اسطنبول (رويترز) - ينادي الباعة أسفل جسر غلطة في اسطنبول "خبز وسمك.. خبز وسمك" ويعرضون شطائر الأسماك أمام حشود الجائعين من الأتراك والسائحين في مشهد مستمر منذ عقود.
لكن الشطائر لن تحتوي على أسماك طازجة تم صيدها من بحر مرمرة أو مضيق البوسفور وإنما على الأرجح أسماك ماكريل مجمدة مستوردة من النرويج أو أسماك مستوردة من المغرب.
وبعدما كانت مناطق الصيد غنية يوما ما في بحار وممرات مائية تركية بحجم نيوزيلندا تراجع إنتاج الأسماك في البلاد كثيرا حيث وقع فريسة لطموحات تجارية وضوابط هشة.
ويهدد الإفراط في الصيد والصيد الجائر والتلوث هذه الصناعة. وقال المعهد التركي للاحصاء إن إنتاج الأنشوجة الذي يمثل نحو ثلثي إنتاج الصيد السنوي في تركيا تراجع بنسبة 28 في المئة في 2012.
ولتعويض النقص في المخزون حظرت الحكومة الصيد في الصيف حيث شهور تكاثر الأسماك وتقول إنها تشدد الرقابة لكن يبدو أن الجهود غير كافية ويبدو أن الأوان قد فات.
وقال عثمان كوركماز وهو صياد يعمل في مضيق البوسفور وبحر مرمرة منذ 40 عاما ويبلغ من العمر 53 عاما "قبل عشرين عاما كنت تضع يدك في المياه تلتقط سمكة.. كانت كثيرة."
وأجرت أيلين علمان الباحثة في مشروع (البحار من حولنا) التابع لجامعة بريتيش كولومبيا أكثر من 150 مقابلة مع صيادين أتراك بين مايو أيار ويوليو تموز لتحديد مدى التغير الذي طرأ على المصائد التركية.
وقالت إن عدد الأنواع التجارية في مناطق الصيد التركية انحسر إلى خمسة أو ستة فقط بعدما كان أكثر من 30 في الستينيات من القرن الماضي. واستندت أيلين إلى مسح أجرته وبيانات صيد قدمتها تركيا للأمم المتحدة بين عامي 1967 و2010.
وألقت الباحثة بالمسؤولية على زيادة عدد السكان والقوارب المزودة بالتكنولوجيا الحديثة وضعف قوانين الصيد وضعف تطبيقها وصدور بيانات لا يعتمد عليها حول مخزونات الأسماك وإخفاء الصيادين حجم صيدهم الحقيقي لتجنب الضرائب والغرامات.
التقنيات الحديثة
زاد عدد السكان في اسطنبول وحدها من مليون شخص في 1950 إلى قرابة 17 مليونا حاليا. وفي خطوة متزامنة تضخم عدد قوارب الصيد نتيجة لإعانات حكومية في السبعينيات والثمانينيات كان الهدف منها تحويل الصناعة الوليدة البسيطة آنذاك إلى أسطول صيد يضاهي جيرانه في البحر المتوسط.
ويجوب الان 450 من قوارب الصيد التي يتراوح طولها بين 40 و60 مترا المياه التركية بالاضافة إلى أكثر من 17 ألف قارب صيد صغير. وتستخدم تكنولوجيا السونار في 90 في المئة من الصيد الإجمالي في تركيا وجعلت البلاد أحد أكبر المصائد المنتجة في العالم.
وقال تيميل سنجون (27 عاما) وهو صياد لأسماك البينيت والأنشوجة والأسماك الزرقاء من بلدة ساريير في شمال مضيق البوسفور "لدينا ثلاثة مولدات ورافعتان." واستعرض الصياد معدات كهربائية وأخرى تعمل بتكنولوجيا السونار وتصل قيمتها إلى مئات الالاف من الدولارات.
وأضاف "يمكن للسونار رصد مجموعات الأسماك من على بعد عشرة كيلومترات وعلى أي عمق."
لكن مثل هذه التكنولوجيا لا تكفي وحدها لضمان كسب العيش في مياه يكثر فيها عدد الصيادين ويقل عدد الأسماك.
وقال سنجون "اشترت عائلتي سفينتي صيد بالشباك لكننا نرى الآن أنها كانت فكرة سيئة. هناك الكثير من سفن الصيد بالشباك دون ضابط.
