السلام عليكم
لقد شرع الله تعالى لنا عند تجدد نعمة، أو اندفاع نقمة، أن نسجد له تعالى، وهذا يسمى بسجود الشكر. هذه العبادة التي نغفل عنها والبعض قد يجهل الحكمة منها، وقد يجهل كيفية أدائها. فهذا السجود عباد الله يُشرع في حالين: أولاً: تجدد النعم. وثانياً: اندفاع النقم.
أما تجدد النعم فالمراد تجددها لا حصولها، لأن نعم الله على عباده كثيرة لا عد لها ولا حصر، كما قال سبحانه: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]. فلو أراد العبد أن يسجد لله عند كل نعمة تحصل له لبقي طول عمره ساجداً لربه، لكن المقصود عند تجدد النعم مثل: إنسان نجح في الاختبار وهو مشفق أن لا ينجح، فهذا تجدد نعمة فيسجد لها. أو سمع بانتصار للمسلمين في أي مكان، فهذا تجدد نعمة فيسجد لله شكراً. أو بُشر بولد، فهذا أيضاً تجدد نعمة فيسجد لله شكراً.
أما اندفاع النقم: كرجل حصل له حادث سيارة، وتهشمت السيارة وخرج سالماً، فهنا يسجد لأن هذه النقمة وجد سببها، وهو الحادث، لكنه سلم. أو إنسان اشتعل في بيته حريق، فيسَّر الله القضاء عليه وأطفأه، فهذا اندفاع نقمة فيسجد لله تعالى شكراً. أو سمع بخبر يفرحه ويكون هذا الخبر اندفاع بلاء عن المسلمين، كموت ظالم، أو هلاك فاجر، أو زوال رأسٍ من رؤوس الشر والفساد، فيشرع له أن يسجد لربه شكراً لله تعالى على زوال هذه المصيبة وهلاك هذا الظالم وراحة الناس من شره.
ففي حديث لأبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان إذا جاءه أمر يُسرّ به خر ساجداً شكراً لله تعالى))، وأتاه بشير يبشره بظفر جندٍ له على عدوهم وكان رأسه في حجر عائشة فقام وخر ساجداً.
وسجد أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين جاءه قتل مسيلمة الكذاب.
وسجد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين وجد ذا الثُّدية في الخوارج الذين قتلهم.
وتوارى الحسن البصري رحمه الله تعالى عن الحجاج سبع سنين، فلما بلغه موته قال: اللهم قد أمتّه فأمت سنته، وسجد شكراً لله وقرأ: إِنَّ فِى ذَلِكَ لاَيَـٰتٍ لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [لقمان:31].
أما عند حصول النعم فقد ثبت في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج نحو أحد فخرّ ساجداً فأطال السجود، ثم قال: ((إن جبريل قال لي: ألا أبشرك إن الله تعالى يقول: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله تعالى شاكراً)).
ومثله حديث سعد بن أبي وقاص في سجوده صلى الله عليه وسلم شاكراً لربه لما أعطاه ثلث أمته، ثم سجد ثانية فأعطاه الثلث الآخر، ثم سجد ثالثة فأعطاه الثلث الباقي.
وذكر البيهقي بإسناد على شرط البخاري، أن علياً رضي الله عنه لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همدان، خر ساجداً ثم رفع رأسه فقال: ((السلام على همدان، السلام على همدان)).
وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن النعم نوعان: مستمرة ومتجددة، فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات، والمتجددة شرع لها سجود الشكر، شكراً لله عليها وخضوعاً له وذلاً، في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها، فإن الله لا يحب الفرحين ولا الأشرين، فكان دواء هذا الداء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين، وكان في سجود الشكر من تحصيل هذا المقصود ما ليس في غيره.
وصفة سجود الشكر أن يكبر ويسجد، ولا يكبر إذا رفع ولا يسلم. وذهب جمع من أهل العلم على أنه لا يشترط لها الطهارة أيضاً.ولايشترط لها التوجه للقبلة ولكن السجود إلى القبلة أفضل..
والله أعلم
مواقع النشر