الحمد لله
و الصلاة و السلام على رسوله محمد
وعلى آله وصحبه
أيها الأفاضل :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تـمـهـيـد:
إن المواريث قد تولى قسمتها القرآن الكريم في محكم آياته وشرحتها السنة النبوية بمتظافر الأخبار ومشهور الآثار ، وخرج أحكامها وقايس بين أشباهها أعلام الصحابة وأئمة الفقهاء ، وهو العلم الذي تولى الله تفصيله وبيانه ومن العلماء من عده ثلث علم الدين لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة ، أو سنة قائمة أو فريضة عادلة )) ، وقد عدها بعضهم علما قائما بذاته ولم تعتبر كسائر أبواب الفقه وأقسامه .
تــعـــريــف الإرث :
الميراث في اللغة العربية مصدر ( ورث ) يرث إرثا وميراثا ، يقال ورث فلان قريبه وورث أباه قال تعالى : (( وورث سليمان داود )) ، وقال تعالى : (( وكنا نحن الوارثين )) ، ومعنى الميراث في اللغة : انتقال الشيء من شخص إلى شخص ، أو من قوم إلى قوم ، وهو أعم من أن يكون بالمال أو بالعلم أو بالمجد والشرف ، ومنه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( العلماء ورثة الأنبياء و إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر )) .
وفي الاصطلاح : هو انتقال الملكية من الميت إلى ورثته الأحياء .
وسمي أيضا علم الفرائض أي مسائل قسمة المواريث ، وهو جمع فريضة بمعنى مفروضة أي مقدرة لما فيها من السهام المقدرة لأصحابها ، لقوله تعالى : (( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون نصيبا مفروضا )).
وعلم الفرائض : هو فقه المواريث وعلم الحساب الموصل لمعرفة أصل السهام وتصحيحها وقسمة التركات على مستحقيها ، وعرفه بعضهم :" هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المتعلقة بالمال بعد موت مالكه تحقيقا أو تقديرا " .
حـــكــمـــه :
هذا العلم من فروض الكفاية وقد أجمعت الأمة على ذلك ، فقد رغب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تعلمه وتعليمه وحذر من الجهل به ، واستوفى الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ النظر فيه وفي فروعه أكثر من غيره ، فمن استكثر منه فقد اهتدى بهداهم .
قال " عمر بن الخطاب " ـ رضي الله عنه ـ : " تعلموا الفرائض فإنها من دينكم ".
وقال أيــضـــا : " إذا لهوتم فالهوا بالرمي وإذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض ".
وقال " عبد الله بن مسعود " ـ رضي الله عنهما ـ :" تعلموا القرآن والفرائض فانه يوشك أن يفتقر الناس إلى علم من يعلمها " .
وقال " أبو موسى الأشعري " ـ رضي الله عنه ـ : " مثل الذي يقرأ القرآن ولا يحسن الفرائض كمثل لابس برنس ولا رأس له " .
وقال " مالك " ـ رحمه الله ـ :" لا يكون الرجل عالما مفتيا حتى يحكم الفرائض والنكاح والأيمان " .
فــضــل علم الفرائض :
علم الفرائض من أجل العلوم قدرا وأعظمها شأنا وحسبك أنه علم قرآني ، فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إن الله تعالى لم يكل قسمة مواريثكم إلى نبي مرسل ولا إلى ملك مقرب ولكن تولى بيانها فقسمها أبين تقسيم )) .
وذلك حسما للنزاع الذي يزرع الأحقاد ويقطع الأرحام ، وإبقاء لصلة القرابة وحفظا لمال الأيتام وجبرا لأحد الزوجين عند موت الآخر ، ولذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( من قطع ميراثا فرضه الله سبحانه وتعالى قطع الله ميراثه من الجنة )) أي بجهله بكيفية القسمة .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض ، وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة ولا يجدان من يفصل بينهما )) .وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم وهو أول علم ينزع من أمتي )) ، فلما كانت الفرائض من أجل العلوم وأنفسها جعلت لجلالتها كأنها نصف كل ما يتعلم مبالغة للاعتناء بشأنها والتنبيه على عظم فضلها و الحث على تعلمها وتعليمها ، وأيضا فان أحوال الإنسان قسمان :
قسم قبل الوفاة ، وقسم بعدها ، وعلم الفرائض خاص بما بعدها فهو نصف بهذا الاعتبار.
