الرياض - سفيان الأحمدي (واس) : يمثل "كنز الملكة المجهولة" المعروض في المتحف الوطني في الرياض، اكتشافًا أثريًا مهمًا يعيد للأذهان ما تزخر به المملكة العربية السعودية من آثار لحضارات قديمة استوطنت الجزيرة العربية.
وتعود قصة اكتشاف الكنز إلى الحفريات التي جرت شمال شرقي منطقة
ثاج بالمنطقة الشرقية، وأسفرت عن اكتشاف رفاة فتاة تبدو ملكة ترقد على سرير من الخشب بدعائم برونزية على شكل تماثيل آدمية.
وتضمن الاكتشاف قناعًا مذهبًا وثلاثة عقود ذهبية وأساور وخواتم وأزواج أقراط وكفًا ومجموعة كبيرة من الرقائق الذهبية وشرائط ذهبية رقيقة وأزرارًا ذهبية وكلها مصنوعة من الذهب الخالص.
ويعكس هذا الاكتشاف جوانب ثقافية متعددة لحضارة
ثاج المتأخرة، أبرزها الجانب التقني المتمثل في صناعة المعادن النفيسة، والمرصعة بالأحجار الكريمة، وما تمتعت به تلك الحضارة من غنى وثراء.
وأفاد عوض بن علي السبالي في دراسته الأثرية الميدانية، التي صدرت حديثًا عن
ثاج تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار، أنها تقع في المنطقة الشرقية على بعد 85 كيلومتر تقريبا إلى الجنوب الغربي عن مدينة الجبيل، وهي تعد من موارد المياه القديمة حيث تتوافر فيها مياه عذبة وتحتوي على آثار كثيرة، وقد تم حصر 15 بئرًا داخل السور الأثرية وسبعة آبار تقع في محيط
ثاج الأثرية في الجهة الجنوبية والشرقية منها وهي مطوية بأحجار، ولا يزال البعض منها يستخدم حتى الآن، كما أنها تقع على طريق القوافل التجارية القديم المتجه جنوبا إلى اليمامة والأفلاج ومنها إلى وادي الدواسر ثم إلى قرية الفاو ونجران، وقد كشفت الحفريات التي أجريت في الموقع الأثري عن أقدم فرن للفخار في المنطقة الشرقية.
وتقع مدينة ثاج داخل سور يقع داخله ما يُسمى بـ « التلال السكنية » يفصل بينها ممرّات يتراوح عرضها بين الخمسة والستة أمتار.
وأشار إلى أن
ثاج تعود إلى العصور الحجرية حيث أثبت المسح أنها قد استوطِنت عصور ما قبل التاريخ، مفيدا أن الاستيطان فيها يعتمد على النشاط الزراعي والرعوي، حيث أسهمت
ثاج بدور حضاري في شبه الجزيرة العربية من خلال ارتباطها بمراكز الحضارات المجاورة، وازدهر الاستيطان فيها خلال الفترة "الهلنستية" التي تمتد بعد ظهور الأسكندر في الشرق عام 323 قبل الميلاد حتى القرن الأول الميلادية، ودلت الاكتشافات التي جرت في الموقع على وجود دلائل كثيرة تشير إلى هذه الفترة الزمنية.
وقال: "كانت
ثاج على علاقة وروابط كبيرة مع المراكز الحضارية التي نشأت في تلك الفترة حيث كانت من أهم المراكز التجارية على الطريق الذي يربط جنوب الجزيرة العربية بشرقها وشمالها الشرقي، و تدل المعثورات والشواهد الأثرية أن
ثاج على صلة وثيقة بحضارات جنوب الجزيرة العربية وشرقها ووسطها والحضارات الأخرى المجاورة خارج الجزيرة العربية، ويدلل هذا الاكتشاف على الحضارات المزدهرة عبر الزمان في الجزيرة العربية ؛ فالموقع الاستراتيجي للمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية جعلها تحتضن الكثير من المدن والمستوطنات العريقة.
ولفت النظر إلى أن اسم
ثاج قد ورد بكثرة في الشعر العربي والمعاجم وكتب التراث العربية و دارسي الآثار الذين عبروا المنطقة الشرقية، ومن ذلك البعثة الدنماركية عام 1968 أثناء زيارتها لمنطقة الخليج العربي.
