[align=center] بعد نصف قرن من التجارب المريرة في قرارات الأمم المتحدة، ومع زوال القطب السوفياتي، وبروز
دول لا تقل شأناً عن الدول العظمى، أصبحت الأمم المتحدة بحاجة لإعادة صياغتها من جديد، وبات لا بد
من إعادة النظر في مسألة الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، بحيث تتم زيادة عدد الأعضاء
الدائمين فيها، واعتماد التصويت على مشاريع القرارات من الجمعية العمومية. أو أن يتم إسقاط هذا
التميز الذي تحتكره الدول الخمس: الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا،
والمتمثل في حق النقض، أو ما باتت مألوفة تسميته (الفيتو)، ويصبح التصويت وفق قاعدة الأكثرية،
وإما كسر هذا الاحتكار بحيث تنتسب إلى هذا النادي دولة من دول العالم الثالث تكون ذات عضوية
دائمة، وفي حال الإبقاء على حق (الفيتو)، أن تستعمله هذه الدولة في كل مرة يكون فيها مشروع
قانون ضد مصلحة العالم الثالث المستباحة حقوقه وقضاياه وبعض أنظمته. هذا الحق الجائر لا يستخدم
في الغالب من الدول الثلاث الغربية، إلا فيما فيه إضرار بمصالح الدول العربية والإسلامية.
وقد ظهرت في السنوات العشر الأخيرة أصوات تطالب بتعديل نظام الأمم المتحدة وتوسيع قاعدة مجلس
الأمن، بإضافة دول أخرى مقترحة: كـاليابان، وألمانيا، والبرازيل، والهند؛ وربما كان هذا بسبب
التجاوزات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية - وما زالت - تجاه قضايا عالمية مصيرية، منها،
احتلال العراق بدون موافقة مجلس الأمن، ووقوفها الدائم بجانب حليفتها إسرائيل، والتعسف في
استعمال حق الفيتو. ويرى بعض أن التوازنات التي يتطلبها صدور القرارات في مجلس الأمن تحت ظل
(الفيتو) تضعف من النزاهة والموضوعية لتلك القرارات، في محاولة لتجنب 3 فيتوات محتملة. وأن
هذا النظام للتصويت أسهم في إضعاف، بل وتقويض، نزاهة الأمم المتحدة، وحال دون تمكنها من حل
أهم النزاعات الدولية.
الآن، وفي ضوء هذه التجارب المريرة، بات من الضروري، بل وحتمي، أن تستقيم الأمور من خلال
عضو سادس في هذا النادي المتميز، خصوصاً أن الخلل في التكوين كبير من أكثر من زاوية، فعلى
الصعيد الديني لا وجود للإسلام في هذا النادي، على الرغم من وجود أكثر من مليار مسلم، وهو
القضية الأساس. وعلى الصعيد القومي فإن العرب غائبون تماماً عن هذا النادي أيضاً، بالرغم من
أنهم محور الهم الدولي. وعلى الصعيد الاستراتيجي فإن الأمتين العربية والإسلامية مغيّبتان عن هذا
النادي، على الرغم من أنهما ساحة الصراع الدولي. وعلى صعيد الثروة، فإنهما من ضفاف الأطلسي
إلى أعالي القوقاز حافلتان بالثروات الطبيعية الهائلة، ومع ذلك لا أثر لهما في الوسط الدولي. وعلى
الصعيد الحضاري فإن الحضارات في كل من الأمتين تشكل حالة إشعاع إلى جانب حضارات أخرى.
إن كل الدول التي تطالب بمقعد دائم لها في مجلس الأمن، تملك مبرراتها المنطقية، ولكن من حق
العرب والمسلمين، وهم عشرات الدول، أن يكون لهم مقعد دائم فيه؛ لأن هذا من شأنه أن ينصف
الأمتين العربية والإسلامية. وعلى منظمة مؤتمر العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية تبني هذا
الموضوع. ولكن يبقى السؤال الملح: مَنْ مِنَ الدول العربية أو المسلمة محتازة على المواصفات التي
تؤهلها لهذه العضوية، بحيث تكون ممثلة المليار ونصف المليار عربي ومسلم في نادي الدول الدائمة
العضوية في مجلس الأمن؟ وما الذي يمنع مؤسسات العمل الرسمي العربي والإسلامي، متمثلة في
منظمة المؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، والاتحاد
المغاربي، والاتحاد الإفريقي، من التشاور وتوحيد الموقف والتفاهم على أن من حق الأمتين العربية
والإسلامية، من دون غيرهما، أن تكون لهما عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي؟ وبعد التفاهم
تكون المطالبة. أما من هي الدولة التي يمكن أن تشكل نقطة الالتقاء للأمتين؟ فللناقش هذا بموضوعية.
