لحظات تهدم الحياه
كنت قد كتبت هذا الموضوع بعد وفاة أخي الأكبر عبد الرحمن مباشرة ولم تمض إلا عامين حتى تكرر الموقف والمشهد في وفاة شقيقي عبد الله الذي يصغرني مباشرة
الذي لم يمض على رحيله إلا أقل من شهر من تاريخ إعادة نشر هذا الموضوع رحم الله إخوتي الثلاثة الذين سبقوني إلى دار البقاء ورحم والدي ووالديكم وأمد في عمر من بقي منهم ورحم الله جميع موتى المسلمين
----------------------------
تتشكل ملامح الإنسان وتتغير أسارير وجهه تبعا للمؤثرات النفسيه والفكريه حسب ظروف اللحظة التي يعيشها
ففي حالات الحزن ترتسم في وجهه مساحات واسعة من الأسى وتذرف عينيه موجات من الدموع تتمدد لوعة وأسى على تضاريس خديه الشاحبين
وفي حالات الغضب تتبدل خارطة الوجه فتبدو سريعة التقلبات تبعا لموجات الحمم اللفظيه المتتابعه من ببين الشفتين فتتصادم تبعا لذلك صفائح عضلات الوجه تحت طبقات السطح فتنتفخ من جرائها الأوداج وتتسع حدقتا العينين المحمرتين في جحوض انفعالي مروع فتراهما حينا كجمرتين متقدتين وتارة قاذفتا لهب
ناهيك عن قصف متواصل من الرعود الصوتية المدويه وهي تنبعث من أعماق الجوف عبر نفق لايكاد يتسع لها في حينه فيتلقفها مارد آثم ليقذف بها خارج بوابة من الجحيم فتتسع من عنفها كل الشرايين حتى تكاد من من تسارعها وسطوتها أن تتفجر عبر الأنف و الأذنين
وفي نفس الوجه ونفس الدائره وفي لحظات السرورترى شلالات الفرح والحبور تتدفق رقراقة عبر اسارير مشرقة با لوضائة والنور تترى كروافد نهرمن السحر الوجداني لانهاية لطرفيه
سبحان الله الخالق الباريء المصور سبحان الله الذي صور في الوجه البشري وفي دائرة صغيره مالا يعد ولا يحصى من السحن والملامح والألوان والأشكال وأبدع فيها من صنعه ما يجعلنا نميزبين آدمي وآخر من جيل إلى جيل منذ خلق الله آدم عليه السلام
وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
سبحان الله الذي جعل للأبقارفي رؤوسها شكلا واحدا وللإ بل كذلك والماعز والحمير وسائر المخلوقات الحيوانيه والحشرات سبحان الله الذي كرم الإنسان بخصوصية تميزه بالملامح عن مثيله في مساحة وجهه الصغير والتي تتبدل حسب انفعالاته العاطفيه سبحان الله الذي توج هذه النعم بنعمة العقل سبحان الله عدد ذرات ماخلق وما اندثر وما سوف يخلق من الأكوان
سبحان الله إذا حضر أحدنا الموت ورأينا ه في أحدنا وهو يحتضر
إنها لحظات تهدم الحياه ممثلة بالإنسان ذلك الكائن البشري العملاق القوي القزم الضعيف وهو يتهاوى في صورة تراجيدية مهيبه وقـد لقن الشهادتين فتتصدع في حاضر المحتضر رواسي كل القوى البشرية في عينيه وهو يشاهد من كان قبل هنيهة حيا يسقط ميتا في مشهد إيماني مهيب تخرس في حضرته الألسن إلا من التهليل والتكبير
وتتعطل كل لغات العقول وقد غشيتها لحظات من الذهول مشوبة بالخشوع الروحاني
إنها لحظات تسليم الروح لبارئها والرحيل من دار الفناء إلى دار البقاء
اللهم هون علينا سكرات الموت اللهم هون علينا عذاب القبر اللهم ثبتنا عند السؤال
إن للموت رهبة وهيبة مهيبه تتجلا وقارا من رحمة الله على وجه الميت المؤمن المسلم بعد أن كان ذلك الحي يرسم كل تعابيروجهه من معين انفعالاته
أما وقد أسلم وجهه لله فلا تعابير يملكها غير ملامح ساكنة يجللها من الموت
مهابة ورصانة وسكينه
مواقع النشر