ويشير المتخصص في علم الآثار نزار العبد الجبار من جانبه إلى أن
ثاج تتميز بأنها من أهم لمواقع الأثرية وهو أكبر موقع هلينستي في المنطقة الشرقية معروف حتى الآن، والفترة الهلينستية من أغنى الفترات في الآثار، والموقع أيضاً يعود إلى ما بعد الفترة الهلينستية.
وأضاف أنه تتبين ضخامة الدور الذي لعبته مستوطنة ثاج بين سكان الزمن الذي عاصرته؛ بما وجد فيها من مادة أثرية كثيرة كقطع العملة التي يعود بعضها إلى مصادر يونانية ورومانية وسلوقية وتأثيرات من تلك العملات، وكذلك المجسمات الفخارية التي أثبتت الدراسات أنها ذات أصول مختلفة منها ما هو متأثر بما كان يوجد في بلاد الرافدين وشمال غربي الجزيرة، يضاف إلى تنوع المادة الفخارية واحتوائها على ما هو مستورد من مراكز حضارية كاليونان.
وأفاد أن من
آثار ثاج المشهودة، السور الأثري والمنطقة السكنية، حيث يعتبر السور الأثري في ثاج من أهم الظواهر الأثرية التي يمكن مشاهدتها من على سطح الموقع وهو مبن من الحجارة المهذبة، بالإضافة إلى التلال السكنية حيث توجد تلال سكنية في الجهة الجنوبية والشرقية، وأيضاً في الجهة الجنوبية الغربية خارج نطاق السور الأثري، ويمكن رؤية أساسات البناء من على السطح بشكل واضح وهذه التلال السكنية تمثل منازل كبيرة أو ماشابهها، وأن كل وحدة مستقلة عن الأخرى، ذاكرا أن المساحة الإجمالية لهذه التلال، تبلغ مجتمعة 100,000 متر مربع تقريباً، إضافة إلى تلال منطقة المدافن التي توجد في الجهة الجنوبية، والجنوبية الشرقية من ثاج على بعد 1كم عن السور تقريباً وهي تلال ركامية ذات قمم مستديرة ومقعرة وتنتشر هذه التلال على مساحة كبيرة ويلاحظ أساسات البناء على بعض هذه التلال وتم التنقيب فيه لموسم واحد، فأظهرت النتائج بأن مقابر جماعية وربما تكون «عائلية».
وأضاف أن من آثار ثاج المشهودة، الفخار والمباخر التي عرفها الإنسان القديم في الجزيرة العربية، بالإضافة إلى الدمى الفخارية والعملات والنقوش حيث تعد الكتابة من أكبر إنجازات الإنسان قبل الإسلام، وسارت فيه المدن والمستوطنات المتحضرة، وجرى الكشف عن كتابات قديمة منقوشة على الأحجار وهذه الكتابات كانت معروفة في البلاد العربية ومنها المسند الجنوبي الذي عرف هذا الخط في البداية في جنوب الجزيرة العربية حيث كتبت به دولة سبأ ومعين وحضرموت.
وجالت كنوز الملكة المجهولة العالم إلى جانب ما تزخر به المملكة من آثار؛ حيث عرضت مقتنياتها ضمن معرض "روائع الآثار السعودية" في الدول الأوربية وأمريكا والعالم، ومن ذلك متحف اللوفر بباريس حيث لفتت كنوز الملكة أنظار الكثيرين من زائري المعرض لما تحظى به المملكة من تراث وآثار تؤرخ لثقافات قديمة وعظيمة ومتعاقبة على مر العصور.
إعداد : سفيان الأحمدي، تصوير : فيصل الوحيمر
"قرية ثاج": بناء منزل سيدة يقود إلى اكتشاف قبر ملكة وكنوز من الذهب
الدمام - محمد الحربي (الإقتصادية) : لم يدر في خلد سيدة سعودية تقطن في مدينة الجبيل شرقي السعودية، أن الموقع الذي يستهويها لبناء منزل يؤويها وأسرتها، مدفونة تحت أرضه كنوز تاريخية تساوي ثروة مادية وأثرية لا تقدر بثمن.
