السلام عليكم
إن كل متأمل في واقع أمتنا الإسلامية يجد أنها أصبحت في ذيل القائمة بعد أن كانت قائدة الأمم, وماهي فيه مرحلة لابد منها ليبتلي الله بها عباده وليُعرف الصادق من الكاذب.
وسنة الله تعالى ثابتة لاتتغير في أن الأمم إذا ابتعدت عن أمر ربها وسلكت سبيلا غير الذي اختاره لها خالقها سبحانه, فإن الله جل وعلا بحكمته وعدله يكتب عليها الذل والهوان {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } الأحزاب62.
ومن حكمة الله تعالى أن الأمم إذا عادت إلى ربها واستمسكت بأمره أن يكتب الله لها العزة والرفعة{ إِِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }الرعد11.
وأخبر تعالى ذكره وجل ثناؤه أن سنة المدافعة بين الحق والباطل حتم لازم {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج40
لما ذكر الله تعالى في كتابه قصة أصحاب البروج وتلك الحادثة الأليمة فدعونا نعيشها الآن مع وصف الله تعالى لها في كتابه قال جل ذكره {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ{4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ{5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ{6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ{7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{9}.
فتأمل أن الله تعالى يخبر عن حال أولئك المؤمنين الذين ابتلوا بهذه الأخاديد التي وضعت لهم وأحرقوا فيها, وتأمل أن الله وصف حال أولئك الكفرة بأنهم شهود على فعلهم بالمؤمنين قاعدون على النار يتضاحكون وبالمؤمنين يسخرون, والعلة التي من أجلها فعلوا بالمؤمنين مافعلوا هي أنهم نقموا منهم الإيمان بالله وحده لاشريك له, ثم يأتي التعليق الإلهي ليبين الحقيقة التي قد يغفل عنها أكثر الناس مع الأسف بأن الذي حصل حصل في ملك الله الذي له ملك السموات والأرض وهو سبحانه شهيد على كل شيء لاتخفى عنه خافية.
وتأتي الحقيقة الأخرى التي تناسيناها في الآيات التي بعدها{ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ{10} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ{11} إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ{12} إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ{13} وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ{14} ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ{15} فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{16}
يخبر سبحانه أن عذاب أولئك لن يكون في الدنيا لأن المشهد لم ينته والجزاء في الآخرة, نعم قتل أقوام آمنوا بالله وأوذوا في دينهم ولم ينتقم لهم في الدنيا لأن النهايات لاتقف على هذه الحياة, بل تتعداها إلى دار الجزاء, وأن هؤلاء المؤمنين ينتظرهم جزاء عظيم لتضحيتهم من أجل دينهم جنات المأوى أعدها الله للمتقين.
وتختم الآيات بإشارة هامة عن قوة الله وقدرته وأنه سبحانه أعدل العادلين وأحكم الحاكمين, وأنه جل وعلا يقدر المقادير وهو أعلم بشؤون عباده فسبحان الخلاق العليم.
مواقع النشر