ويرى منهم بأن هذه الحرمة هي لحماية أرض الطائف من الاعتداء البيئي, وحماية الدورة البيئية في هذا الوادي الغني نباتياً وحيوانيا من العبث والصيد الذي يخلّ بدورة الأرض.
وكان كتاب رسول الله الذي كتبه لأهل الطائف: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين: إن شجر وج (الطائف) وصيده لا يعضد, أي لا يقطع, ومن وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله.
فيقول الشيخ الدكتور صالح بن سعد اللحيدان المستشار القضائي الخاص: وادي وج بكسر الواو ومعنى وج اسم أطلق عليه من قبل مجيء ثقيف وهوازن للطائف وأصله امتداد لجبال السروات بين منخفض وعالٍ ويسيل من أعالي الطائف ويصب في الوهط والوهيط، أما ما يتعلق بالحرمة حول وادي وج فهذا من أقوال أهل الجهل والعواطف فليس له حرمة مقدسة إنما له مكانة ككل الأودية في شبه الجزيرة العربية التي يستقي منها الناس والزروع وبهيمة الأنعام فلست أظن ولم أقف على نص صريح من الصحابة أو التابعين أن لوادي وج قدسية ينل هذا ما قيل عن قبر ابن عباس في مسجد العباس الموجود الآن وليس هذا بصحيح وان مسجد ابن عباس كان خارج الطائف في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وإنما الطائف هو وادي وج وما حوله فقط من جهة الجنوب ومن جهة الغرب لان أهالي الطائف قديما كانوا يسكنون على جوانب الطائف. أما الشيخ عبد المحسن العبيكان فيقول أورد الإمام ابن القيم في كتاب زاد المعاد ان وج حرمٌ ولكن الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويقول الشيخ الدكتور محمد النجيمي أختلف العلماء في حرمة وادي وج فالشافعية وما وافقهم قالوا بحرمته وأنه حرم ويرى جمهور الفقهاء بأنه ليس بحرم وهو الراجح لأنه ليس هناك دليل واضح وصريح وقاطع يجعل من هذا الوادي حرمًا وكل ما ورد لا تظهر به بان يكون حرما.
أما الدكتور عايض الزهراني أستاذ التاريخ بجامعة الطائف فيقول اكتسبت الطائف قديما نوعا من القداسة لأنها ضاربة في خاصرة التاريخ إضافة إلى وجودها بالقرب من مكة المكرمة كعبة العرب قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت من المدن التي اتسمت في تلك الفترة بقوة اقتصادها وقوة رجالها مما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون حريصا للذهاب إلى الطائف وذلك لإلمامه ومعرفته بما يميز الطائف وتميز في وجود قبيلتين كبيرتين هما ثقيف وهوازن. بذلك اكتسبت خصوصية وربطت مع مكة فلا تذكر مكة إلا وتذكر الطائف حتى في القرآن الكريم ذكرت بالقريتين مما جعل بعض المؤرخين أو الأراخين بالأصح أن يضيفوا إلى الطائف ما تتميز به مكة من قداسة في الأحاديث النبوية التي قالها النبي عليه الصلاة والسلام وخص بها مكة من ناحية طيورها ونباتها ولكن الحقيقة والمنطق الذي يتميز به المؤرخ العاقل أن مكة تختلف عن الطائف وأنها لا تمتاز بهذه القداسة وأنها كغيرها من المدن.
ويقول الكاتب والباحث الأستاذ حماد بن حامد السالمي نائب رئيس النادي الادبي بالطائف يطلق اسم وج، على وادي الطائف الشهير، الذي يبدأ من أعلى الطائف، فيشقها نصفين، جنوبي شرقي، وشمالي غربي، من الوهط والوهيط غرباً، حتى وادي العرج شرقاً. إن وجاً هو اسم الطائف القديم قبل بناء الطوف حولها، فكان يقال: وج، ووادي ثقيف، وديار ثقف، والهضبة والقرية ونحو ذلك، فلما شيد الثقفيّون الطوف –السور– حول مدينتهم، أصبحت تعرف باسم الطائف، وقد دخلت في الإسلام بعد غزوها في السنة الثامنة للهجرة، فحسن إسلام أهلها، وكانت ثقيف هي القبيلة العربية الوحيدة، التي لم ترتد عن دينها بعد وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه. قالوا: لن نكون آخر من أسلم وأول من ارتد، وكان منهم ولاة وقادة وعلماء في كافة أمصار الدولة الإسلامية.
وهناك عدد كبير من المؤرخين والمؤلفين، ممن ذكر الطائف، وأرّخ لها ولأهلها، بل خصص بعضهم كتباً في مزاياها وفضلها، ومن هؤلاء على سبيل المثال: العجيمي في إهداء اللطائف، والميورقي في بهجة المهج، وابن عراق في نشر اللطائف، وهذه الكتب الثلاثة، حققها مؤرخون كبار من المعاصرين هم على التوالي: يحيي ساعاتي، وإبراهيم الزيد، وعثمان الصيني، وصدرت بالمملكة.