وتعود تفاصيل القصة، إلى أن سيدة سعودية تقدمت بطلب بناء منزل لها قبل سنوات في موقع تاريخي بالقرب من قرية ثاج 80 كيلو مترا غربي الجبيل، وقد تقدمت إلى وحدة الآثار والمتاحف لطلب تصريح بناء منزل في هذا الموقع، لتاريخيته، وقبل منحها التصريح، خرجت فرقة من الآثار لمعاينة الموقع وعمل مجسات، وهنا تم اكتشاف قبر يعود إلى طفلة ملكية تزينت بكامل حليها وتاج من الذهب الخالص وقطع ذهبية نثرت حولها.
ويعتقد خبراء الآثار، أن الموقع يعود لأكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وبحسب عبد الحميد بن محمد الحشاش مدير قطاع الآثار والمتاحف في المنطقة الشرقية، فإن قرية ثاج تحتوي على كنوز تاريخية توقف التنقيب عنها، نظرا لوقوع البعض أسفل منازل السكان هناك.
ويضيف الحشاش، إنهم يعرفون أن قرية ثاج تحتوي على ثروة كبيرة في الآثار وقد تم تسوير بعض المواقع وتعيين حراسة لهذه المواقع وتم منع البناء في المواقع التي يعتقد أن في أسفلها قبورا تاريخية كما تم التحذير من الحفر أو التنقيب في المنازل القائمة، ولا تزال هناك محاولة لإيجاد حلول ونقل المنازل إلى مخططات أخرى.
وقال الحشاش، يعد العثور على قبر الطفلة اكتشافا أثريا مهما، حيث وجدت مجموعة من اللقى والمصوغات المهمة وهي معروضة في الرياض، متوقعا أن يكون الموقع كبيرا للغاية، كما أن هناك قبورا كثيرة جدا في الموقع تحتاج إلى تنقيب وحفر واستخراج الحضارات القديمة من تلك المواقع.
وأضاف الحشاش، إن ثاج مدينة أثرية ذكرها المؤرخون والرحالة تقع في وادي المياه في الصمان، وهي موقع حضاري يشرف على الدرب التجاري المسمى بدرب الكنهري، كما توجد بها مدينة متكاملة الأسوار ترجع إلى أكثر من ألفي عام، وتنتشر بها الكسر الفخارية والمدافن التلالية المختلفة الأنماط، وبين الحشاش أن شواهد القبور تنتشر في ثاج والتي كتبت بالخط المسند إضافة إلى وجود الآبار والعيون القديمة جدا، وقال: "لدينا مواقع عديدة في المنطقة الشرقية تحتوي على قبور مهمة جدا تحمل في طياتها التاريخ والآثار، وكذلك الكنوز التاريخية التي لا تقدر بثمن".
وبين أنه إضافة إلى القبور الموجودة في قاعدة الظهران الجوية هناك آثار أخرى في مواقع متعددة، وهي امتداد لحضارة دلمون الشهيرة التي تسيدت قبل نحو أربعة آلاف سنة في المنطقة، وهناك توجهات كبيرة خاصة مع انضمام الآثار والمتاحف إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار، وزيارات لهذه المواقع وبشكل دوري من قبل مجموعة من المتخصصين.
واستبعد الحشاش، أن تتعرض المواقع للسرقة خاصة مع وجود حراس من نفس القرية رغم أن التحصين بالسياج لا يعد كافيا في حفظها، في وجود أجهزة متطورة تكشف عن المعادن والنفائس.
وقد ذكر مختصون في الآثار، أن بقاء بعض الآثار تحت الأرض وطمرها بالرمال في المواقع جعلها غائبة عن أعين لصوص الآثار المحترفين معتقدين، أن وقوع قبور ثاج بعيدة عن العمران والمناطق المهمة في منأى عن السرقة والبحث والتنقيب والتخريب، وشددوا على ضرورة إيجاد حل للسكان الأصليين وإبعادهم عن مثل هذه المواقع فنظرا لقيمتها التاريخية أيضا هناك خطورة الانهيارات في المواقع المطمورة في الرمال.
