كشف تقرير حديث لصندوق النقد الدولي حجم تحويلات العاملين في المملكة إلى الخارج والتي سجلت 194 مليار دولار خلال الفترة من 2000 إلى 2010، إضافة إلى توقعات بتجاوز حوالات العمالة الوافدة خلال العام الجاري إلى 26.67 مليار دولار (100 مليار ريال تقريبا). وسجلت حوالات العمالة الوافدة إلى الخارج خلال الفترة ذاتها زيادة نسبتها 182 في المائة، فيما بلغت نسبة تحويلات العاملين التراكمية الخارجة من السعودية خلال الفترة من 2000 إلى 2010، مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي 45.9 في المائة، فيما تأتي الإمارات في المرتبة الثانية بـ 17.6 في المائة بتحويلها 74 مليار دولار، والكويت في المرتبة الثالثة بنسبة 14.7 في المائة، وقطر وعمان وأخيرا البحرين بنسبة 3.4 في المائة، بـ 14.4 مليار دولار.
وأكد لـ "الاقتصادية" الدكتور سعيد الشيخ عضو مجلس الشورى وكبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري، أن مساهمة العمالة الوافدة في القطاع الخاص تصل إلى 87 في المائة، بينما حصة السعوديين في المشاركة في القطاع الخاص من إجمالي العاملين في القطاع 13 في المائة فقط، وهي نسبة متدنية جدا مقارنة بحجم العمالة الوافدة في هذا القطاع.
وأوضح أن الأجانب في المملكة حسب الإحصائيات 8.6 مليون أجنبي، بينما في سوق العمل نحو خمسة ملايين عامل. وبين أن النمو الاقتصادي الذي حدث في الفترة الماضية بين 2003 و2010 اجتذب عمالة كبيرة نتيجة هذا النمو المرتبط بنشاط في جميع القطاعات، خاصة في قطاع الإنشاء الذي يعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة، ويصل حجم العمالة في هذا القطاع إلى 2.6 مليون عامل، ونسبة السعوديين في هذا القطاع أقل من سبعة في المائة، كذلك في قطاع تجارة الجملة والتجزئة حجم العمالة في هذا القطاع تصل إلى نحو 1.5 مليون عامل، ونسبة السعوديين في هذا القطاع 15 في المائة، وكذلك قطاع الصناعة هناك أكثر من 650 ألف عامل يشكل السعوديون منهم نحو 20 في المائة.
وأضاف "مستوى تركز العمالة الوافدة في قطاعات تعتبر رئيسة مثل قطاع الإنشاء، وقطاع تجارة الجملة والتجزئة، والقطاع الصناعي، وبالتالي من الطبيعي أن نشاهد زيادات كبيرة في تحويلات العمالة الوافدة إلى الخارج لأنه نتيجة طبيعية لحجم العمالة الأجنبية في سوق العمل، حيث إن زيادة تحويلات العمالة مرتبطة بزيادة أعداد العمالة خلال الفترة التي حددها التقرير، وبالتالي أصبحت النتيجة طبيعية بزيادة حجم تحويلات العمالة الأجنبية.
وقال "هناك تحديات كبيرة تواجه البلاد نحو التوجه بسعودة الوظائف وإن حدث بشكل تدريجي ولكن الحاجة ملحة للعمل على زيادة نسبة السعودة في كل القطاعات للتقليل من حجم تحويلات العمالة الوافدة إلى الخارج بما يحفظ بقاء الموارد في الداخل والاستفادة منها في النشاط الاقتصادي الداخلي وتوظيف أبناء الوطن، حيث إن نسبة البطالة تتجاوز 10 في المائة بالنسبة للسعوديين".
وتابع "في ظل الأوضاع المالية الحالية وارتفاع أسعار النفط وارتفاع حجم الإيرادات النفطية لا تشكل تحويلات العمالة الوافدة على الأقل في الوقت الحاضر مخاطر كبيرة، لكن في حالة اتخاذ أسعار النفط مستقبلا اتجاها معاكسا لما هو عليه الحال الآن بانخفاض أسعار النفط، أو انخفاض الطلب على النفط وبالتالي انخفاض الإنتاج، إذا ما حدثت هذه الأمور التي لا يمكن الجزم بحدوثها في ظل متغيرات عالمية كبيرة وربما تتجه أسعار النفط في فترة من الفترات وتنعكس سلبا على انخفاض العائدات النفطية. وهذا قد يشكل تحديا لميزان المدفوعات (ميزان الحساب الجاري)، وقد يحدث عجز في الميزان التجاري مع استمرار زيادة الوارادات من السلع.
