بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه نبذة عن كتابين عن أبو حيان التوحيدي


(1)


[align=justify]كتاب الهوامل والشوامل
هوامل أبو حيان التوحيدي



المؤلف: علي أحمد الديري


يقول المؤلف: ذهبت لهوامل التوحيدي أشق شارعا جديدا لمدينة عربية جديدة

كان من أهم قراءاتي لهذا العام رجوعي إلى كتاب (الهوامل والشوامل) الذي هو نتاج أديبين فيلسوفين، هما ابن مسكويه وأبوحيان التوحيدي.

الهوامل: وهي النياق الشاردة بلا راع، وبها سمى أبو حيان أسئلته (وهي 175 سؤالاً) التي بعث بها إلى مسكويه (ت 421هـ). فأجابه مسكويه بأجوبة سماها: (الشوامل). يقال شملت إبلكم لنا بعيراً: أي أخفته ودخل في شملها.

[info]ملاحظة: التاريخ (ت 421هـ) الذي يذكره المؤلف خطأ، حيث أن ظهور التوحيدي كأديب كان بين (347 – 400 هـ)[/info]

والظاهر - كما يقول المحقق - أن الكتاب أخفي قديماً خوفاً عليه من سخط العامة، فانقطع خبره، ولم يذكره أحد من المؤرخين، سوى البيهقي في (تاريخ حكماء الإسلام).

كان التوحيدي يسأل:
ما الإنسان؟
وما المعرفة؟
وما العلم؟
وما الإتلاف؟
وما الاختلاف؟

(ما السبب في قتل الإنسان نفسه عند إخفاق يتوالى عليه)

و(ما السبب في اشتياق الإنسان إلى ما مضى من عمره، حتى إنه ليحن حنين الإبل)

و(لم صار الإنسان إذا صام أو صلى زائداً عن الغرض المشترك فيه، حقَّر غيره واشتط عليه، وارتفع على مجلسه ووجد الخنزوانة في نفسه، وطارت النعرة في أنفه حتى كأنه صاحب الوحي)

و(ما الذي حرك الزنديق على الخير وإيثار الجميل)

و(ما سبب غرور أولاد المشهورين وتعاليهم على الناس)

و(ما السر في أن الناس يستخفون من أطال ذيله وكبر عمامته)

و(لم صار العروضي رديء الشعر، والمطبوع على خلافه)

و(ما الذي سوغ للفقهاء أن يقول بعضهم في الفرج الواحد: هو حرام، ويقول الآخر: هو حلال....وهم يزعمون أن الله قد بين الأحكام ونصب الأعلام وأفرد الخاص من العام، ولم يترك رطباً ولا يابساً إلا أودعه كتابه)

و(لم صار من يطرب إلى غناء يمد يده ويحرك رأسه..)

و(لم صار اليقين إذا حدث وطرأ لا يثبت ولا يستقر؟ والشك إذا عرض أرسى وربض؟)

أسئلة مشبعة بروح عاطفية قلقة تطارد التناقض في كل مكان لكي يجعل الحقيقة المخبوءة تنبثق وتظهر، كما يقول محمد أركون، أبرز المشتغلين على فلسفة التوحيدي.

أن تسائل أجوبة شاملة،
يعني أنك تريد أن تحرر المعرفة من برودة الأجوبة الجاهزة.

كم نحن بحاجة اليوم إلى أن نتعلم من التوحيدي،
كيف نعيد للسؤال حرارته وحرقته ونفوره من المعرفة الشاملة.

الرجوع إلى هوامل أبي حيان التوحيدي في غاية الأهمية اليوم، لأنها تعلمك كيف تهمل شوامل ثقافتك، وتكون نافراً بأسئلتك القلقة والمشككة، تعلمك كيف تجعل من السؤال حركة بحث قلقة ومزعجة، تعلمك كيف تسائل بدهياتك، ومهملاتك ويومياتك وعوارضك ووجودك الحي، وحالاتك النزقة والمتغيرة والمتناقضة، تعلمك أن تسأل عن إللاعقل فيك وإللا منطقي وإللا إنساني، تعلمك هوامل أبوحيان كيف تجعل من سؤالك مغامرة لا طلباً لمعرفة جاهزة، وتحرض سؤالك أن يكون سؤالا اعتراضيا ونقديا وفاتحا. تعلمك كيف يكون سؤالك كتاباً مفتوحا على روح العالم والإنسان بتعدده واختلافه!! تعلمك أن السؤال يبقى نافرا لا يسكنه شمول أي منطق ولا أية منظومة ولا أي مذهب.

