بســم الله الـرحمــن الرحيــم
ناصر الصرامي
حينما يتعلق الأمر بالرد على مقال خال من الأبعاد العلمية , يحتار المرء من أين يبدأ وكيف ينتهي في الرد على خليط من الكلام الذي لا ينتظم في فكرة تفيد أو نقد يبني أو حوار يثمر!
قبل أيام كتب على صفحة الجزيرة الأخ ناصر الصرامي (ولا أعرفه) مقالا عن المناظرة التي كان من المفترض أن تكون بين الشيخ الدكتور سعد البريك والدكتور تركي الحمد وقد حاول "الصرامي" من بداية المقال إلى أخره أن يظهر الشيخ الدكتور سعد البريك بمظهر العاجز الخالي من المعرفة والثقافة والسياسة والفكر والأهلية التي تؤهله للمناظرة والحجاج والنقاش حول موضوع اجتماعي أو سياسي أو فكري برغم أن إلغاء المناظرة جاء بقرار من وزارة الإعلام.
أصبت بالدهشة وأنا أقرأ كلامه وهو يصف حال المناظرة ويقول : "المناظرة لن تكون فكرية الطابع، ولا تتوفر لها شروط الحد الأدنى الذي يسمح بوصفها بذلك، نحن هنا أمام خطيب ثري يريد أن يناظر مفكراً وأديباً وكاتباً، أي عالمين وفكرين وتيارين بينهما فرق كبير،" كما أصبت بدهشة أخرى تبعث على العجب وأنا أقرأ له وهو يقول: "ومن جانب آخر، هل الواقع العام يسمح أصلاً بوجود مساحة مشتركة للحوار بين واعظ مجتهد وخطيب جماهيري مفوّه مع مثقف صاحب رؤية مستقبلية..؟"
هذا الموقف ليس جديدا ..فهو حالة ببغاوية يرددها الكثير من "المتفيقهين" متهمين بها كبار الأكاديميين والذين فنوا أعمارهم محاضرين على أدرج الجامعات ومحاضرين في المجاميع الثقافية في الداخل والخارج وممارسين بجدارة واستحقاق لمهام إعلامية ضخمة كتابة وأداء وحضوراً !! ولهم محاورات ومناظرات على مستوى محلي وعالمي!! وهذه الحالة الببغاوية هي نفسها ما نلمسه في محاولة واحد مغمور لا يعرف له دلو في هذا المجال مثل "الصرامي" مع واحد من رجالات الفكر والدعوة مثل الشيخ الدكتور سعد البريك والذين خاضوا غمار تلك التجارب وسجلوا حضورهم بها في داخل المملكة وخارجها .
موضوع (الأغلبية الصامتة) موضوع اجتماعي سياسي فكري مضمونه العام طرح هموم المواطن من الزوايا السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية كمفهوم الحرية وحقوق المواطنة والخدمات وحقوق المرأة والبطالة وغيرها وليس أصلا موضوعا فكريا محضا كما تصور "الصرامي" بجهل فادح فاضح ينبئ عن هشاشة بنائه الفكري لفهم حتى عنوان المناظرة ومضمونها!!
نعم إذا كانت مواضيع لها علاقة بهموم الأغلبية الصامتة هي مواضيع من صميم علم الذرة أو تكنولوجيا النانو ! فيمكن أن نقول إن هذا ليس مجال البريك ولا الحمد ! وإذا كانت أيضا مواضيعها من صميم علم الفلك أو علوم الفضاء فالأمر كذلك! أما وهي مواضيع اجتماعية وحقوقية لها أرضية فكرية متنوعة وغير موحدة فالأمر هنا يتعلق بمناقشة تصور عام للحقوق والمطالب ومدى شرعيتها من وجهة نظر فكرية ووطنية وشرعية ! والأمر إذن على هذا النحو يتعلق باختلاف الرؤى فالدكتور تركي الحمد يمثل اتجاها فكريا له محدداته المعروفة والدكتور البريك يمثل اتجاها فكريا له محدداته المعروفة وكلاهما أكاديميان وخلافهما في المحددات هو ما يجعل تصور شرعية مطالب الأغلبية الصامتة وبرامجها مختلفة أيضا ومن هنا كانت المناظرة حلا لتوضيح الرؤى وتقارب الأفكار والاتفاق على حد أدنى من الثوابت الشرعية والوطنية تتلاقى فيه جميع المطالب وهذا مطلب ليس عليه خلاف بين البريك والحمد تماما كما لا خلاف بينهما على جدوى الحوار والمناظرة!
لكن دخول ألسنة لها عجمة في الفكر وتعتعة في التحليل وخبط عشوائي في الاستنتاج تجعل من صورة المناظرة قاتمة ! وهذا بالضبط ما حصل مع الأخ "الصرامي" وهو يحاول تصويرها كأنها ستجري في صحراء بين الحمد أو البريك ليس بينهما حكم يضبط موضوع النقاش ولا هناك نظام يحمي!
وكم عجبت له وهو ينقم على الواقع العام أي (المجتمع ) ويصفه بأنه غير جاهز لمثل هذه الحوارات والمناظرات وهذه حجة مضحكة تبعث على الشفقة لحال من يشهد على نفسه وهو يعلم بأن لا مكان له في المجتمع ولا مكان لفكره ولا لموقفه ! وكأن هؤلاء يتهمون المجتمع برمته بأنه لا يفهم ولا يقرأ ولا يكتب!! ولطالما سمعنا دندنتهم هذه والتي تعكس كساد الإيديولوجيا التي يروجون لها!
من العبث – يا أخي الصرامي- أن أحاججك في علو كعب الدكتور سعد البريك !وقدرته على المناظرة والحوار وهو رجل أكاديمي وكاتب ومحلل وواعظ وخطيب وفقيه وأستاذ جامعي ودكتور ، ومقالته المعنونة بـ "كليلة ودمنة " والتي نشرتها الجزيرة في نفس الصفحة التي سطرت فيها مقالتك تشهد له بعمق التحليل وشمول النظرة واتكاء الفكر على ركن شديد ، فإن غاظك ذلك فأذكرك بقول الله جل وعلا :" أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما "
وإذا ضاق عقلك عن استيعاب شخصيات تجمع بين العلم الشرعي والفكر والثقافة فهذا خلل فيك يجب عليك علاجه وإلا فواقع الحال يقول أن الأمة تزخر برجالات الفكر والدعوة في كل مكان ولكن ربما لأن عينيك لا تعرف إلا رأس الديك ولا تقيس إلا عليه لا ترى الصورة كاملة .
وأختم لك بهذا البيت فهو صادق لا محالة عليك :
كناطح صخرة يوما ليوهنها ### فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وأنصحك:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم ### من اللوم أو سدوا الفراغ الذي سدوا
وبالله التوفيق.
محمد بن ابراهيم بن سعود السبر
من صيد الفوائد
alsaber111@hotmail.com
مواقع النشر