إندونيسيا تعدّ دولة إسلامية محورية، فهي تضم 40 في المئة من سكان منطقة شرق آسيا والمحيط
الهادئ، وتتسم بمساحة كبيرة وتنوع اقتصادي، وهي كذلك من أوائل المؤسسين لرابطة الأمم الآسيوية
الجنوبية (آسيان) عام 1967م. ولكن الحقيقة بحكم موقعها الجغرافي البعيد كثيراً عن مركز منطقة
النزاعات والصراعات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط جعلها بعيدة أيضاً عن قيادة الأمة الإسلامية
في أهم همومها ومشكلاتها وهي قضية فلسطين. وجارتها ماليزيا أيضاً بالرغم من اقتصادها القوي
والمتين، ولكن للسبب نفسه تعدّ مغيبة عن مركز الصراع.
باكستان دولة إسلامية نووية، وهذا ربما يكون أحد الأسباب التي جعل نموها الاقتصادي بطيئاً جداً؛ هذا
بالإضافة إلى الوضع السياسي غير المستقر من خلال الحكومات المتعاقبة، وتنافس أحزابها غير
الشريف على السلطة؛ وما لديها من الهموم والمشكلات، مما يجعلها غير مكترثة كثيراً بأمور العرب
والمسلمين، على حد سواء.
تركيا تعد من عداد الدول الإسلامية القوية عسكرياً، ولكن غلبة الحكومات العلمانية المتعاطفة مع
الجيش، وعلاقاتها مع إسرائيل، وانضمامها لحلف الناتو، ووقوفوها مع دول الغرب في احتلال العراق،
بفتح قاعدة أنجليك العسكرية لقصف أفغانستان والعراق، هذا كله أضعف موقفها لتكون مؤهلة لقيادة
الدول الإسلامية.
مصر ذات التاريخ العريق في العروبة والإسلام، وذات الموقع الجغرافي الاستراتيجي ربما كان دورها
ليؤهلها لأن تقود الأمتين العربية والإسلامية، ولكن الزيادة الهائلة في عدد السكان قوّض اقتصادها
كثيراً، إضافة إلى الاتفاقيات ومعاهدات السلام المنفردة التي وقعتها مع إسرائيل، التي كانت سبباً آخر
في صعوبة إمكان تأهلها وقيادتها لقضايا العرب والمسلمين.
أما إيران، فإن موقعها الإستراتيجي في المنطقة، وقوتها العسكرية المتنامية لم يشفعا لها لأن تقود
الأمة الإسلامية، بسبب اتخاذها مواقف سلبية مع الكثير من الدول العربية، وبسبب نهجها خطاً عقدياً
ومذهبياً متطرفاً في الإسلام.
المملكة العربية السعودية، حاضنة العالمين العربي والإسلامي، ودولة المقدسات الإسلامية، ودولة
التوافقات، ودولة المساندات العربية والإسلامية، وهي من أكثر الدول الحريصة على التضامن
الإسلامي في مجالاته كافة، وهي الدولة الجسر بين العالم الغربي والعالمين العربي والإسلامي، وهي
الدولة التي تملك رؤية واضحة لعلاقة العرب والمسلمين مع دول العالم بكل أطيافه وقومياته، ورؤية
أكثر وضوحاً للصراع العربي - الإسرائيلي، والدولة الأكثر قبولاً لدى الدول الكبرى، والدولة التي بينها
وبين دول العالمين العربي والإسلامي أواصر علاقة قائمة على التفهم. والأهم من هذا كله، هو أنها
في مجلس الأمن لن تكون فقط دولة دائمة العضوية، وإنما ستكون ذات حضور إيجابي بغرض
التصحيح وجعل سمعة هذا التجمع المتميز على غير السوء الذي هي عليه منذ نصف قرن. أي بما
معناه يصبح المجلس الذي ينصف ويعدُل وليس مجلس (الفيتو)، من أجل أن يُضام العرب والمسلمون
ولا تصاب إسرائيل بإدانة. لقد احتلت المملكة العربية السعودية مكاناً مرموقاً في تاريخ العروبة
والإسلام منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود، (رحمه الله)، وهو الذي كان
حريصاً كل الحرص على الاهتمام بقضايا الأمتين العربية والإسلامية، ومن أهمها قضية فلسطين، ثم
سلّم الراية إلى أبنائه من بعده، فالملك فيصل، (رحمه الله)، يشهد لـه الغرب والشرق بوقوفه في صف
كل القضايا العربية والإسلامية، صغيرها وكبيرها، فكم دعا إلى مؤتمرات عربية إسلامية في كل جائحة
كانت تصيب الأمة، بل لقد سجّل لـه التاريخ مواقف عدة، منها موقفه من حريق المسجد الأقصى،
وموقفه المشرف في قطع البترول عن دول الغرب التي تضامنت مع إسرائيل في حربها على بعض
الدول العربية سنة 1973م، والذي كان من نتيجة هذا الموقف البطولي استشهاده، (رحمه الله).
والتاريخ يحفظ أيضاً لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بعض المواقف الشجاعة
في وجه الطغيان والاعتداءات الصهيونية على لبنان، ولن ينسى الشرق والغرب موقف المملكة في
أروقة الأمم المتحدة، والتصريح الصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، حين
تمادت إسرائيل في تقتيل الأبرياء في غزة، وحاولت فرنسا التملص من إدانة إسرائيل، ويعدّ الآن،
حفظه الله، هو مفتاح الحوار بين الأديان الحضارات.[/align]
مواقع النشر