هوامل أبي حيان التوحيدي تعلمك أن السؤال حركة، وإن الإنسان كله حركة، ومتى فقدت حواسه أو روحه أو أعضاءه الحركة فقد إنسانيته، حين تحاصر سلطة الأجوبة بشمولها حركةَ لسانه ونفسه وقلبه وروحه وعقله، يفقد إنسانيته"الحركة صورة واحدة لكنها توجد في مواد كثيرة ومحال مختلفة، وبحسب ذلك تُولَّى أسماء مختلفة .... [فهي] في اللسان منطق، وفي النفس بحث، وفي القلب فكر، وفي الإنسان استحالة، وفي الروح تشوُّف، وفي العقل إضاءة واستضاءة....." أبو حيان التوحيدي/المقابسة 49. هوامل أبي حيان هي هذه الحركة، حركة الأسئلة المتشوفة للاستضاءة والاستحالة والتقلب.

"كل عبارة منتهية يتهددها الخطر بأن تكون أيدلوجية" كما تقول جوليا كرستيفا، هوامل أبي حيان حركة ضد العبارات المنتهية، ضد العبارات الشاملة ضد خطرها المحدق بالإنسان ضد نزعتها في أن تتحول معتقدا صلبا أو أيديوجية تشل حركة الإنسان.هوامل تقاوم رغبات الاستحواذ والشمول.

هوامل تخرجك بنفورها وتحديها من الواحد الشامل: جواب واحد تقدمه ثقافة واحدة أو دين واحد أو مذهب واحد أو شيخ واحد أو معتقد واحد أو منطق واحد، وتصلك بهوامل المتعددين والمتنوعين والمتكوثرين.

إن الجواب يحتاج إلى حركة السؤال، إن الشامل معوز ومحتاج وفقير إلى الهامل إلى حركته وروحه واحتجاجه ونهمه.لذلك كان ابن مسكويه محتاج إلى التوحيدي، محتاج إلى سؤاله، أكثر مما كان التوحيدي محتاج إلى جواب ابن مسكويه.

العالم يتجدد بالهوامل، من يفتح حياتنا بالأسئلة يحرك عالمنا ويجدده ويغيره، هوامل كانط المحركة كانت أربعة: «ماذا أستطيع أن أعرف؟»، «ماذا يجب أن افعل؟»، «ماذا يمكن أن آمل؟»، و«ما هو الإنسان؟». أربعة من أسئلة الفيلسوف إيمانويل كانط، وجَّهت كتابه الشهير «نقد العقل المحض»، ولأننا بحاجة دوما إليها كي نجدد حياتنا، فقد كتبت على يافطات صفراء، وبعدة لغات، ووزعت على شوارع عدة بلدان ومدن أوروپية، حيث انطلق المشروع بداية من ألمانيا، فرنسا، اللوكسمبورغ، الدانمارك،اليونان، بريطانيا، وغيرها.

لبنان كان البلد الأول الذي يشهد هذا المشروع خارج القارة الأوروپية، والمشروع ألماني الأصل، وهو بعنوان: «weltfrageَ»، أي «أسئلة العالم»، والفكرة لفنان ألماني اسمه رولاند كرويزر، وأراد من خلال عرضه التجهيزي البصري هذا، أن يعيد طرح أسئلة كانط الفلسفية على شعوب العالم، وهو يستعمل أكثر من أربعين لغة عالمية مختلفة. أسئلة فلسفية تفرش في الشوارع وتسأل الإنسان عن نفسه وقلبه وحياته، فتصبح أقرب إليه مما تكونه في الكتب وأدمغة الفلاسفة حيث الأبراج العاجية.

الأرصفة ليست وحدها ما يشكِّل شوارع المدن، فهناك الهوامل التي تحرك أرصفة الشوارع، يتحرك الشارع بهذه الهوامل فيتغير ويتجدد.

هوامل التوحيدي هي نفسها هوامل كانط عابرة للثقافات والحضارات والأزمنة، أليس الشارع العربي بحاجة إلى يافطات صفراء تكتب عليها هوامل التوحيدي؟ أليست المدن العربية الشاملة بحاجة إلى شوارع جديدة تجمل تجهمها وترونق عبوسها؟!! أليست الثقافة العربية بحاجة اليوم إلى هوامل الشك لتخفف بها من شوامل اليقين؟!!

