بســم الله الـرحمــن الرحيــم
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه،،
المخاوف الإسرائيلية والأمريكية تجاه إيران.
تضع إسرائيل ومعها الولايات المتحدة وأوروبا ثلاثة سيناريوهات وخياراتها وتداعياتها أمام الملف النووي الإيراني، وهي:
السيناريو الأول:-
تقديم حزمة من الحوافز والاستحقاقات تكنولوجيا نووية للأهداف السلمية (سياسة الإغراء) من قِبل الولايات المتحدة وأوروبا، والتأكيد على دورها الإقليمي وحل المسائل العالقة بينها وبين أمريكا، وإذابة كافة الخلافات معها في إطار إقامة علاقات ثنائية وطيدة وضمانات تنموية من خلال مشاريع تبادلية اقتصادية وثقافية وتعليمية (منح دراسية)، بالإضافة إلى تبنِّي أمريكا مشروع إجراء مفاوضات بينها وبين إسرائيل، لكي تعود العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين إسرائيل وإيران إلى ما كانت عليه في عهد الشاه (بهلوي)، وانقطعت بعد قيام الثورة الإسلامية 1979م، وفي النهاية سيتم إدراج إيران بقبولها مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إليه أمريكا.
ويهدف هذا السيناريو إلى ثني إيران عن طموحاتها النووية، ولكن التخوُّف من أن تماطل إيران مع الولايات المتحدة وإسرائيل في اتجاه هذا السيناريو ما بين الشد والجذب لكسب الوقت في تطوير برنامجها النووي، حتى تصبح إسرائيل وأمريكا أمام الأمر الواقع، ولا يسعهما سوى الاعتراف بإيران كدولة نووية، ولذا ترى إسرائيل بضرورة فرض فترة زمنية على إيران أثناء مفاوضاتها مع أمريكا بقبول هذه الحوافز في مقابل تجريد منشآتها النووية من قدرات تصنيع قنبلة نووية، وفي حالة فشل هذا السيناريو ستلجأ إسرائيل وأمريكا إلى مسار فرض العقوبات.
السيناريو الثاني:-
وضع عقوبات اقتصادية وسياسية على إيران، ورفعها في مقابل تخلّيها عن تخصيب اليورانيوم، خصوصاً بعد حصولها عليه من روسيا. وتبذل إسرائيل جهوداً مضنية داخل الولايات المتحدة من خلال المنظمات اليهودية والمجالس اليهودية الأمريكية (إيباك)، وجماعات الضغط المؤيدة لها عبر وسائل الإعلام لحث الولايات المتحدة على تشديد العقوبات الاقتصادية والسياسية مستغلّةً نفوذها وهيمنتها على المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن في تمرير قوانين وقرارات دولية بقبول المجتمع الدولي فرض عقوبات على إيران، ويأتي ذلك في ظل ما تواجهه إيران من مشاكل داخلية، منها: ركود الاقتصاد، وقلة الكفاءة للقيادة الإيرانية، وزيادة التضخم بنسبة (25%)، وقلة الغذاء والسكن، والبطالة.
وتحتاج إيران كل عام لنمو اقتصادي بنسبة (4%) عن السنة التي قبلها لمواكبة النمو السكاني الذي يزداد يوماً بعد يوم، فهي في حاجة ماسة لتنويع الاقتصاد وتنميته، ويمثل فرض العقوبات ضربة ناجحة لإجهاض المشروع النووي الإيراني. ويعتبر ذلك السيناريو من أفضل السيناريوهات التي ستستخدمه إسرائيل وأمريكا ضد إيران. وبالفعل فقد بدأ هذا السيناريو في المراحل الأولى من التنفيذ، وفي هذا الصدد جاء الاستعداد من جانب دول الاتحاد الأوروبي بقيادة الولايات المتحدة واللوبي الإسرائيلي في تشديد الضغوط على إيران؛ ففي أواخر شهر يونيو 2008م، اعتمد الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة ضد (38) من أفراد وكيانات شركات إيرانية، بما في ذلك فرض تجميد الأصول على أكبر بنك في إيران (بنك ميلي)، كما بدأ الاتحاد الأوروبي رسمياً النظر في اتخاذ تدابير إضافية مع الجهات الفاعلة الرئيسة الأخرى، كاليابان واستراليا، وكذلك مع شركائهم في مجموعة الخمس: (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا)، وهذا يعني النظر في اتخاذ خطوات جديدة بعد القرار (1803). وفي حالة رفض إيران الحوافز التي قدّمت من قِبل مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إسرائيل ستحث الولايات المتحدة الأمريكية على استصدار قرارات تفرض عقوبات جديدة ضد إيران.
