دراسة استشرافيه ترجح استمرار «أزمة ممتدة» في الخليج
8 عوامل مرشحة للتحكم في مستقبل الوضع الاستراتيجي للمنطقة
الدراسة تسعى لاستشراف الوضع الاستراتيجي في منطقة الخليج حتى عام 2025، والبحث في المعطيات والشروط التي يمكن أن توفر فرص الأمن والاستقرار والتحول الديمقراطي في المنطقة.
وتأتي هذه الدراسة الإستشرافية في الوقت الذي تشهد منطقة الخليج الكثير من التحديات الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن أبرز هذه التحديات الوجود العسكري الأجنبي، وتحديداً الأمريكي، في منطقة الخليج، وأزمة الملف النووي الإيراني، وتداعيات الملف العراقي، وملف أمن الطاقة وأسعار النفط، وخطر التنظيمات الإرهابية، ومعضلة البحث عن صيغة مستقرة للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران. كل هذه التحديات المتداخلة وغيرها تجعل مستقبل المنطقة مفتوحاً على كل الاحتمالات.
ورصدت الدراسة الوقائع والتحولات الجارية في منطقة الخليج. وأوردت «سيناريوهات» محتملة يمكن أن تشهدها هذه المنطقة خلال السنوات التي تفصلنا عن عام 2025.
وعددت الورقة العوامل الحاكمة لمستقبل الوضع الاستراتيجي في الخليج في السنوات المقبلة ومن أبرز العوامل ما يلي:
1. ميزان القوى في المنطقة، سواء على المستوى العسكري أم على المستوى السكاني أو الاقتصادي أو العلمي، وفي هذا السياق تعرض الورقة بالتفصيل ومن منظار مقارن لموازين القوى بين دول مجلس التعاون الخليجي وكل من إيران واليمن والعراق، مركزة أساساً على موازين القوى العسكرية، والبشرية، فضلاً عن موازين القوى الاقتصادية، والقدرات العلمية والتقنية.
2. طبيعة وحدود التعاون والتنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والعسكري. فهذا العامل من العوامل الرئيسية التي سترسم حدود دور دول المجلس في صياغة مستقبل المنطقة، ومدى فاعلية هذا الدور.
3. مستقبل الطلب العالمي على النفط الخليجي ومعضلة أمن الطاقة. وهذا العامل سيرسم حدود الاهتمام العالمي بقضية الأمن في الخليج.
4. التطورات الداخلية على الساحة الإيرانية وتأثيرها في مستقبل الوضع الأمني في الخليج، وفي علاقة إيران بدول مجلس التعاون، فطبيعة النظام السياسي الحاكم في إيران سوف تنعكس على دوره كمصدر للاستقرار أو لعدم الاستقرار في المنطقة.
5. أزمة الملف النووي الإيراني وتداعياتها الإقليمية والدولية، وتأثيرها في أمن دول مجلس التعاون. وأسوا السيناريوهات المرتبطة بهذا الملف هو أن تنشب حرب جديدة بسببه.
6. مستقبل الأزمة العراقية. وسوف يكون لشكل هذا المستقبل تأثيراته الكبيرة في مستقبل المنطقة برمتها. فعراق مستقر وموحد ويتحرك بفاعلية على طريق التنمية هو خلاف عراق مفكك يشكل بؤرة لتفريخ وتصدير التطرف والإرهاب.
7. الوجود العسكري الأمريكي في الخليج. ويعد هذا من العوامل الرئيسية المرتبطة بمستقبل الدور الأمريكي في المنطقة. وهو دور سيكون له تأثيراته في صياغة مستقبل المنطقة.
8. مستقبل العملية الإصلاحية في دول مجلس التعاون الخليجي.
خمسة سيناريوهات للمستقبل
وانطلاقاً من دراسة هذه العوامل تصل الورقة إلي تحديد خمسة سيناريوهات لمستقبل الوضع الاستراتيجي في المنطقة، مع تحديد شروط تحقق كل من هذه السيناريوهات، وانعكاساته على دول مجلس التعاون الخليجي، وأخيراً السيناريو الأكثر ترجيحاً للمنطقة.
السيناريو الأول: هو سيناريو الأزمة الممتدة، أي استمرار الوضع الراهن في المنطقة على ما هو عليه، سواء لجهة الوضع في العراق، أو لجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، أو لجهة الملف النووي الإيراني، أو الوضع الداخلي في إيران، أو العلاقات بين دول مجلس التعاون.