لقد ذهبت للتوحيدي أشق شارعا جديدا لمدينة عربية جديدة، ذهبت إليه لأن شوارع مدينتي صارت مزدحمة ومهترئة ولا حياة فيها، ذهبت إليه أبحث عن طريق رحب أمشي فيه، من دون إشارات حمراء تخنق حركتي.
[/align]
[line]-[/line]
(2)[/CENTER]

[align=justify]كتاب ابو حيان التوحيدي انسانا واديبا


المؤلف: لمحمد السامرائي

[align=justify]ازدهر النشر العربي بصورته المتميزة في العصر العباسي إلى حد كبير في موضوعاته. فأخذ يزاحم الشعر في إبراز أغراضه مدحاً وغزلاً وهجاءاً ورثاء وشكوى، كما صور النثر الحياة عامة، سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم ثقافية أم عقلية. من خلال الرسائل بأنواعها الأدبية والاخوانية والرسمية (الديوانية) وآداب السمر والحكايات التي تمثل ضرباً من الاتجاه الشعبي في هذه الجوانب من النثر. ويعد أبو حيان التوحيدي (علي بن محمد بن العباسي التوحيدي 312-414 هـ) من أبرز كتاب النثر القديم، وهو تلميذ مدرسة الجاحظ ومن الذين نالوا حظوة ومكانة عند الباحثين رغم الاختلاف البيّن في سنة ولادته ووفاته، فقد عده ياقوت الحموي في معجم الأدباء "شيخ الصوفية" وفيلسوف الأدب، وأديب الفلاسفة ومحقق الكلام. ومتكلم المحققين وأمام البلغاء" "فرد الدنيا لا نظير له ذكاء وفطنة وفصاحة ومكنة، كثير التحصيل للعلوم في كل حفظه، واسع الدرية والرواية". جعله السبكي في طبقات الشافعية الكبرى من فقهاء الشافعية ومن المؤرخين الكبار اللامعين. كذلك أعجب به من المحدثين، بفكره وأسلوبه "آدم متز، الذي اعتبره "أعظم كتاب النثر العربي على الإطلاق" في حين جعله زكي مبارك على رأس كتاب الآراء أو المذاهب في القرن الرابع الهجري. وهذا الكتاب "أبو حيان التوحيدي أنسانا وأديبا" يبين بجلاء منزلة هذا الأديب الموسوعي الذي لم يذق من كده وعلمه سوى الصدود والحرمان على الرغم من شهرته التي طبقت آفاق الأدب والنثر العربي القديمين على حد تعبير مؤلف الكتاب. يتوزع الكتاب على ثلاثة فصول وخاتمة، تناول الفصل الأول منها، "أبو حيان التوحيدي الإنسان" موضحاً الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية إبان القرن الرابع الهجري وأثرها على مسيرة التوحيدي في رحلته الشاقة مع ذوي السلطان والجاه الذين نال منهم الجفاء والصدود باعتباره إنساناً مبدعاً له حق العيش مثل بقية الناس. ويرى المؤلف أن الصورة القاتمة بجوها الملبد بالاضطرابات السياسية هي التي ميزت عصر التوحيدي، فقد برزت من الناحية السياسية سيطرة الدولة البويهية ابتداءاً من سنة 231 هـ. فما أن دخل البويهيون بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية حتى قبضوا على الخليفة العباسي المستكفي (ت 334 هـ) والخليفة المعتضد الذي أودع السجن حتى وفاته سنة 338 هـ.

ظهر التوحيدي من سنة (347 – 400 هـ) أديباً فقيراً من رواد القصور مريضاً بجملة من الأمراض النفسية أبرزها شعوره بالخيبة. ولعل انتقاله من حياة أوساط الارستقراطيين إلى التصوف يدلل لنا على أنه الأديب الذي وصل إلى مرحلة من اليأس والشؤم حتى أقدم على حرق كتبه. إعلاناً (ونتيجة) لتمرده على الحياة التي يعيشها. انتهى التوحيدي بعد تلك الرحلة العلمية الشاقة الى الموت فقيراً بائساً في إحدى زوايا مدينة شيراز اعتقاد منه بقلة جدواها " وضنا بها على ما لا يعرف قدرها بعد موته" ولا يبالي أبو حيان في إظهار وضعه هذا بل هو يعترف بجرأة بذلك في كتابه الاشارات الالهية. ونحس في كتاباته بقدرته على استبطان الذات واستقساء جوانب النفس، وأن مناجاته ذات غور عميق، وضعها في سجعات غير مستقرة وجادة. ويرى الباحث أن كتاب "الامتاع والمؤانسة" للتوحيدي هو من أهم كتبه والكتاب تضمن مسائل عديدة ضمتها ليلاليه الاربعون وعرض فيه لمسائل الفلسفة والدين والمنطق ، واللغة والنحو والحكم والأمثال والعادات والتقاليد الاجتماعية، إضافة الى ما احتوى عليه من جوانب فلسفية وثقافية فكرية جعلت منه عملاً موسوعياً. أشار التوحيدي في كتابه هذا الى قضايا تدل على نزعته النقدية، فهو لم يكن مجرد مصور لعصره ذاك: بل شاهداً عليه، ناقداً ناقماً، رافضاً، مرفوضاً معاً، ومن آثاره في البيئة والعصر أنه كثيراً ما ألمح توحياً لغرض مقصود وهدف يرمي اليه، فنراه حين يتكلم عن الماضي يقصد الحاضر، والقارئ لسرده للحوادث وذكر الاشخاص، يؤرخ بعلمه وذاكرته الحافظة الواعية لحقبة ما يعيش أحداثها.