اســتــمــداده:
هذا العلم مستمد من كتاب الله تعالى وأحاديث نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، واجتهاد الصحابة ـ رضوان الله عنهم ـ والإجماع والقياس .
1- من القرآن :
قال الله تعالى : (( للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون ، و للنساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا )) النساء 7 .
و قال الله تعالى : (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك و إن كانت واحدة فلها النصف ، و لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ، فإن لم يكن له ولد و ورثه أبواه فلأمه الثلث ، فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين ، آباؤكم و أبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ، فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما )) النساء 11 .
و قال الله تعالى : (( و لكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ، و لهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد ، فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم ، من بعد وصية توصون بها أو دين ، و إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكل واحد منهما منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ، من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار ، وصية من الله ، و الله سميع عليم )) النساء 12 .
و قال الله تعالى : (( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ، إن امرؤ هلك ليس له ولد و له أخت فلها نصف ما ترك ، و هو يرثها إن لم يكن لها ولد ، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك ، و إن كانوا إخوة رجالا و نساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ، يبين الله لكم أن تضلوا و الله بكل شيء عليم )) النساء 176 .
2- من السنة :
أحاديث كثيرة منها:
1) حديث ابن عباس : (( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي رجل ذكر )) متفق عليه .
2)حديث أسامة بن زيد (( لا يرث المسلم الكافر،ولا الكافر المسلم )) الجماعة إلا النسائي .
3)حديث عبادة بن الصامت : (( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما )).
4) حديث عبد الله بن عمرو : (( لا يتوارث أهل ملتين شتى )) أحمد وأبو داود و ابن ماجة .
و أما اجتهاد الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ و الإجماع و القياس سنقف عليه و بجلاء لاحقا .
ميراث المرأة قبل الإسلام :
كانت المرأة قبل الإسلام لا تعطى شيئا من الإرث وكذا الوليد ، إذ كان العربي يقول : " كيف نعطي المال من لايركب فرسا ولا يحمل سيفا ولا يقاتل عدوا ؟ " ، بل كانت تعتبر جزء من التركة تنتقل من المورث بعد وفاته إلى الوارث ؟؟
ميراث المرأة في الإسلام :
لقد جاء الإسلام و كرم المرأة و أعطاها كامل حقوقها و نزع عنها حياة الغبن التي كانت تعيشها ، و الصفات المشينة التي ألصقت بها ، و في الميراث جعلها كائنا كامل الحقوق و لم يفرق بين كبيرة و صغيرة أو وضيعة و شريفة ، بل و حفظ لها حقها حتى و لو كانت جنينا في بطن أمها ، و لكن مما نأسف له كثيرا في بعض بلداننا العربية و الإسلامية أن هناك من يمنع المرأة من الميراث و خاصة في الأراضي حتى لا تدخل عليهم رجلا أجنبيا ، فيورثونها في المنقولات و يمنعونها في الأراضي ، و الآية صريحة ، قال الله تعالى : (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ..)) ، فلم تستثن الآية شيئا ، فلنقل لهؤلاء اتقوا الله و لا تتجاوزوا أحكام الله و لا تعتدوها .
و السؤال المطروح : لماذا كان نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى ؟
1- أن المرأة مكفية المؤنة والحاجة ، فنفقتها واجبة على ابنها أو أبيها أو أخيها أو أقاربها.
2- المرأة لا تكلف بالإنفاق على أحد ، بخلاف الرجل فانه مكلف بالإنفاق على الأهل والأقرباء
3- نفقات الرجل أكثر ، والتزاماته المالية أضخم ، فحاجته إلى المال أكبر من حاجة المرأة .
4- الرجل يدفع مهرا للزوجة ويكلف بنفقة السكنى وبالمطعم والملبس للزوجة و الأولاد .
5- أجور التعليم للأولاد وتكاليف العلاج والدواء للزوجة والأبناء يدفعها الرجل دون المرأة.
وللحديث صلة ان شاء الله
مواقع النشر