"بنى جدي ووالدي هذا المنزل على التلال بدخلهم من الصيد.. لكن ليست أمامي فرصة لبناء منزل بما أكسبه فنحن نعمل خمس مرات أكثر بينما انخفضت قيمة الأسماك كثيرا."
وأضاف أن عدم وجود نظام للحصص وضعف عقوبة الصيد الجائر وانخفاض الأسعار كلها أمور شجعت الصيادين على كسر القوانين.
وأقر مسؤول كبير في وزارة الزراعة بأن الصيد الجائر يمثل تحديا لكنه قال إن 65 ألف عملية فحص جرت العام الماضي وإن الضوابط شددت لمحاولة تخفيف الضغط على المخزونات ومساعدة الصيادين الملتزمين بالقانون.
وقال المسؤول "أحد الأهداف الرئيسية هو زيادة الأسماك في البحار التركية." وأضاف أن دراسات تجرى لانتاج أنواع جديدة من الأسماك.
وقدر قيمة صادرات تركيا من الأسماك بنحو 475 مليون دولار في أول 11 شهرا من العام الماضي في أحدث بيانات متوفرة. وذهبت معظم الصادرات إلى هولندا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا وفاقت صادرات البلاد قبل عام والتي بلغت قيمتها 413 مليون دولار.
أسماك معروضة في متجر للسمك في اسطنبول - 2 فبراير 2014 -
رويترز
تجارة كبيرة
جذبت القضية اهتمام أحد أكبر تجار الأغذية بالجملة في أوروبا. وترعى شركة مترو ايه.جي الألمانية لتجارة الجملة بحثا تجريه مؤسسة الأبحاث البحرية التركية للعام الثاني للتأكد من توفر أسماك البينيت أحد أكثر منتجاتها قيمة ومن أشهر أنواع الأسماك التركية.
وسمك البينيت من أسماك التونة ويعتقد أنه ينتقل بين البحر الأسود وبحر مرمرة. ويراقب متجر كاش اند كاري التابع لمترو في تركيا -وهو أكبر متجر أسماك بالجملة في البلاد- عن كثب وضع هذه الأسماك. ويبيع المتجر أكثر من ستة آلاف طن من الأسماك التركية سنويا.
وقال بيرم أوزتورك رئيس المؤسسة التركية للأبحاث البحرية إن من المخاطر الرئيسية التي تواجهه الإفراط في الصيد والتلوث وتلاشي البيئة الطبيعية بسبب الشحن وتغير المناخ.
وأضاف "إذا زرت الصيادين هذا الصباح سترى مئة سمكة و200 قنديل بحر. يبذلون جهدا إضافيا وينفقون المزيد من الأموال لاستخراج قناديل البحر. قبل 20 عاما لم تكن هناك قناديل بحر. يعني هذا أن النظام البيئي اختل. لا يوجد مفترسون لقناديل البحر."
وهدف الدراسة التي ستشمل وضع علامات على 4500 من أسماك البينيت وتركها في البحر لمدة ثلاثة أعوام هو تحديد المكان الذي تهاجر إليه الأسماك وتقدير كميتها. وقال أوزتورك إن من غير المرجح أن تشدد الحكومة التركية القيود أو التطبيق بدون مثل هذا الدليل وستستمر مخزونات الأسماك في التراجع.
ومترو ليس هو الوحيد في هذا الصدد. وضمت مؤسسة سلو فوود اسطنبول جهودها إلى منظمة السلام الاخضر (جرينبيس) سعيا لحماية الأسماك الزرقاء وهي الطبق المفضل نادر الوجود على موائد مطاعم الأكلات البحرية في المدينة بسبب نقص أعداده.
وفي مسعى لتقليص الأسطول التركي الذي يضم أكثر من 20 ألف سفينة صيد بدأت الحكومة برنامجا لشراء قوارب الصيد من الصيادين لكن مسعاها لم يجتذب الكثيرين. وبحلول نوفمبر تشرين الثاني كانت قد اشترت 359 قاربا فقط.
ويقف الصياد المخضرم كوركماز في قاربه ويصف المشكلة ببساطة أكبر بينما يصلح شباكه قائلا "يصيد الناس الكثير ولا يسمعون."
مواقع النشر