ولم ينته هذا السيناريو عند ذلك، بل تريد إسرائيل استكمال حلقة الخنق على إيران بحصار نظامها، والإطاحة به، وذلك بالتعاون مع المخابرات الأمريكية، والعمل مع كل من يعارض النظام الإيراني من أجل إسقاطه، وفي السياق ذاته، قامت عناصر من المحافظين الجدد مرتبطة بمنظمات اللوبي اليهودي بتقديم الدعم لرابطة (التحالف من أجل الديمقراطية في إيران)، والتي تأسست عام 2002م، من قِبل (موريس أميتاي)، المدير التنفيذي للجنة الشؤون الأمريكية الإسرائيلية العامة، وتهدف المنظمة إلى تعزيز الدعم السياسي من أجل التغيير في إيران، وتضمّ المنظمة في عضويتها (رايموند تانتر) من معهد واشنطن المتخصص بسياسة الشرق الأدنى، وهو الذي أسس لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية العامة، و (روب سوهاني) الذي يرتبط بعلاقات شخصية وسياسية مع ابن الشاه المخلوع (رضا بهلوي)، بالإضافة إلى إنشاء إدارة تسمى (قوى دولية الآلية الدبلوماسية) بين إسرائيل وأمريكا، لتقييد السلوك الإيراني من الداخل والخارج حتى يكون مشلولاً وعاجزاً حتى يتم إقصاؤه من الداخل، بيد أن نجاح هذا الخيار معتمد على قرار فرض عقوبات.
وترى الولايات المتحدة أن هذين السيناريوهين قد نجحا مع ليبيا وكوريا الشمالية، بما في ذلك التخلِّي عن الإرهاب وعن الأسلحة النووية، وتحققت نتائج إيجابية في الدبلوماسية الأمريكية والإسرائيلية مع تلك الأطراف، وإذا لم ينجحا في ذلك مع إيران سيكون السيناريو الثالث والأخير هو الحل، على الرغم من أن تنفيذه ضئيل، إلاّ أنه وارد في السياسة الإسرائيلية والأمريكية.
السيناريو الثالث:-
الخيار العسكري: تحاول (تل أبيب) الحفاظ على الخيار العسكري لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، ونتيجة لفكرة الهاجس الأمني الذي يحكم الفكر الإسرائيلي، أعدَّت إسرائيل خططها المسبقة لتوجيه ضربات استباقية وقائية لضرب المنشآت الإيرانية قبل انفلات الزمام، وتقف أمام هذه العملية العسكرية تحديات عديدة، أهمها: بُعد المنشآت النووية الإيرانية عن إسرائيل، والذي يتراوح مابين (1200 1500) كيلومتر، وانتشار هذه المنشآت في أماكن متعددة في إيران، الأمر الذي يتطلب التنسيق لضرب عدة أهداف في الوقت نفسه لضمان المفاجأة، وضرورة التزوّد بالوقود في الجو مرة واحدة إذا مرّت الطائرات من الأجواء الأردنية والعراقية، ومرتين إذا مرّت عبر البحر الأحمر فالمحيط الهندي، الأمر الذي يعقّد العملية ويزيد من خطورتها. ولكون المنشآت النووية الإيرانية محصّنة، وجزء كبير منها تحت الأرض ولديها دفاعات متطورة، فإن ذلك يوجب أن تكون الضربة الإسرائيلية كبيرة وخاطفة.
وقد استبعد الخبراء العسكريون قيام إسرائيل بتوجيه ضربة شبيهة بالضربة التي سددتها عام 1981م للمفاعل العراقي (تموز)، ويرجع ذلك إلى أن إيران قامت بنشر المواقع النووية على أكثر من خمسين موقعاً، أهمها: (بوشهر)، و (ناتنز)، كما حرصت على بنائها تحت الأرض بعمق يصعب اختراقه إلاّ بواسطة قنابل خاصة كالتي طوّرتها الولايات المتحدة، إضافة إلى هذه الصعوبات، فإن القيادة الإيرانية عزّزت الحراسة الجوية عن طريق نظام رادار تم استيراده من روسيا لهذا الغرض.
وعلى الجانب الآخر، تتطلب أي عملية إسرائيلية ضد إيران مساعدة أمريكية فعّالة على الأرض في العراق، وهو أمرٌ لا تريده واشنطن في المستقبل القريب، لأن هجوم إسرائيل على إيران سيفتح جبهة ثالثة بعد العراق وأفغانستان على الجيش الأمريكي، كما سيضر بالمصالح الأمريكية في منطقة الخليج، ولذا فإن الإدارة الأمريكية لا تريد أن تكرر ما وقعت فيه إدارة (بوش) عند توجهها للحرب في العراق بسبب سوء التقدير وخطأ في الحسابات.
كما أن وزارات: الدفاع والخزانة والخارجية الأمريكية يعارضون الهجوم على إيران، وقد دأب وزير الدفاع الأمريكي (روبرت جيتس) على التحذير من مخاطر مثل هذا الهجوم.
إن المواجهة الإيرانية الإسرائيلية هي معضلة تحرّكها دوافع استراتيجية يمكن حلها دبلوماسياً، ولكن ربما يأتي ذلك على حساب الدول العربية، وهنا تبرز سياسة التعامل القائمة على الأخذ والعطاء بين إيران وإسرائيل؛ تعترف طهران باعتبارات إسرائيل في مجال الأمن والدور، وعلى إسرائيل والولايات المتحدة بالمقابل التكيّف مع دور إيران ووزنها الجيوبولوتيكي، ومن ثم القبول بإدراجها في البنية السياسية والاقتصادية والإقليمية.....
مواقع النشر