وسيكون لهذا السيناريو إذا ما تحقق انعكاسات على دول الخليج، كاستمرار حالة القلق في شأن مستقبل المنطقة، واستمرار الصراعات الطائفية في العراق، واستمرار أسعار النفط عند معدلات مرتفعة، واستمرار الأنفاق العسكري المتزايد في دول المنطقة، وتعرض بعض دول الخليج لعمليات إرهابية. السيناريو الثاني (الكارثي): وهو سيناريو سيتحقق في حالة توافر شروط ومعطيات من أبرزها تفكك العراق، واندلاع حرب خامسة في الخليج بسبب الملف النووي الإيراني، الأمر الذي سيترتب عليه تداعيات كارثية على المنطقة، بدءاً من تصدير العنف والإرهاب إلي دول المنطقة بسبب تفكك الدولة العراقية، وتدفق اللاجئين العراقيين إلي دول المجلس، واستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة كرد فعل على الهجوم العسكري الأمريكي ضد إيران، وتحرك عناصر من الجوالي الإيرانية والخلايا النائمة التابعة لإيران الموجودة في دول الخليج، فضلاً عن احتمال تعطل الملاحة في مضيق هرمز.
السيناريو الثالث: امتلاك إيران قنبلة نووية (سيناريو هيمنة إيران النووية على الخليج)، ومن أبرز تداعيات هذا السيناريو: تحول إيران إلي قوة مهيمنة على دول المنطقة، وسيطرتها على العراق، وتمسكها باستمرار احتلال الجزر الإماراتية، وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وهو أمر يمكن أن يدفع بدول مجلس التعاون،، إلي السعي بدورها لامتلاك سلاح نووي في مواجهتها.
السيناريو الرابع: وقوع الخليج تحت هيمنة أمريكية ـ إيرانية مشتركة. وسيكون لهذا السيناريو تداعيات عديدة أبرزها : قيام تنسيق استراتيجي بين إيران والولايات المتحدة سيكون في الغالب على حساب دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي سيجعل هذه الدول، محاصرة بمحور واشنطن ـ طهران، الذي لن يمنع إيران من الاستمرار في التدخل في شؤون دول المجلس الداخلية بموافقة ضمنية أمريكية.
السيناريو الخامس (التفاؤلي): وهو سيناريو تحقيق الأمن والاستقرار والديمقراطية والتنمية في المنطقة، ومن أبرز تداعيات هذا السيناريو: تجنب التهديدات الإقليمية، وشيوع الأمن والاستقرار على الصعيد الإقليمي والخليجي، والاهتمام أكثر بقضايا التنمية والإصلاح، وهو ما سينعكس تراجعاً في الأنفاق على التسلح، وسيعزر فرص الإصلاح السياسي في دول المنطقة.
توقعات باستمرار الوضع الراهن
وفي الختام تحاول الورقة ترجيح كفة الاحتمال لأحد هذه السيناريوهات الخمسة، فترى أن السيناريو الأول هو الأكثر رجحاً (أي سيناريو الأزمة الممتدة)، متزايد احتمالات التدهور في بعض المجالات، لكن دون أن تصل الأمور إلي حد السيناريو الكارثي، اللهم إلا إذا اندلعت حرب بالمصادفة لأخطاء في الحسابات. وفي هذا السياق، فأن الأمر يؤشر إلي استمرار حالة عدم الاستقرار في العراق لفترة من الزمن حتى وأن استمر العراق موحداً، واستمرار الخلل الاستراتيجي في بعض موازين القوى في المنطقة لمصلحة إيران، واستمرار الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة ولو بحجم أقل في بعض الدول.
وكل ذلك يحتم الأمر على دول مجلس التعاون تعزيز التعاون والتنسيق في ما بينها وبخاصة في مجالات الأمن والدفاع، فهذا هو السبيل الوحيد لتعزيز قدرتها الذاتية على حماية أمنها ومصالحها في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة. ومن المهم أن تتحسب هذه الدول لاحتمال اندلاع حرب جديدة في المنطقة ربما لأخطاء في الحسابات كما سبق القول، بما يتضمنه ذلك من ضرورات لبلورة خطط للتعامل مع التدعيات المحتملة لهذه الحرب في حال نشوبها.
كما يستدعي قيام دول مجلس التعاون، أكثر من أي وقت مضى، بتنسيق سياساتها في شأن التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، وتعزيز علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى، كالصين وروسيا واليابان والاتحاد الأوروبي، من ناحية أخرى. كما أنه من المهم أن تقوم دول المجلس بتنويع مصادر دخلها وتعزيز قدراتها الإنتاجية مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط وما يوفره لها ذلك من مصادر مالية تتيح لها توسيع دائرة خيارتها الاقتصادية هذا فضلاً عن ضرورة سعي هذه الدول لتعزيز عملية الإصلاح السياسي الداخلي، على قاعدة التأسيس لعقد اجتماعي جديد تقوم عليه العلاقة بين المواطن والدولة، ويرتكز على مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان ودولة المؤسسات وسيادة القانون. فهذا هو الطريق الحقيقي لتعزيز الوحدة الوطنية الداخلية، وصد الباب أمام التدخلات الخارجية.
مواقع النشر