عاث البويهيون في العراق خراباً وفساداً، وفعلوا الأعاجيب من اقتسام الملك، وبث الفوضى والعبث بالخلفاء المسلمين طيلة 113 سنة فترة تسلطهم على العراق، وقد صور التوحيدي ذلك لأنهم أرادوا محو الوجود العربي، فكانوا على حد قوله "أعجوبة الأعاجيب في اقتسام الملك وانتشار الفوضى، وذيوع الفتنة والاضطراب والعبث بسلطان الخلفاء، والتحكم في مصايرهم على ما يحلو للمهيمن المتسلط من الولاة والحكام". فعصر غلبت على أيامه قسوة الحكام البويهين والمواجع التي قاسى منها عامة الناس، طالت سلبياته الكتاب والأدباء، الذين ذاقوا من تلكم الانعكاسات السلبية الأمرين، ومنهم التوحيدي الذي نجده وقد تأثر بظروف عصره السياسية، وقد انعكس ذلك كله في مسامراته للوزير ابن سعدان، إذ غالباً ما تراه ينفعل إزاء ما يسمع، ثم يتخذ مواقف سياسية جريئة في كتاباته، ويصدر أحكاماً في رجال سياسيين اشتهروا في عصره كالصاحب بن عباد وابن العميد وابن سعدان مسامره في الامتاع والمؤانسة. ونجد كل ذلك حين أشار للعامة في الامتاع والمؤانسة وروايته لحكايات الشطار والعيارين، وما فعلوه من اضطرابات في البلاد من حركات وتمرد على السلطة علاوة على النقد الذي وجهه التوحيدي في أمثاله ونوادره التاريخية والسياسية. ويعد الواقع السياسي آنف الذكر كما عكسته مؤلفات ابن حيان – للحالة الاجتماعية العامة، امتداداً حتمياً للحالة السياسية القائمة وقتذاك، وقد أورد أبو حيان أمثلة كثيرة عن حالة البؤس التي انحدر اليها مفكرو وأدباء عصره. فهذا استاذه (أبو سعيد السيرافي) وعنده عالم العالم وشيخ الدنيا ومقنع أهل الأرض، لكنه كان "ينسخ في اليوم عشر ورقات بعشرة دراهم ليعيش". وتناول الفصل الثاني من الكتاب، "أبو حيان التوحيدي أديباً، أفكار الكاتب التي ضمنها في مصنفاته الوافرة وانتقاءه الألفاظ والعبارات ذات الجرس والوقع الجميل على الأسماع، مع الاشارة لاتصالات التوحيدي بأبي عبدالله العارض المعروف بابن سعدان (ت374). وتوقف عند الكتاب الأشهر لأبي حيان التوحيدي "الامتاع والمؤانسة" الموسوعة الشاملة للفلسفة والثقافة العامة. الفصل الثالث حمل عنوان "من أدب التوحيدي" وفيه تناول الباحث المادة الشعبية التي شكلت جزءاً من أدب التوحيدي في هذا اللون "الأمثال: أحاديث الزهاد، أصحاب النسك والادعية والوصايا والحكم، ومن كلام العامة، ولغة المولدين وألفاظ السباب". أما "القصص والحكايات والنوادر" فكانت مادة المبحث الثاني في هذا الفصل، فعرض فيه القصص العربية والحكايات وقسمها الى أربع، حكايات الوعاظ والحكايات البطولية وحكايات الشطار والعيارين، وحكايات الحيوان.

كتاب بحثي مهم عن كاتب يشكل وجوده قامة استثنائية في الثقافة العربية.

الكتاب: أبو حيان التوحيدي إنساناً وأديباً المؤلف: محمد رجب السامرائي[/align]