السلام عليكم
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كلام نفيس له ،وهو يتكلم عن آثار رحمة الله فيقول: " فانظر إلى ما في الوجود من آثار رحمته الخاصة والعامة.فبرحمته أرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل علينا كتابه ،وعلمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة ،وبصرنا من العمى، وأرشدنا من الغي ،وبرحمته عرّفنا من أسمائه وصفته وأفعاله ،ما عرّفنا به أنه ربنا ومولانا ،وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم ،وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا ،وبرحمته أطلع الشمس والقمر ،وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض وجعلها مهاداً وفراشاً وقراراً وكفاتاً للأحياء والأموات ،وبرحمته أنشأ السحاب وأمطر المطر ،وأطلع الفواكه والأقوات والمرعى، ومن رحمته سخر لنا الخيل والإبل والأنعام، وذللها منقادة للركوب والحمل والأكل وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان ،فهذا التراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة التي هي صفته ونعمته، واشتق لنفسه منها اسم الرحمن الرحيم وأوصل إلى خلقه معاني خطابه برحمته ،وبصرهم ومكن لهم أسباب مصالحهم برحمته ... ثم يقول رحمه الله ... ومن رحمة الله عز وجل أن خلق للذكر أنثى من جنسه ،وألقى بينهما المحبة والرحمة ،ليقع بينهما التواصل الذي به دوام التناسل وانتفاع الزوجين ،وتمتع كل واحد منهما بصاحبه، ومن رحمته أحوج الخلق بعضهم إلى بعض ،لتتم مصالحهم ،ولو أغنى بعضهم عن بعض ،لتعطلت مصالحهم ،وانحل نظامهم ،وكان من تمام رحمته بهم أن جعل فيهم الغني والفقير والعزيز والذليل والعاجز والقادر والراعي والمرعى ثم أفقر الجميع إليه ،ثم عم الجميع برحمته . وتأمل قوله تعالى: الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان كيف جعل الخلق والتعليم ناشئاً عن صفة الرحمة ،متعلقاً باسم الرحمن. إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .
ومع ذلك فمن تمام رحمة ربنا جل وعلا أنه ينزل إلى سمائه الدنيا في كل ليلة ينادي عباده
( هل من تائب فأتوب عليه, هل من داع فأستجيب له, هل من مستغفر فأغفر له)
فسبحان من وسعت رحمته كل شيء.
مواقع النشر