وممن خصّ وج والطائف بتأليف: القاري الهروي والفيروز آبادي، والمؤذن، وابن فهد الهاشمي، والبكري الصديقي والحافظ تقي الدين، والفاكهي، والسخاوي، وغيرهم. والمشترك بين هؤلاء وغيرهم، ذكرهم لأقوال وأحاديث تنسب للرسول صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه، تنص على حرمة الطائف ووادي وج –كما سنرى لاحقاً- لم يذكر لأحد من المتأخرين ما يطعن في صحتها، أو يقلل من شأنها.
وإذا تجاوزنا روايات كثيرة في وجود الطائف قريباً من مكة، وأنها اقتطعت من الشام أو من اليمن، فجاء بها جبريل عليه السلام، وطاف بها الكعبة، ثم وضعها بجوار مكة، مما عده بعض المؤرخين من الأساطير، فإن مسألة حرمة وادي وج، لا يمكن لباحث القفز عليها بدون أدلة دامغة تدحض ما جاء في عدد كبير من المؤلفات التي ظهرت قديماً وحديثاً، وهي تنقل عن رواة، خاصة ما أورده ابن هشام القرشي في كتابه الشهير: (سيرة ابن هشام)، فهو أورد نصاً لكتاب الرسول صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه، لثقيف قال: قال صلى الله عليه وسلم في كتابه لثقيف لما قدم عليه وفدهم: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين، إن عضاه وج وصيده لا يعضد، من وجد يفعل شيئاً من ذلك، فإنه يجلد وتنزع ثيابه، فإن تعدى بعد ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي محمد، وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله، وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمر محمد رسول الله) سيرة ابن هشام 2/543 وابن كثير 5/34 وبهجة المهج للميورقي ورقة 4.
وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لثقيف، ظلوا يتوارثونه حتى فقد منهم سنة 613هـ، فقد قاد الشريف قتادة حملة قتل فيها مشايخ ثقيف بدار ابن سيار بقرية لقيم –القيم– ذكر هذا الميورقي (ت 670هـ) عن تميم بن حمران الثقفي العوفي، حيث قتل والده في تلك المعركة، وكان الكتاب عند والده لكونه شيخ القبيلة. وإلى جانب ذلك، جاء عند كثير من المؤلفين، أن الله تعالى جعل الطائف كالحرمين حرمة وشرفاً، فنهى عن تنفير صيدها، وعضد شجرها، فيما روي عن البيهقي في المصابيح قوله صلى الله عليه وسلم: (وج حرم الله عز وجل). ومما رواه المحب الطبري قوله صلى الله عليه وسلم: (إن وجاً مقدس). وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أمرني أن أقدس وجاً فقدسوها. ألا لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها). أخرجه المحب بن فهد.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن صيد وج وعضاهه حرام محرم). رواه البيهقي عن الزبير بن العوام، وأخرجه التقى الفاسي في شفاء الغرام مطولاً فأسند عن الزبير وقال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند القرن الأسود حذوها، فاستقبل نخباً ثم وقف حتى اتفق الناس ثم قال: إن صيد وج وعضاهه حرام محرم لله عز وجل). وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره ثقيفاً. إهداء اللطائف.. للعجيمي 45 وقبل ذلك قرن الله عز وجل الطائف بمكة في القرآن الكريم حيث قال عز من قائل: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم). سورة الزخرف آية 31. قال المفسرون: القريتان مكة والطائف، والرجلان هما الوليد بن المغيرة من مكة وعقبة بن مسعود الثقفي من الطائف.
ويروى عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (إن آخر وطأة وطئها الله بوج). قال المؤرخون: آخر وطأة وطيء الله بها أهل الشرك غزوة الطائف. فهذه من التنزيلات الإلهية والخصوصيات السنية كما قال بذلك الفاكهي وغيره، ورواه جماعة منهم خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون. وروي عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (أول من أشفع من يوم القيامة أهل مكة وأهل المدينة وأهل الطائف). رواه أبو محمد بن القاسم بن عساكر في فضل أهل الطائف، عن عبد الملك بن عباد ابن جعفر، ونقله المحب الطبري في القرى، والتقى الفاسي في الشفاء، والمحب بن فهد في التحفة.
وهناك أحاديث وأقوال كثيرة غير هذه، وكلها تحتاج إلى من يتصدى لها بالبحث والتنقيب والتتبع والتصحيح، ممن تتوفر فيهم العدالة والنزاهة والحيادية، إلى جانب العلم بالحديث ورجاله، والتاريخ واللغة
يتبع
مواقع النشر