الجديدة: جمع المتحف باردو الأسطورة الرومانية، المناظر الطبيعية التونسية، ومخلوقات البحر والسماء، بلوحات فخمة، على الأرضيات والجدران وفي السقف. المتحف الوطني باردو، متحف تونسي يقع في مدينة باردو (تبعد 4 كم عن مدينة تونس)، وهو يُعتبر أوّل متحف في العالم بالنسبة إلى فن الفسيفساء الرومانية، وتشمل مجموعته آلاف اللوحات الفسيفسائية الرومانية التي يعود تاريخها من القرن الثاني قبل الميلاد إلى ما بعد القرن السادس الميلادي. يضم متحف باردو العديد من الأجنحة والقاعات، أهمها: قاعة قرطاج الرومانية، قاعة فيرجيل، قاعة دقة، قاعة المهدية، قاعة الفسيفساء المسيحية، قاعة سوسة، المتحف العربي.
Bardo-3.jpg
لن تكتمل الزيارة لتونس بدون زيارة المتحف الوطني “باردو” من خلال قاعاته المعدة بأحدث نظم العرض للتعرف على حضارات تونس وفنونها. وأجمل هذه الفنون وأكثرها امتدادا وخصوصية وثراء في المتحف الفسيسفاء. فإن موقع تونس على البحر الأبيض المتوسط قد أدى إلى قيام حوار بينها وبين هذا البحر، وبين شماله وجنوبه وجزره، وعمل البحر كجسر بين الشعوب والحضارات، وارتبط تاريخ تونس به منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث.
جاء الفينيقيون عن طريق البحر وأسسوا قرطاج في القرن التاسع قبل الميلاد. وكشف الأثريون عن أطلال تؤكد وجود منشات بحرية وعلاقات تجارية ربطت هذه المدينة الفينيقية بكامل اليابسة المحيطة بالبحر المتوسط وأهلها. وتركت قرطاج شهاداتها على حضارة وفنون كشفت عنها الحفريات. سيطرت قرطاج على غربي البحر الأبيض المتوسط ثم وقع الصدام بينها وبين روما فسقطت قرطاج عام 146 قبل الميلاد، لكن لم تحدث قطيعة مع الماضي. فقد بنيت قرطاج بعد تحطيمها بقرن على يد مدمريها، لتزدهر من جديد. وفي عهد الامبراطورية الرومانية كان في تونس ما لايقل عن مئتي مدينة مزدهرة، وقامت فيها نهضة اجتماعية وفكرية وفنية تمكنت من الصمود أمام تصدع الامبراطورية. ثم توالت الحضارات العربية الإسلامية مع الفتح العربي وجاءها الأغالبة والفاطميين، حتى الحفصيين والعثمانيين والحسينيين.
الوصول من وسط العاصمة تونس إلى باردو، أمر سهل. يكفي أن يذكر الزائر اسم المتحف لسائق التاكسي، ليصل في مدة بين 15 و30 دقيقة حسب الوقت وازدحامه، مروراً بمقر مجلس الشعب. يقع المتحف على مساحة 10895 م2 وفناءات العرض مساحتها 5137م2 منها 115م2 فسيسفاء مفروشة على الأرض. وتم تدشينه عام 1888 ليصبح أقدم وأكبر وأهم متحف في شمال أفريقيا. أطلق عليه بداية في عام 1900 “المتحف العربي”، وفتح للزوار عام 1913 . بعد الاستقلال تم تدشين أجنحة جديدة بالطابق الثاني. وفي عام 1974 عرضت نماذج من الفسيفساء وقطع أثرية من البلور والخزف والنحاس. وفي إطار الاحتفال بمئوية المتحف دشنت قاعة الحضارة الإسلامية عام 1987 وأعيد تنظيم رواق الفنون والتقاليد الشعبية في العام 1988، ثم أعيد تنظيم قاعة الكنوز وجناح الآثار البونية واللوبية.
يعرج الزائر في خطواته الأولى بالطابق الأرضي إلى قسم ما قبل التاريخ ليجد قطعاً حجرية متناثرة جمعت من مواقع أثرية من مختلف ربوع تونس، منها بقايا أشكال معمارية قديمة تعود إلى مناطق الوسط والجنوب من البلاد وخاصة منطقة قفصة، وهي منطقة غنية بحجر الصوان، ويطلق عليها الأثريون الرماديات حيث كانت أكداسا من الرماد مخلوطة بالرمل والحجارة والقواقع الحلزونية وتعرض نماذج صغيرة منها. كما توجد قطع فخارية وبقايا من حجرات خاصة بالعبادة والمدافن. فقد كانت هناك قبور محفورة في عمق الأرض نحتت في جوانبها غرف الجنائزي وكان الميت يدفن ومعه أثاث جنائزي من أوعية من فخار وتمائم وأدوات عمل وغيرها من الأدوات التي يستخدمها الناس.
تكاد تكون أكثر مدن تونس القديمة مفروشة بالفسيفساء. وأهم وأكبر مجموعة من لوحات الفسيفساء في العالم يضمها القسم الروماني بمتحف باردو. وقد ولد فن الفسيفساء في الشرق العربي، وعرفه مبدعون في الاسكندرية وأنطاكية، ثم في المدن اليونانية. وفي مدينة كركوان جنوب تونس عثر على أقدم مظاهر هذا الفن، من خلال لوحة تضم علاقة تانيت تتوسط منظرين. وقد نهض فن الفسيفساء في تونس في القرن الثاني الميلادي. وجاءت بعض المشاهد من وحي النيل وضفافه ونباتاته وحيواناته. كما تعكس اللوحات الحياة في المدينة وفي الريف حيث الهدوء وجمال الطبيعة. من أروع هذه اللوحات نجد في متحف باردو لوحة باسم فسيفساء الموالي يوليوس، عثر عليها عام 1920 وتعود إلى فترة ما بين القرنين الرابع والخامس الميلادي. وهي مستطيلة الشكل طولها خمسة أمتار ونصف المتر وعرضها أربعة أمتار ونصف المتر، وهي تمثل قصرا حصينا بشرفات ذات أقواس عالية وحديقة تتكاثر فيها الأشجار. ويلجأ الفنان إلى الإيحاء والاختزال، حيث تتعايش الأماكن والفصول. وبها إشارة إلى رياضة الصيد القنص التي كانت تمثل فروسية ذلك الزمان. أما ربة القصر فنراها بين الاعتناء بجمالها والنزهة في البستان مع رفيقاتها.
عثر على لوحة للشاعر أور جليوس بين أطلال قرب مدينة سوسة عام 1895 وهي تصور الشاعر وهو يحدق كأنه يصغي إلى صوت خفي. وقد نقلت هذه اللوحة إلى متحف باردو. كما توجد لوحة للالهة فينوس تمسك بيمينها مرآة، وبيدها اليسرى ترفع إحدى ضفائرها كما تفعل الراقصات غنجا ودلالا.
رياضة المصارعة في أكثر من لوحة.. وليمة ليلة المصارعة مائدة مقوسة يجلس عليها خمسة ندماء لمشاهدة مصارعة مع ثور. ويلاحظ أن لكل فرقة مصارعة شارة ورمزاً. في الخلف جرة نبيذ يحف بها غلامان يقومان بحركات تشبه الرقص. اللوحة من نهاية القرن الثانى وبداية الثالث.
مواقع النشر