفز أمامه ،أحد أتباعه مثل قرد عجوز لم يَعُدْ يجيد الرقص،إنه ضابط شرطة برتبةلواء سابق - وعلى نفس القياس السابق اختار له صاحب الدكان مبدأ ( نعم لحماية حقوق المواطن - لا لقانون الطوارئ )
حمل مبدأه فى غير مبالاة وانصرف.
* وجاء الثالث يزهو فى حلة زاهية تزين أصابعه الخواتم الذهبية المرصّعة - زاد عليهامؤخّراً سِبْحَةً من صنع الصين الشقيقة.
لطالما شُوهِدَ داخلاً أو خارجاً من بيوت ليست فوق مستوى الشبهات وكم ارتكب من جرائم الشرف على مذبح الفقر والحرمان.
نظر إليه صاحب الدكان طويلاً وتردّد وأخيراً أعطاه مبدأً رآه مناسباً (نعم لتطبيق شَرْع الله فى الأرض !! )
ساعات طويلة لم ينقطع خلالها سيل الزبائن من المرشحين التعساء للمنصب العجيب ، هذا يريد الصدق والإخلاص وهذا يفضل العمل فى صمت ، أما هذا فيريد إقامة دولة الإسلام ويعيدها خلافة راشدة ، وهذا نصير الكادحين - لكنّ ما أثارشهيتى للضحك ذلك العجوز ذو الثمانين ربيعاً وهو يدعو الشباب إلى انتخابه للعمل معاًعلى طريق المستقبل .
* بمرورالوقت قلّ عدد الزبائن وتباطأت الخطوات - مع الغروب جاء - سأل بلا مبالاة 00هل بقى لديك من المبادئ شيء ؟!
وأجاب صاحب المحل بالنفي،كل المبادئ بيعت يا سيدى !
لم ينزعج - همّ بالانصراف لكن البائع استوقفه -لحظة ياسيدى
لقد ذكرت مبدأ قديماً وأناأنظف المخزن ، يبدو أنّ والدى ألقاه هناك لعدم الصلاحية للمرحلة .
طلب الزبون إحضاره على الفوروذهب البائع وجاء بالمبدأ الأخير- نفض التراب عنه وقرأوا جميعاً....
( الاستقلال التام أوالموت الزؤام -لا للاستعمار -تسقط بريطانيا العظمى ) تساءل المرشح فى بلاهة !!
هل يصلح هذا المبدأ فى المرحلة الحالية وأقنعه البائع واشترى المبدأ ، لعله من باب أداء الواجب وخرج يجر مبدأه القديم.
وجاء يوم الحَسْم،وارتفع غبار المعركة واختلف الأحزاب من بينهم وويل للذين فشلوا فى تلك المعركةالغريبة .
ثم انجلى الغبار ،ونجح صاحب آخر المبادئ -الاستقلال التامّ أو الموت.
واندهشت ومعى كل رواد المقهى !!
كيف نجح ؟ مَنْ أعطاه صوته ؟ وعلى أىّ أساس؟!
هل نام الناس كلّ هذا الزمن فلما استيقظوا انتخبوه على أساس المبدأ القديم ؟!
إذن ما أشبههم بأهل الكهف إذ أرسلوا أحدهم بوَرِقِِهم إلى المدينة ينظر أيها أزكى طعاماً وهم يظنّون أنّ الزمان هو الزمان !!
نظرت وأصدقاء المقهى الحبيب إلى الدكان الذى كان حديث المينة بالأمس القريب فإذا هو مُغْلق وعليه لافتة من صُنْع الخطاط البارع نفسه لكنها هذه المَرّة تقول .
( الدكّان مغلق لحين حلول موعد الانتخابات القادمة ) [/frame]
مواقع النشر