هذه المقالة للصحفي والكاتب الأمريكي، بوب غرين، مؤلف 25 كتابا بينها رواية "النسخة المتأخرة: قصة حب"، وهي واحدة من سلسلة مقالات كتبها خصيصا للشبكة، لا تعبر الآراء الواردة فيها سوى عن آراء كاتبها ولا تمثل موقف الشبكة.
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- لقد أدلى الناس بدلوهم، وعند التفكير مليا فأنه حيث نبعت المشكلة، ولجنة النقل والبنى التحتية بمجلس النواب بالكونغرس، أجازت، وبسهولة، قانونا سيتيح للأمة تنفس الصعداء، حظرت بموجبه استخدام الهواتف المحمولة في كافة الرحلات الداخلية، والقرار الآن بصدد شق طريقه إلى المجلس بأكمله، وأخرى مماثلة تتجه صوب مجلس الشيوخ.
وهذا يعني بأن المسافرين ربما سيكنون بمأمن من السفر محاطون بمسافرين آخرين يثرثرون على هواتفهم النقالة، دون توقف، من الإقلاع وحتى الهبوط.
والعام الماضي، أعربت مفوضية الاتصالات الفيدرالية، عن اعتقادها بأن استخدام المسافرين للهواتف المحمولة لا يمثل تهديدا تقنيا لسلامة أجهزة الملاحة والطيران، ودعت لإعادة النظر في استخدام الموبايل بالرحلات الجوية بعد رفعها الحظر المفروض عليه.
وما فات المفوضية هنا، ليس الخطر المتمثل من الهواتف المحمولة على إلكترونيات الطائرة، بل رفاه وراحة المسافرين المحشورين في مقطورة الطائرة دون ملاذ يمكنهم الفرار إليه هربا من مسافر فظ بالمقعد المجاور يثرثر دونما توقف.
الأمر برمته يندرج تحت بند حماية المستهلك، فإذا سمح بإجراء مكالمات هاتفية بالرحلات، فأننا نضع الطواقم أمام مهمة مستحيلة للعمل كحكام لحل المشاجرات بين المسافرين المحشورين في مقاعدهم الضيقة بطائرة مكتظة بالركاب، في جدل حول اتيكيت استخدام الهاتف والكياسة العامة.. سيطالب ركاب بنقلهم إلى مقاعد أخرى غير متاحة، وقد يصل الأمر لحد العراك بالأيدي، ففي الشارع أو الأماكن العامة بإمكانك بسهولة الابتعاد عن طريق مستخدم بغيض يتحدث بصوت عال بهاتفه.. لكن بالطائرة أين المفر؟
هناك حل بسيط يرضي من يرغبون في التواصل مع الآخرين أثناء السفر، بإتاحة الرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني وعبر المواقع الاجتماعية.. الانشغال بهذه الأنشطة يهدئ المسافرين ويخفف من توتره.. أما الحديث بالهاتف فتأثيره عكسي.
القرار اتخذ بروح وحكمة حزبية نادرة تظهر، على ما يبدو، تفهم الكونغرس، فرئيس لجنة مجلس النواب، النائب الجمهوري، بيل شوستر، وخلال تمريره للقرار، الأسبوع الماضي، استشهد باستطلاع أظهر معارضة 59 في المائة من الأمريكيين، ممن سافروا مرة واحدة على الأقل بالجو العام الماضي، للسماح باستخدام الهواتف في الرحلات الجوية، وارتفعت النسبة إلى 78 في المائة، بين من يسافرون أربعة مرات أو أكثر خلال العام.
وأضاف شوستر: "معظم المسافرين يرغبون في انقضاء رحلاتهم في أقصر وقت وهدوء ممكنين."
وأيده النائب الديمقراطي، نيك راهال، قائلاً: "فكرة أن تكون محشورا بين عشرات الأشخاص جميعهم يتحدثون على هواتفهم، في آن معا، في مكان مغلق، تثير مخاوف خطيرة على السلامة، وليس الراحة، بالنظر تحديدا إلى ضيق المساحة المتاحة للمسافر والأسعار المكلفة للتذاكر والسفر بالجو.
مضيفا بأنه ما أن أثارت مفوضية الاتصالات الفيدرالية احتمال السماح باستخدام الهواتف المحمولة داخل الطائرات، حتى أصابت القشعريرة أجسام المسافرين وطواقم الطائرات، على حد سواء.
من الصعوبة معرفة لما يرغب أعضاء الكونغرس الآن في اتخاذ هذه الخطوات، وهي واحدة من المناسبات النادرة التي يستشعرون فيها بأن قرارهم هذا سيقابل بترحيب من العامة، فالكونغرس لن يتجاوز على حقوق أي كان، فالقانون الجديد مجرد خطوة استباقية وقائية لضمان عدم السماح لفكرة استخدام الهواتف النقالة في الجو بالمضي بعيدا.
كما أنه من غير المرجح أن يتقدم أي من أعضاء الكونغرس بطلب السماح للمكالمات الهاتفية بأن تصبح جزءا من الرحلات الجوية، فالشعب عادة ما يربط بين نتائج القرارات السياسة المثيرة للحنق بالمسؤولين الحكوميين من يروجون لها، وفي كل مرة تتعالى فيها أصوات المتحدثين بالهواتف النقالة لتفسد أجواء الرحلات الجوية، ينصب جام غضب المسافرين على السياسيين من أتاحوا ذلك.
الكونغرس، عندما يتحرك لحظر المكالمات الهاتفية بالرحلات، فأنه يسدي خدمة لشركات الطيران، كما حدث لدى حظر التدخين، فلقد سحب القرار من بين تلك الشركات بحيث لا يفترض على طواقم الضيافة الدخول في نقاش مع مسافر حانق، غياب قرارات واضحة وحاسمة في هذا الصدد، قد يشعل حرب إعلانية بالتلفزيونات، بين شركات الطيران المتنافسة، بين تلك التي تسمح بإجراء مكالمات هاتفية بالجو، وأخرى تمنعها.
ومن فصول تلك الحرب الإعلانية، مشهد لطائرة مكتظة بالركاب يتحدثون بصوت على هواتفهم المحمولة، وإعلان آخر يظهر كابينة طائرة يسودها الهدوء التام، حيث يبدو المسافرون منشغلون بالقراءة أو العمل على أجهزة الكمبيوتر المحمول... يليها شعار شركة الطيران الثانية بدعوة للسفر على متنها لتجربة رحلة سفر متحضرة.
مواقع النشر