السلام عليكم
ليس أضر على الدعوات من أن يتسرب اليأس إلى أفرادها ، أو يصيبهم الوهن والضعف بسبب محنة أو ابتلاء ، فهذا مرض قاتل حذر الله المسلمين منه بعد غزوة أُحُد فخاطبهم قائلاً [ ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ] [آل عمران : 139] .
فإن من سنة الله في الدعوات أن تنتصر وتنهزم ، وتُبتلى بالمصائب ونقص الأفراد والأنفس ؛ لتكون دروساًقاسية يتعلم فيها المسلم أشياء لم يكن ليتعلمها بالوعظ والكلام . لقد ابتليت الدعوات في هذه الأيام بتسلط الظالمين المفسدين يؤُزّهم من ورائهم شياطين الإنس من كل ملة ودولة ، بل إن المتتبع لما يجري على الساحة في أنحاء العالم الإسلامي لَيجد تصميماً عجيباً على إقصاء الإسلام وإبعاده عن الفعل و التأثير ، ويقابل ذلك دعوات مخلصة ولكن مع تفرق في الصف الإسلامي وضعف في الأخذ بالسياسة الشرعية المناسبة لكل حدث ومعرفة سنن الله في التغيير .
وقد علَّمتنا دروس التاريخ القديم والحديث أنه بعد الفتن و المحن يخرج أصناف من الناس إذا عرفنا توجهاتهم فلعلنا نخرج بأقل الخسائر .
هناك صنف من الناس سيصاب بإحباط شديد وبصدمة عنيفة ، فهو لم يتوقع أبداً ما يحدث ولم يُعد للأمر عدته ، ولم يتعود إلا على سماع الأخبار التي يحبها ، ذلك لأنه عاطفي خيالي ، فهو يرى أن دولة الإسلام قاب قوسين أو أدنى لما يرى من كثرة المقبلين على هذا الدين و لما سمع من أن الإسلام قادم (وهو قادم بإذن الله) ، هذا الصنف لا ينقصه الإخلاص ولكن تنقصه التجربة و الوعي العميق بتاريخ الدعوة وتاريخ الدول ، وأسباب النجاح والفشل .
وسيخرج صنف يفكر تفكيراً معوَّجاً ، سيقول : لا فائدة من الدعوةوالعمل والكلام ... ولا يحل المشكلة إلا القوة ، فهذا في الظاهر شجاع ولكن في الحقيقة يقوم بعملية هروب ، ولكنه هروب إلى الأمام !
وهو صنف لا يملك في الغالب الفقه العلمي و العملي ، وتاريخنا الإسلامي في القديم و الحديث يعلمنا أنه قد نبتت نابتة مثل هذه عقب الفتن وعدم وضوح المنهج أو عندما لا تُدرأ الفتن بالسنن الربانية . وصنف ثالث مخالف تماماً للصنف السابق ، إنه في الطرف الآخر ، فهو يرى أنه لا داعي إلى التضحيات و العمل الدعوي والتعاون مع إخوانه في سبيل الحق ،فالقضية تحتاج إلى نفس طويل ، وعودة إلى الكتب والقراءة من جديد والفكر ، والحوار ،وعدم العنف (و الجهاد - عند هؤلاء - عنف ! ) ، وهذا الكلام ظاهره فيه شيء من الحق وباطنه الهروب من الاستمرار والمواجهة .
إن العودة للنقد الذاتي والتعمق في فهم أخطاء الماضي شيء طيب ، ولكن هذا الصنف - مثل المرجئة - إنما يريد الهدوء وراحة البال . وسيظهر صنف ر ابع هو من أخطر هؤلاء ، هذا الصنف كان يكتم حب الظهور والرئاسة لأن الوقت غير مناسب أو كان مندساً بين الصفوف ، وقد لاحت الآن الفرصة ليتقرب من أصحاب الشأن ، ويقدموا له فتات الموائد ، وإن من فوائد المحن وحِكم الابتلاء ظهور مثل هذا الصنف حتى تتمحص الصفوف ويُعرف الكاذب الدعي من الصادقالمخلص .
سيبقى أعداد كثيرة - بإذن الله - على الحق سائرون ، لا يضرهم ضعف أوتخاذل أو إظهار الشماتة والحقد ..
ونقول للذين تسرب اليأس إلى قلوبهم : إن هذا الأمر لايتم إلا بالصبر والمصابرة والرجاء بنصر الله ووعدهالأكيد ، ومن أكبر أسباب الظفر ذكر الله والثقة به ؛ قال تعالى : [ واذْكُرُوااللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ] [الجمعة : 10] ، قال المفسرون : ( وفيه إشعار بأن على العبد أن لا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلباً ، وأكثر مايكون هماً وأن تكون نفسه مجتمعة لذلك ) ، ومن أكبر أسباب الظفر معرفة سنن الله في التغيير ، وقد وعد الله المؤمنين بالنصر ؛ لأن أعداءهم لا يفقهون [ وإن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِّنَ الَذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ][الأنفال : 65] ..
وهذا يعني أنه من المفروض على المسلمين فقه أسباب النصر والاستعداد له من الناحية المعنوية والمادية ، وقدجاء في القرآن على لسان موسى - عليه السلام - عندما أراد أن ينقذ قومه من بطش فرعون [ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ][الأعراف : 128] ، فهذه الأرض لله وليست رهن تصرف الظالمين وأنها تدوم لهم بل سنة الله أن يسلبها منهم عندما يتقي المؤمن أسباب الضعف والهلاك ، واليأس من روح الله ويتقي التخاذل والتنازع ، ويعمل بضدها من الأخلاق الإسلامية من الاستعانة بالله والصبر على المكاره ، ويتفقه بسنن الله في التغيير وتأثير العقيدة والاجتماع للتمكين في الأرض .
مواقع النشر