أغادير - عبد اللطيف أحوضيك (أكادير24) : عندما جمعت حقائبي صوب الدوحة، قلت في نفسي أني سأعود يوما لأجد مدينتي في حلة جديدة، تنسيني معاناة المهجر والبعد عن الأهل والأحباب. قضيت بالخليج سنين طوال، لأعود إلى أرض الوطن وأنا أتطلع لرؤية مدينتي وما فعله المسؤولون الجدد على تدبير الشأن المحلي، لكن بمجرد أن تجاوزت فج أكني إمغارن كانت الصدمة، كأن الزمن توقف بهذه المنطقة….
البنايات نفسها والشوارع، لا شيء تغير. كل مدن العالم تنمو وتتطور وإن بدرجة بطيئة، إلا بويزكارن فهي تقهقر بشكل صاروخي، لا ادري أين يكمن الخلل؟ هل في العقليات المتحجرة لمدبري الشأن المحلي؟ هل في ضعف موارد المنطقة؟
أسئلة كثيرة تبقى معلقة دون إجابات. لكن الثابت، أن من يسيرون المدينة هم نفس الوجوه منذ زمن، ولا شك أنهم مسؤولون عن مجازر تدبير المدينة. بويزكارن كان يمكنها أن تصبح مثل مدن الصحراء نموا، بدل ما تعيشه من إقصاء اجتماعي وهشاشة. قلت مع نفسي، لما لا أبحث عن ضحايا التسيير العشوائي للمدينة، فكان أول من عاينته عيني، سيدة تضع على رأسها قماشا فوق آخر، تفترش الأرض وتلتحف السماء، وجدتها متكئة على حائط إحدى بنايات الحي العسكري، مقابل مدرسة جديدة بحي الأمل 1 في المدخل الشمالي لبويزكارن. وعلى مقربة من المستشفى المحلي، وجدت ضريرا بجسد منهك، بالكاد يستطيع التنفس. وفي وسط المدينة وبالقرب من مدخل مصلحة الأشغال العمومية، وجدت آخر، وثالثا ينفخ في راحة بحثا عن حرارة تدب في جسمه النحيف.
كيف لضمير حر أن يقبل هذا الوضع؟ كيف لنا أن ندعي رعاية المحتاجين؟ وكيف لأجسادنا في هذه الليالي الباردة أن تنعم بالدفء وتبسط الموائد، وهي تسمع آهات هؤلاء المعذبين في الأرض؟ كل واحد من هؤلاء له قصة، وربما له أسرة وأسبابا ألقت به إلى الشارع. هؤلاء الذين أتحدث عنهم، لن تفيدهم تعاليقنا ولا بكاءنا في وسائل التواصل الاجتماعي، هؤلاء بحاجة لمبادرات جمعوية وشبابية تعيد لهم البسمة.
يا من تسيرون الشأن المحلي لبويزكارن !! مرت سنة على التدشينات الملكية لمشاريع تنموية بمناسبة الذكرى 43 للمسيرة الخضراء، وإن نسيتم أو تناسيتم، فقد كان الفضاء الذي احتضن تلك المراسيم هو المحطة الطرقية، التي دخلت إليها حافلة أول مرة لتغادرها دون رجعة. وها قد مرت أكثر من أربع سنوات على تقلدكم مسؤولية تسيير البلدية، وباستثناء إضافة أبواب للسوق الأسبوعي قصد ضبط مدخوله المالي بالرغم من البتر الذي طاله وهو مشروع ملكي يؤرخ لزيارة عاهلنا في سنة 2007 لبويزكارن، إلا أنه يفتقد لأبسط الشروط والمرافق الضرورية.
-
مدخل مدينة بويزكارن
لقد مرت سنوات على وعود بمشاريع مالية بقيمة 17 مليار سنتيم، تبخرت وبويزكارن يبكيها الصخر قبل القلب. أيها المنتخبون، بأي ذنب وأدتم تنميتها؟ ما جُرم ساكنتها الهشة؟ كيف لكم أن تتقلدوا مهاما أنتم غير متحمسين لها؟؟ ألا تؤنبكم ضمائركم؟ ألا ترون ما فعلت قراراتكم بالمدينة؟ ماذا تركتم من مشاريع غير تعبيد طرق مغشوشة وإنارة عمومية هالكة؟
أيها المنتخبون، لقد مر زمن ونحن في انتظار قدوم أي إنجاز صدرتموه لنا في شكل وَهْمٍ أو سَراب، انتظرنا تنفيذ وعود قطعتموها بعد أن أشهدتم الله على أنفسكم. بالله عليكم، كيف لم تعد آذانكم صاغية لآهات واحات كانت بكرا، يفوح منها جمال أخاذ، أكلتم من أشجارها وخيراتها، وهي اليوم تذرف دمعا قبل أن تموت، ذبل ربيعها شوقا في ماء يكاد أن يجف. لما لا تشبهون أمثالكم الذين يشهد لهم التاريخ وهم غير بعيدين عنا، في تفانيهم وجديتهم، في إرضاءهم للسكان، وفي غيرتهم وانخراطهم في العمل الدؤوب لتنمية بلداتهم، ما جُرْمُ عشرات الشباب في بويزكارن التائهين بين أزقتها بعد أن عجزتم عن توفير مراكز للتكوين وفضاءات للثقافة والرياضة والتأهيل؟
أيها المنتخبون، بينكم مثقفون وجامعيون، ومنكم من سافر وجال في المغرب وخارجه، وشاهد بأم أعينه كيف يُدبر الشأن المحلي، لكننا نراكم قد قطعتم الصلات مع السكان، وتفاديتم الكلام، فلا تظنوا أن تنظيم مهرجان هنا وهناك، أو عملية ختان أو تسيير ناد رياضي وحيد ومنح هبات دسمة لجمعيات ممن ترضون، سيجعلكم تفخرون بكل ذلك، لأنها ليس كل شيء.
طرقنا أيها المنتخبون حُبلى بالحفر، ومناطق سميتموها خضراء لم تتوسع قيد أنملة، وتفتقد لصيانة رصدتم لها الملايين. ملاعب القرب أين هي؟ ومجزرة تشبه ذاك المطرح الجنوبي الخاص بالنفايات تفوح منهما روائح كريهة تكاد تكون قنابل موقوتة تضر بصحة البشر، أمتار مكعبة من مصفاة الوادي الحار تلقى يوميا دون استحياء في أرض خلاء، أحياء تفتقد لشبكة التطهير الصحي، وانقطاعات التيار الكهربائي صارت مألوفة، باعة سمك يعانون في رحلة الشتاء والصيف، أطفال حائرون بين اللعب على أكوام الأزبال أوالجلوس على جنبات طرق تثير الغبار.. وغير ذلك كثير.
أيها المنتخبون أليس في قاموسكم المهني مرادف لترافعات أو شراكات أو لقاءات مع مسؤولين إقليميين وجهويين ومحليين لمناقشة أوضاع المدينة المأساوية؟ الجميع مل من طول الانتظار، كما جف الحبر وانتهى الكلام، بعد أن وظفنا كل العبر وجميع الاستعارات أفليس منكم رجل رشيد؟ أليس منكم من يقدر أن يقول نحن عن العبث واللغو معرضون ونحن لفعل الخير فاعلون؟ لا تنسوا أنه مكان تزورونه سرا وعلنا، وتحنون إليه مهما بعدتم، ببساطة هو هويتكم وموطن آبائكم وأجدادكم.
بقلم: عبد اللطيف أحوضيك … مهاجر بقطر
مواقع النشر