وزاد كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري "يجب أن تعمل الدولة على زيادة توطين الوظائف لتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة واتخاذ إجراءات في هذا الاتجاه مثل تحديد حد أدنى للأجور في بعض المهن والقطاعات للسعوديين حتى يتم اجتذاب السعوديين إلى هذه القطاعات والمهن التي لا يستطيع السعودي منافسة العامل الأجنبي فيها، لتدني مستوى الأجور في تلك المهن والقطاعات، لصعوبة قبول السعودي بوظائف ذات أجور متدنية، نظرا لأن تكلفة المعيشة بالنسبة للسعودي مرتفعة، فوضع حد أدنى للأجور في القطاع الخاص يسهم في اجتذاب عدد أكبر من العمالة السعودية إلى هذه القطاعات التي تسيطر عليها العمالة الوافدة، لينعكس ذلك على انخفاض مستوى التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى الخارج، كذلك يجب اتخاذ إجراءات لرفع تكلفة استقدام العمالة الوافدة على مستقدمي العمالة، واتخاذ إجراءات أكثر تشددا لتصبح تكاليف العامل السعودي قريبة من تكاليف العامل الأجنبي على الشركات المستقطبة للعمالة الوافدة، لخدمة توطين الوظائف وتقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية، وخفض التحويلات المالية إلى الخارج.
من جهته، أكد الدكتور محمود سامي - مستشار مالي واقتصادي مصرفي - أن السعودية في عام 2000 كانت في المرتبة 16 عالميا تقريبا، بالنسبة لتحويلات العمالة الوافدة، بينما وصلت في الفترة الماضية إلى المرتبة الثالثة والثانية عالميا بعد الولايات المتحدة.
وبيّن ضرورة إحلال السعوديين محل العمالة الوافدة، حيث إن تحويلات العمالة الوافدة كبيرة جدا وذات انعكاسات وآثار اقتصادية سلبية على الاقتصاد الوطني تتفاقم أمام الجميع في السنوات الماضية.
وأضاف "يجب عمل التشخيص ووضع الحلول والدفع بالمقترحات ليكون هناك رؤية واضحة حول تحويلات العمالة الوافدة إلى الخارج، وتطبيق الحلول في التجارة الوسطى والتجزئة، كما يجب أن تتغير ثقافة الشباب نحو الوظائف وإيجاد الحلول الجذرية".
وقال إذا تم حساب التحويلات العمالة الوافدة إلى الخارج مقارنة بمستوى الناتج المحلي الإجمالي دون النفطي ستظهر نتائج كوارثية، وسنجد مستوى الناتج المحلي الإجمالي لا يتجاوز 10 في المائة من حجم التحويلات المالية إلى الخارج.
وأشار إلى أهمية تقسيم العمالة الوافدة إلى ثلاث فئات، فئة تتعلق بالخبرات النادرة، وفئة العمالة للمهن التي لاتتطلب مهارات مثل السائقين والعاملات المنزليات، وفئات العمالة الوسطى بين الفئتين، والأغلب هي عمالة غير محترفة وغير مهنية، ووضع الحلول لتلك الفئات للاستغناء تدريجيا عن تلك العمالة للمهن التي لا تتطلب المهارات والعمالة غير المحترفة، ووضع خطط جذرية بدلا من النظر إلى القضية التي تتفاقم سنويا دون حراك. وأشار إلى أنها قضية مؤرقة للاقتصاد الوطني.
وحذر من تفاقم قضية التحويلات المالية إلى الخارج وتدهور الوضع النقدي في حال انخفاض أسعار النفط، وبالتالي انخفاض العوائد، مما يؤدي إلى عجز مفزع يؤرق الاقتصاد والاقتصاديين. وأكد ضرورة الابتعاد عن مناطق الخطر واستغلال تلك المبالغ في الداخل وعدم استنزافها إلى الخارج، بتشجيع العمالة الوافدة على الاستثمار والمشاركة في التملك لتنمية الرغبة في استثمار الأموال داخل الاقتصاد الوطني.
مواقع النشر