ويتحدث بعض السكان هناك عن بحثهم عن الأسطورة التي تقول عن بناء مدينة كاملة من الذهب والفضة، إذ يعتقدون أن هناك مدينة قديمة رصت لبنات الذهب والفضة على شكل أسوار ومبان، فيما يقول بعض السكان "امتعضنا كثيرا لدى حفر أحد القبور من قبل الآثار، إلا أن وجود الكنوز والذهب مع الجثة جعلنا غير مصدقين لمثل هذه الأشياء خصوصا وأنها تكثر في الأساطير، ولم نعد نسمع عنها رغم أننا نعرف أن موقع ثاج يحتوي على كنوز، وتخوف البعض منهم بقوله "أصبحنا نشك في كل قادم إلى الموقع أنه يريد السطو على الكنوز والآثار خاصة، وأن الموجود سياج فقط".
قرية ثــــــــــــــاج التاريخية
تكاد تكون آثار الاستيطان البشري في المنطقة الشرقية أكثر وضوحاً منها في أي جزء من المملكة والسبب في ذلك يرجع إلى عدة عوامل أهمها الموقع الجغرافي بالإضافة إلى إشرافها على جزء كبير من ساحل الخليج العربي الأمر الذي جعلها تقدم دوراً هاماً في الاتصالات البشرية التجارية بين شعوب تلك الحضارات منذ أكثر من خمسة آلاف سنة وقد بينت المسوحات الأثرية التي أجرتها وكالة الآثار بوزارة المعارف حتى الآن أن هناك أكثر من 300 موقع أثري في المنطقة تمثل فترات مختلفة يتراوح تاريخها من العصور الحجرية حتى العصور الاسلامية وهناك العديد من المعالم التاريخية التي تعود إلى فترات إسلامية متأخرة وتبرز التطور الحضاري وتعد مثالاً لتطور العمارة التقليدية للمنطقة .
تقع ثاج على بعد حوالي 80 كم غربي مدينة الجبيل، وهي اليوم قرية صغيرة على طرف السبخة المعروفة بسبخة ثاج، وقد أشارت البحوث الأثرية التي أجرتها البعثة الدانمركية عام 1388هـ وتلك التي أجرته وكالة الآثار والمتاحف في الموقع خلال عامي 1403-1404هـ إلى وجود مدينة متكاملة يحيط بها سور خارجي ضخم مبني بالحجارة لا تزال آثاره واضحة حيث يصل طول أحد أضلاعه إلى 900 متر، ويشاهد في الموقع التلال الأثرية والأسس الجدارية للمنازل السكنية.
ومن المكتشفات الأثرية قطع فخارية وزجاجية وحلي وأدوات زينة وغيرها من المعثورات ويمكن إرجاع عصر بناء المدينة إلى الفترة الإغريقية المعروفة بالعصر السلوقي ويعود تاريخ هذا العصر إلى أوائل القرن الثالث قبل الميلاد.
وتشغل ثاج مساحة من الأرض تقدر بـ 20كم مربعا تقريباً إلاّ أن المنطقة التي تحتوي على مواقع أثرية تقدر بحوالي بـ 4 كم مربعة. والموقع الأثري لثاج عبارة عن مدينة متكاملة يحيط بها سور خارجي، وخارج السور تتواجد مبان أثرية تعود لنفس الفترة، وربما تكون توسعة للمدينة بعد أن اكتظت بالسكان أو لها علاقة بالقوافل، أو لشيء آخر. ويحد ثاج من الشمال الحناءة على بعد 11 كم ومن الشرق تلال البتيل ومن الجنوب سبخةالخويصره أمّا من الغرب فيحدها كثبان رملية.
وتقع ثاج على الطرف الشرقي لوادي المياه، وتعتبر ثاج من موارد المياه القديمة حيث تتوفر فيها مياه عذبة وتم حصر خمس عشرة بئراً داخل السور الأثري وسبع آبار تقع في محيط ثاج الأثري خارج السور الأثري في الجهة الجنوبية والشرقية منها وهي مطوية بالأحجار .
مواقع النشر